الجواب الاجمالي:
أنّ الله قد أوجد مجموعة من الأسباب للتقدّم والنجاح فی العالم، وأنّ الاستفادة من تلک الأسباب هی نفسها مشیئة الله، فمشیئة الله هی الآثار المخلوقة فی تلک الأسباب والعوامل، فإذا قام ظَلَمة وطغاة باستغلال أسباب النجاح، وخضعت لهم شعوب ضعیفة وجبانة، وتحمّلت حکمهم الشائن، فذلک من نتائج أعمال تلک الشعوب
الجواب التفصيلي:
قد یستنتج البعض من الآیة 26 من سورة «آل عمران» حیث یقول تعالى: (وتعزّ من تشاء وتذلّ من تشاء بیدک الخیر إنّک على کلّ شیءقدیر) إنّ من یصل إلى مرکز الحکم، أو یسقط منه، فذلک بمشیئة الله، ومن هنا فلابدّ من قبول حکومات الجبّارین والظالمین فی التاریخ مثل حکومات جنکیز خان وهتلر وغیرهما، بل إنّنا نقرأ فی التاریخ أنّ «یزید بن معاویة» ـ تبریراً لحکمه الشائن الظالم ـ استشهد بهذه الآیة(1)، لذلک نرى فی کتب التفسیر توضیحات مختلفة بشأن هذه الشبهة، من ذلک أنّ الآیة تختصّ بالحکومات الإلهیّة، أو أنّها تقتصر على حکومة رسول الله(صلى الله علیه وآله) التی أنهت حکم جبّاری قریش.
ولکن الآیة تطرح فی الواقع مفهوماً عامّاً یقضی أنّ جمیع الحکومات الصالحة وغیر الصالحة مؤطّرة بقانون مشیئة الله، ولکن ینبغی أن نعلم أنّ الله قد أوجد مجموعة من الأسباب للتقدّم والنجاح فی العالم، وأنّ الاستفادة من تلک الأسباب هی نفسها مشیئة الله، وعلیه فإنّ مشیئة الله هی الآثار المخلوقة فی تلک الأسباب والعوامل، فإذا قام ظَلَمة وطغاة ـ مثل جنکیز ویزید وفرعون ـ باستغلال أسباب النجاح، وخضعت لهم شعوب ضعیفة وجبانة، وتحمّلت حکمهم الشائن، فذلک من نتائج أعمال تلک الشعوب وقد قیل: کیفما کنتم یولّى علیکم.
ولکن إذا کانت هذه الشعوب واعیة، وانتزعت تلک الأسباب والعوامل من أیدی الجبابرة وأعطتها بید الصلحاء، وأقامت حکومات عادلة، فإنّ ذلک أیضاً نتیجةً لأعمالها ولطریقة استفادتها من تلک العوامل والأسباب الإلهیّة.
فی الواقع، أنّ الآیة دعوة للأفراد والمجتمعات إلى الیقظة الدائمة والوعی واستفادة من عوامل النجاح والنصر، لکی یشغلوا المواقع الحسّاسة قبل أن یستولی علیها اُناس غیر صالحین.
خلاصة القول: إنّ مشیئة الله هی نفسها عالم الأسباب، إنّما الاختلاف فی کیفیة استفادتنا من عالم الأسباب هذا(2)
لا يوجد تعليق