عند خروج الأمر عن دائرة سعینا وجدّنا، فإنّ ید القدر هی التی تتحکم بمآلنا وعاقبة أمرنا، وما هو جار بمقتضى قانون العلیّة الذی ینتهی إلى مشیئة الله وعلمه وحکمته وهو مقدّر علینا، فهو ما سیکون ویقع حینئذ، غایة ما فی الأمر أنّ المؤمنین بالله وعلمه وحکمته ولطفه ورحمته، یفسّرون هذه المقادیر بأنّها جاریة وفقاً «للنظام الأحسن» وما فیه مصلحة العباد، وکلٌّ یُبتلى بمقادیر تناسبه حسب جدارته التی اکتسبها.
حتى عبدة الأصنام ومن خلال الفطرة التي وضعها الله فيهم كانوا يقولون أننا نعبد الأصنام لا لأجلها بل لتقربنا وتكون واسطة وشفيعة لنا عند الله، فنحن غیر جدیرین أن نرتبط بالله مباشرةً، لكنهم غافلون عن أنّه لا تفصل بین الخالق والمخلوق أیة فاصلة، وهو أقرب إلینا من حبل الورید، زد على ذلک: إذا کان الإنسان ـ الذی هو بمثابة الدرّة الیتیمة فی تاج الموجودات ـ لا یستطیع أن یرتبط بالله مباشرةً، فأی شیء یکون واسطة الإنسان إلى الله؟
عند خروج الأمر عن دائرة سعینا وجدّنا، فإنّ ید القدر هی التی تتحکم بمآلنا وعاقبة أمرنا، وما هو جار بمقتضى قانون العلیّة الذی ینتهی إلى مشیئة الله وعلمه وحکمته وهو مقدّر علینا
إنّ الخالقیة بالذات من
مختصّات الله تعالى. ولا یتنافی مع اختیارنا فی الأفعال، لأنّ ما نمتلکه من القدرة والعقل والشعور، وحتى الاختیار والحریة، کلّها من عند الله، وعلى
هذا فمن جهة هو الخالق ومن جهة اُخرى نحن
نفعل باختیارنا، فهما فی طول واحد ولیس فی عرض واُفق واحد، فهو الخالق لکلّ وسائل الأفعال، ونحن نستفید منها فی طریق الخیر أو الشرّ.
کما أنّ التفویض غیر صحیح أیضاً، أی إنّ الناس لیسوا مجبورین تماماً على أعمالهم، ولا هم متروکون وأنفسهم یعملون مایشاؤون، بل إنّهم فی الوقت الذی یکونون فیه أحراراً فی الإرادة، فإنّهم فی حاجة للمعونة الالهیّة، لأنّ الله سبحانه هو الذی یعطیهم حریة الإرادة، فالعقل والوجدان الطاهر هما من مواهبه وعطایاه، وإرشاد الأنبیاء وهدایة الکتب السماویة من جانبه أیضاً
إنّنا مختارین، واختیارنا هذا یکون ضمن الهیمنة الإلهیّة، حیث تستطیع الإرادة الإلهیّة فی أی لحظة أن تسلب منّا هذا الاختیار، وهذا ما یذهب إلیه أهل البیت(علیهم السلام).
أنّ الله قد أوجد مجموعة من الأسباب للتقدّم والنجاح فی العالم، وأنّ الاستفادة من تلک الأسباب هی نفسها مشیئة الله، فمشیئة الله هی الآثار المخلوقة فی تلک الأسباب والعوامل، فإذا قام ظَلَمة وطغاة باستغلال أسباب النجاح، وخضعت لهم شعوب ضعیفة وجبانة، وتحمّلت حکمهم الشائن، فذلک من نتائج أعمال تلک الشعوب
أنّ خالقیة الله بالنسبة لأفعالنا لا تتعارض مع حریتنا فی الاختیار، إذ إنّ أفعالنا یمکن أن تنسب إلینا وإلى الله، فنسبتها إلى الله انما لکونه قد وضع مقدمات ذلک تحت تصرفنا، فهو الذی وهبنا القوّة والقدرة والإرادة والاختیار، فما دامت جمیع المقدمات من خلقه، فیمکن أن تنسب أفعالنا إلیه، ومن حیث إتخاذ القرار النهائی فإنّنا بالاستفادة ممّا وهبه الله لنا من ملکة الإرادة والاختیار نتخذ القرار بأداء الفعل أو ترکه، فمن هنا تنسب هذه الأفعال إلینا ونکون مسؤولین عنها.