إنّ هذه الرذیلة الأخلاقیة حالها حال سائر الرذائل الاُخرى تنشأ من عدّة عوامل وأسباب:
1 ـ التلّوث الظاهری والباطنی: فالأشخاص الذین یعیشون حالة التلوث النفسی فی واقعهم یتصوّرون الآخرین مثلهم من خلال (المقارنة مع الذات) والتی هی حالة تکاد تکون سائدة عند أغلب الناس حیث یتصوّرون أنّ الآخرین مثلهم، فما لم یتطهر الإنسان فی ذاته ونفسه فمن العسیر أن یتخلّى من سوء الظن بالنسبة إلى الآخرین، وفی ذلک ورد عن الإمام أمیرالمؤمنین(علیه السلام) قوله: «لا یَظُّنُّ بِأَحَد خَیراً لأنّهُ لا یَراهُ إلاّ بِطَبعِ نَفسِهِ».
2 ـ المعاشرة مع رفاق السوء: فالشخص الذی یجالس رفاق السوء والفاسدین والأشرار من الناس فمن الطبیعی أن یسیء الظن بجمیع الناس لأنّه یتصوّر أنّ الناس مثل هؤلاء الرفاق کما ورد فی الحدیث الشریف عن أمیرالمؤمنین(علیه السلام) قوله: «مُجـالَسَةُ الأَشرارِ تُورِثُ سُوءَ الظَّنِّ بِالأخیـارِ».
3 ـ المحیط الفاسد: عندما یعیش الإنسان فی اُسرة ملّوثة أو فی مدینة أو مجتمع متخلّف وسیء على المستوى الثقافی والأخلاقی، فإنّ ذلک من شأنه أن یورثه سوء الظن بجمیع الأفراد حتى الأخیار منهم، وحتى لو کان یعاشر ویجالس الصلحاء ولکنّ غلبة الفساد والانحطاط فی المجتمع بإمکانه أن یخلق فیه سوء الظن.
4 ـ الحسد والحقد والتکبّر والغرور: وتعتبر عاملاً آخر من عوامل سوء الظن، لأنّ الإنسان الحسود والحقود یرید من خلال سوء الظن تسقیط شخصیة الطرف الآخر والتقلیل من اعتباره، وکذلک الشخص المتکبّر یتحرّک من موقع تحقیر الآخرین والسخریة بشخصیتهم من خلال إساءة الظن بهم وبذلک یخلق فی ذهنه عن شخصیة الطرف الآخر صورة مهزوزة وحقیرة.
5 ـ عقد الحقارة: وهی أحد العوامل لسوء الظن بالناس، فالشخص الذی یعیش الحقارة فی شخصیته ویشعر بالتفاهة لذاته أو یجد من الآخرین تحقیراً لشخصیته فانّه یسعى کذلک فی التنقیص من شخصیة الآخرین واحتقارهم ویتصوّرهم شخصیات ملّوثة وحقیرة لیشبع هذه العقدة فی نفسه ویرضی حالته النفسیة المهزوزة، وحینئذ یشعر بالراحة الکاذبة من جرّاء ذلک.
أمّا سوء الظن بالله تعالى فیعتمد فی الأصل على ضعف الإیمان والیقین فی الإنسان واهتزاز صورة الاُلوهیة فی دائرة صفات الذات وصفات الأفعال، فضعف الیقین واهتزاز الإیمان من شأنه أن یخلق فی فکر الإنسان سوء الظن وعدم الثقة بالوعود الإلهیة لعباده، وکذلک بالنسبة إلى علم الله تعالى وقدرته ورحمانیّته ورازقیّته وسائر صفاته الحسنى، وبالتالی یوصد أمامه أبواب السعادة والنجاة.
1. غرر الحکم.
2. بحار الانوار، ج71، ص197.
