الجواب الاجمالي:
یقول علماء الشیعة: إنّنا حینما ننسب البداء إلى الله جلّ وعلا فإنّه یکون بمعنى «الإبداء» أی إظهار الشیء الذی لم یکن ظاهراً لنا من قبل ولم یکن متوقّعاً.
وإنّ ما ینسب إلى الشیعة بأنّهم یعتقدون أنّ الله یندم على عمله أحیاناً، أو یخبر عن شیء لم یعلمه سابقاً، فهذه من أکبر التُّهم
الجواب التفصيلي:
قضیة «البداء» من المسائل المختلف علیها بین الشیعة والسنّة.
یقول الرازی فی تفسیره الکبیر فی ذیل الآیة ـ محلّ البحث ـ: «یعتقد الشیعة أنّ البداء جائز على الله، وحقیقة البداء عندهم أنّ الشخص یعتقد بشیء ثمّ یظهر له خلاف ذلک الإعتقاد، ولإثبات ذلک یتمسکون بالآیة (یمحو الله ما یشاء ویثبت) ثمّ یضیف الرازی: إنّ هذه العقیدة باطلة، لأنّ علم الله من لوازم ذاته، ومحال التغییر والتبدیل فیه».
وممّا یؤسف له حقّاً أنّ عدم المعرفة بعقیدة الشیعة فی مسألة البداء أدّت إلى أن ینسب کثیرون تهماً غیر صحیحة إلى الشیعة الإمامیّة.
ولتوضیح ذلک نقول:
«البداء» فی اللغة بمعنى الظهور والوضوح الکامل، وله معنىً آخر هو الندم، لأنّ الشخص النادم قد ظهرت له ـ حتماً ـ اُمور جدیدة.
فهذا القول هو الکفر بعینه، ولازمه نسبة الجهل وعدم المعرفة إلى ذاته المقدّسة، وأنّ ذاته محلاًّ للتغییر والحوادث.
وحاشا للشیعة الإمامیّة أن یحتملوا ذلک بالنسبة لذات الله المقدّسة! إنّ ما یعتقده الشیعة من معنى البداء ویصرّون علیه، هو طبقاً لما جاء فی روایات أهل البیت (علیهم السلام): ما عرف الله حقّ معرفته من لم یعرفه بالبداء.
کثیراً ما یکون ـ وطبقاً لظواهر العلل والأسباب ـ أن نشعر أنّ حادثة ما سوف تقع أو أنّ وقوع مثل هذه الحادثة قد أخبر عنه النّبی، فی الوقت الذی نرى أنّ هذه الحادثة لم تقع، فنقول حینها: إنّ «البداء» قد حصل، وهذا یعنی أنّ الذی کنّا نراه بحسب الظاهر سوف یقع وإعتقدنا تحقّقه بشکل قاطع قد ظهر خلافه.
والأصل فی هذا المعنى هو ما قلناه فی بحثنا السابق، وهو أنّ معرفتنا مرّةً تکون فقط بالعلل الناقصة، ولا نرى الشروط والموانع ونقضی طبقاً لذلک، ولکن بعد أن نواجه فقدان الشرط أو وجود المانع ویتحقّق خلاف ما کنّا نتوقّعه سوف ننتبه إلى هذه المسائل، وکذلک قد یعلم النّبی أو الإمام باُمور مکتوبة فی لوح المحو والإثبات القابل للتغییر طبعاً، فقد لا تتحقّق أحیاناً لمواجهتها بالموانع وفقدان الشروط.
ولکی تتّضح هذه الحقیقة لابدّ من مقایسة بین «النسخ» و«البداء»: نحن نعلم أنّ النسخ جائز عند جمیع المسلمین، یعنی من الممکن أن ینزل حکم فی الشریعة فیتصوّر الناس أنّ هذا الحکم دائمی، لکن بعد مدّة یعلن الرّسول(صلى الله علیه وآله) عن تغییر هذا الحکم وینسخه، ویحلّ محلّه حکماً آخر (کما قرأنا فی حادثة تغییر القبلة).
إنّ هذا فی الحقیقة نوع من «البداء» ولکن فی القضایا التشریعیّة والقوانین والأحکام یسمّونه بـ«النسخ» وفی الاُمور التکوینیّة یسمّى بـ«البداء» ویقال أحیاناً: (النسخ فی الأحکام نوع من البداء، والبداء فی الاُمور التکوینیّة نوع من النسخ).
فهل یستطیع أحد أن ینکر هذا الأمر المنطقی؟ إلاّ إذا کان لا یفرّق بین العلّة التامّة والعلل الناقصة، أو کان واقعاً تحت تأثیر الدعایات المغرضة ضدّ شیعة أهل البیت (علیهم السلام)، ولا یجیز له تعصّبه الأعمى أن یطالع عقائد الشیعة من نفس کتبهم.
نمونه اى از بداء: جاء فی التاریخ الإسلامی أنّ السیّد المسیح(علیه السلام) أخبر عن عروس أنّها سوف تموت فی لیلة زفافها، لکنّها بقیت سالمة! وعندما سألوه عن الحادثة قال: هل تصدّقتم فی هذا الیوم؟ قالوا: نعم. قال: الصدقة تدفع البلاء المبرم!(1)
لقد أخبر السیّد المسیح(علیه السلام) عن هذه الحادثة بسبب إرتباطه بلوح المحو والإثبات، فی الوقت الذی کانت هذه الحادثة مشروطة (مشروطة بأن لا یکون هناک مانع مثل الصدقة) وبما أنّها واجهت المانع أصبحت النتیجة شیئاً آخر.
هنا یأتی هذا السؤال: ما هی الفائدة من هذه البداءات؟
الجواب على هذا السؤال لیس صعباً بالنظر إلى ما قلناه سابقاً، لأنّه تحدث مسائل مهمّة ـ أحیاناً ـ مثل إمتحان شخص مع قومه، أو تأثیر التوبة والرجوع إلى الله (کما فی قصّة یونس) أو تأثیر الصدقة ومساعدة المحتاجین وعمل الخیر، کلّ ذلک یؤدّی إلى دفع الحوادث المفجعة وأمثالها، وهذا یعنی أنّ الحوادث المستقبلیة قد نُظِّمَت بشکل خاص ثمّ تغیّرت الشرائط فأصبحت شیئاً آخر، حتى یعلم الناس أنّ مصیرهم بأیدیهم، وهم قادرون أن یغیّروا مصیرهم من خلال تغییر سیرتهم وسلوکهم، وهذه أکبر فائدة نلمسها من البداء.
الملاحظة الأخیرة فی هذا المجال... یقول علماء الشیعة: إنّنا حینما ننسب البداء إلى الله جلّ وعلا فإنّه یکون بمعنى «الإبداء» أی إظهار الشیء الذی لم یکن ظاهراً لنا من قبل ولم یکن متوقّعاً.
وإنّ ما ینسب إلى الشیعة بأنّهم یعتقدون أنّ الله یندم على عمله أحیاناً، أو یخبر عن شیء لم یعلمه سابقاً، فهذه من أکبر التُّهم ولا یمکن الصفح عنها أبداً(2)
لا يوجد تعليق