حتى عبدة الأصنام ومن خلال الفطرة التي وضعها الله فيهم كانوا يقولون أننا نعبد الأصنام لا لأجلها بل لتقربنا وتكون واسطة وشفيعة لنا عند الله، فنحن غیر جدیرین أن نرتبط بالله مباشرةً، لكنهم غافلون عن أنّه لا تفصل بین الخالق والمخلوق أیة فاصلة، وهو أقرب إلینا من حبل الورید، زد على ذلک: إذا کان الإنسان ـ الذی هو بمثابة الدرّة الیتیمة فی تاج الموجودات ـ لا یستطیع أن یرتبط بالله مباشرةً، فأی شیء یکون واسطة الإنسان إلى الله؟
ان الاشخاص الذین لا تنالهم الشفاعة الاخرویة فلیس السبب هو التبعیض فی تطبیق القانون وانما توفر شروط محددة فی بعض الاشخاص هیئتهم لتقبل الرحمة والمغفرة الالهیة ومن لم تنله الشفاعة هو المقصر الرئیسی
لا يخفى بأن للمشفع اليهم شروط بحيث لا ينال الشفاعة الاّ الحائزين على هذه الشروط, والتي منها أن لايكون الفرد من المشركين, الكافرين, الظالمين, المنافقين, النواصب والذين نسوا الدين والمكذبين بيوم القيامة والمستضعفين بدين الله عزوجل والمؤذين لاهل البيت (عليهم السلام), وقتلة الأئمة المعصومين, والجاحدين بولاية أمير المؤمنين (عليهم السلام), والمكذبين بالشفاعة, والعاصين لله المعاندين لأوامره, و...
ان الله تعالى کرّم وأبدى الاحترام للانبیاء والاولیاء (علیهم السلام) من خلال توسیطهم وجعلهم محلاً للشفاعة حیث انهم العباد الصالحین والملائکة المقربین
وحملة العرش الذین یقضون ایامهم وساعاتهم فی عبادة وطاعة الله وهل من احترام وتقدیر اکبر من ان یستجیب الله لدعائهم وطلبهم فی حق من تحققت له شروط الشفاعة والمغفرة الالهیة
ان الشفاعة والغفران الالهی لیس نقضاً للقانون حتى یکون ظلماً ومخالفاً للعدالة حیث الموضوع مختلف فی الحالتین حیث یحدث
التغییر فی نفوس المذنبین من خلال الاشخاص الصالحین کالانبیاء والصالحین (علیهم السلام) ویخرجون من دائرة العقاب ویدخلون فی دائرة مستحقی الثواب ومن هذا الباب تشملهم سعة رحمة الله وغفرانه
إن الأنسان لكي يصل الى رضوان الله تعالى ينبغي ان يسلك الصراط المستقيم صراط الذين انعم الله عليهم من النبين والصديقين و الشهداء والصالحين. قال تعالى:{يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا}. وقال:{لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا}. ان الله سبحانه وان كان هو الغفار الرحيم وقد وسعت رحمته كل شيء ألا ان درجة قبوله لطلب العفو والمغفرة تختلف باختلاف الطالب لها فقد يرأف بالعبد العاصي ويغفر له حينما يطلب منه ذلك لكن درجة القبول تختلف لو توجّه هذا العبد بنبي مرسل او ولي مقرب او شفيع مرتضى عنده تعالى . ولعل اوضح الأ مثله على ذلك قوله تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا}
الشفاعة لاتعني الا أن تصل رحمته سبحانه و مغفرته و فيضه الي عباده عن طريق اوليائه و صفوة عباده، و ليس هذا بأمر غريب فكما أن الهداية الالهية التي هي من فيوضه سبحانه، تصل الي عباده في هذه الدنيا عن طريق أنبيائه و كتبه، فهكذا تصل مغفرته سبحانه الي المذنبين و العصاة من عباده يوم القيامة عن ذلك الطريق، ولا بعد في أن يصل غفرانه سبحانه الي عباده يوم القيامة، عن طريق عباده، فانه سبحانه قد جعل دعاءهم في الحياة الدنيوية سبباً لذلك
إن أدلة منكري الشفاعة هو ما ورد في القرآن الكريم من وصف لعبدة الأصنام بالشرک وذلك لطلبهم الشفاعة منها، لكن علة اتصاف عبدة الاصنام بالشرک واستحقاقهم لهذا الوصف کانت لأجل عبادتهم لتلک الأصنام لا لاستشفاعهم فی حین إن الموحدین عندما یستشفعون الصالحین یعتقدون ان الشفعاء هم عباد الله المخلصون وإن الله أعطاهم هذه المنزلة والمقام الرفیع بسبب عبادتهم الخالصة إیاه
لا شكّ أن الشفاعة حقيقة نطقت بها نصوص القرآن الكريم، وتواترت في السُنّة النبوية المطهّرة، وأكدها علماء الاِسلام في دراساتهم العقيدية. ومن هنا فلا يسعُ مسلماً إنكارها، فهناك دلائل تاريخية توضّح اهتمام المسلمين في عصر الرسول (ص) بطلب شفاعته لهم يوم القيامة، فقد روي عن أنس بن مالك عن أبيه قوله: سألت النبي (ص) أن يشفع لي يوم القيامة، فقال: «أنا فاعل» قال، قلتُ: يارسول الله فأين أطلبك ؟، فقال: «إطلبني أول ما تطلبني على الصراط»