الجواب الاجمالي:
الجواب التفصيلي:
إنّ من الأسئلة المطروحة حول الإمام المهدی(ع) ، طول عمره فی فترة غَیبته، فإنّه ولد عام 255 ه، فیکون عمره إلى العصر الحاضر أکثر من ألف و مائة وخمسین عاماً، فهل یمکن فی منطق العلم والعقل أن یعیش إنسان هذا العمر الطویل؟
و الجواب من وجهین، نقضاً و حلّاً.
أمّا النقض: فقد دلّ الذکر الحکیم على أنّ شیخ الأنبیاء عاش قرابة ألف سنة، قال تعالى: «فَلَبِثَ فِیهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِینَ عاماً»[1]
وقد تضمّنت التوراة أسماء جماعة کثیرة من المعمّرین، وذکرت أحوالهم فی سِفْر التکوین[2]
و قد قام المسلمون بتألیف کتب حول المعمّرین، ککتاب «المعمّرین» لأبی حاتم السجستانی، کما ذکر الصدوق أسماء عدّة منهم فی کتاب «کمال الدین»[3]، والعلّامة الکراجکی فی رسالته الخاصّة، باسم «البرهان على صحة طول عمر الإمام صاحب الزمان»[4]، والعلّامة المجلسی فی البحار[5]، و غیرهم.
و أمّا الحلّ: فإنّ السؤال عن إمکان طول العمر، یعرب عن عدم التعرّف على سعة قدرة اللَّه سبحانه: «وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ»[6]، فإنّه إذا کانت حیاته و غیبته و سائر شئونه، برعایة اللَّه سبحانه، فأی مشکلة فی أن یمدّ اللَّه سبحانه فی عمره ما شاء، ویدفع عنه عوادی المرض ویرزقه عیش الهناء.
وبعبارة أُخرى: إنّ الحیاة الطویلة إمّا ممکنة فی حد ذاتها أو ممتنعة، والثانی لم یقل به أحد، فتعیّن الأوّل، فلا مانع من أن یقوم سبحانه بمدّ عمر ولیّه، لتحقیق غرض من أغراض التشریع[7]
أضف إلى ذلک ما ثبت فی علم الحیاة، من إمکان طول عمر الإنسان إذا کان مراعیاً لقواعد حفظ الصحة، و أنّ موت الإنسان فی فترة متدنیة، لیس لقصور الاقتضاء، بل لعوارض تمنع عن استمرار الحیاة، ولو أمکن تحصین الإنسان منها بالأدویة والمعالجات الخاصة لطال عمره ما شاء اللَّه.
وهناک کلمات ضافیة من مَهَرة علم الطب فی إمکان إطالة العمر، وتمدید حیاة البشر، نشرت فی الکتب و المجلات العلمیة المختلفة[8]
وبالجملة، اتّفقت کلمة الأطباء على أنّ رعایة أُصول حفظ الصحّة، توجب طول العمر، فکلّما کثرت العنایة برعایة تلک الأُصول، طال العمر، ولأجل ذلک نرى أنّ الوفیات فی هذا الزمان، فی بعض الممالک، أقلّ من السابق، والمعمّرین فیها أکثر من ذی قبل، وما هو إلّا لرعایة أُصول الصحّة، ومن هنا أُسّست شرکات تضمن حیاة الإنسان إلى أمد معلوم تحت مقرّرات خاصة و حدود معیّنة، جاریة على قوانین حفظ الصحّة، فلو فرض فی حیاة شخص اجتماع موجبات الصحّة من کلّ وجه، طال عمره إلى ما شاء اللَّه.
وإذا قرأت ما تُدَوِّنه أقلام الأطباء فی هذا المجال، یتّضح لک معنى قوله سبحانه: « فَلَوْ لا أَنَّهُ کانَ مِنَ الْمُسَبِّحِینَ* لَلَبِثَ فِی بَطْنِهِ إِلى یَوْمِ یُبْعَثُونَ»[9]
فإذا کان عیش الإنسان فی بطون الحیتان، فی أعماق المحیطات، ممکناً إلى یوم البعث، فکیف لا یعیش إنسان على الیابسة، فی أجواء طبیعیة، تحت رعایة اللَّه و عنایته، إلى ما شاء اللَّه؟[10]
لو أغمضنا عن البحث السابق ونفرض أنّ للإنسان بطبعه الابتدائی حدّاً ثابتاً من العمر؛ مع ذلک فإنّه لا یمکن تعمیم هذا الموضوع على کافة الأفراد، و ذلک لوجود الاستثناءات دائماً بین الکائنات الحیة و التی لا تنطبق على الضوابط السائدة فی العلوم الطبیعیة والتجریبیة، حتّى أنّ العلم لیعجز أحیاناً عن تفسیرها.
ولکن کما قلنا فإنّ مسألة طول العمر وبغض النظر عن العقائد الدینیة بشأن قدرة اللَّه و قضیة الاعجاز، فإنّها تنسجم تماماً ومنطق العلوم الطبیعیة الحدیثة، أمّا المشکلة الوحیدة فهی ضرورة تحریر أفکارنا و أنفسنا من بعض الأحکام المسبقة والتعصبات المقیتة والعادات التی ألفِناها، والتسلیم للدلیل والمنطق والبحث العلمی.
إننا حین نسمع برجل نمساوی عمَّر أکثر من 140 سنة و لم یمرض ولو لمرّة واحدة! أو رجل کولومبی بلغ 167 سنة من عمره و مازال فتى! أو رجل صینی أبیضَّ شعره بعد 253 سنة من عمره! نشعر بالدهشة؛ و ذلک لأنّه یختلف عن العادة، ولکن لو کان هناک ترکیز إعلامی على هذا الخبر و ورد بصورة قطعیة فإننا سنقر به کحقیقة واقعة.
ولکن ما أنّ نقرأ فی الحدیث: «القائم هو الذی إذا خرج کان فی سن الشیوخ ومنظر الشبان؛ قوی فی بدن
حتّى یعتری البعض الحیرة والذهول. وهنا تتساءل الشیعة: لِمَ یعتقد البعض بطول عمر نوح والمسیح و یذکرون تلک الخصائص العجیبة لابن سینا، ولا یتسمون لمشاهدة انحناء الأجسام الفلزیة بنظرة من شاب و رؤیة الأشجار و الأحیاء المعمرة، ولکن ما أن یرد الحدیث عن طول عمر المهدی علیه السلام حتّى یقطب البعض و یخطف لونه و یتساءل على نحو الانکار عن إمکانیة ذلک.
زبدة الکلام إنّ مسألة طول العمر لیست من المسائل التی یمکن الاشکال علیها والتنکر لها على ضوء الأحکام المنطقیة والعقلیة[11]
لا يوجد تعليق