الجواب الاجمالي:
أنّ خالقیة الله بالنسبة لأفعالنا لا تتعارض مع حریتنا فی الاختیار، إذ إنّ أفعالنا یمکن أن تنسب إلینا وإلى الله، فنسبتها إلى الله انما لکونه قد وضع مقدمات ذلک تحت تصرفنا، فهو الذی وهبنا القوّة والقدرة والإرادة والاختیار، فما دامت جمیع المقدمات من خلقه، فیمکن أن تنسب أفعالنا إلیه، ومن حیث إتخاذ القرار النهائی فإنّنا بالاستفادة ممّا وهبه الله لنا من ملکة الإرادة والاختیار نتخذ القرار بأداء الفعل أو ترکه، فمن هنا تنسب هذه الأفعال إلینا ونکون مسؤولین عنها.
الجواب التفصيلي:
بعض المفسّرین من أهل السنّة، ممن یذهب إلى الجبر یتخذ من آیه 101 سوره «انعام» (خالق کلّ شیء) دلیلا على صحة مذهبهم فی الجبر، فیقول: إنّ أعمالنا وأفعالنا من «أشیاء» هذا العالم أیضاً، لأنّ کلمة «شیء» تطلق على کلّ ذی وجود، مادیاً کان أم غیر مادی، وسواء کان من الذوات أم من الصفات، وعلیه عندما نقول: إنّ الله خالق کلّ شیء، لابدّ لنا أن نقبل أیضاً بأنّه خالق أفعالنا، وهذا هو الجبر بعینه.
بید أنّ القائلین بحریة الإرادة والاختیار یردّون بجواب واضح على أمثال هذه الاستدلالات، وهو أنّ خالقیة الله حتى بالنسبة لأفعالنا لا تتعارض مع حریتنا فی الاختیار، إذ إنّ أفعالنا یمکن أن تنسب إلینا وإلى الله، فنسبتها إلى الله قائمة على کونه قد وضع جمیع مقدمات ذلک تحت تصرفنا، فهو الذی وهبنا القوّة والقدرة والإرادة والاختیار، فما دامت جمیع المقدمات من خلقه، فیمکن أن تنسب أفعالنا إلیه باعتباره خالقها، ولکن من حیث إتخاذ القرار النهائی فإنّنا بالاستفادة ممّا وهبه الله لنا من ملکة الإرادة والاختیار نتخذ القرار بأداء الفعل أو ترکه، فمن هنا تنسب هذه الأفعال إلینا ونکون مسؤولین عنها.
وبتعبیر الفلاسفة: لایوجد فی هذا المقام علّتان أو خالقان للفعل فی عرض واحد.
بل هما ممتدتان طولا، لأنّ وجود علّتین تامّتین فی عرض واحد لا معنى له، لکنّهما إذا کانا طولیین فلا مانع من ذلک، ولمّا کانت أفعالنا تستلزم المقدمات التی وهبها الله لنا، فیمکن أن ننسب هذه المستلزمات إلیه أیضاً، إضافة إلى نسبتها إلى فاعلها.
هذا الکلام أشبه بالذی یرید أن یختبر عمّاله فیترک لهم الحریة فی عملهم واختیاراتهم، ویهىّء لهم جمیع ما یتطلبه عملهم من مقدمات ووسائل، فطبیعی أن تعتبر أفعالهم منسوبة إلى ربّ العمل، ولکن ذلک لا یسلبهم حریة العمل والاختیار، بل یکونون مسؤولین عن أعمالهم(1)
لا يوجد تعليق