معطیات الخیانة والأمانة

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأخلاق فی القرآن 3
فروع الأمانةدوافع الأمانة والخیانة

إنّ أهمّ معطیات الأمانة على المستوى الاجتماعی هی مسألة الاعتماد وکسب ثقة الناس، ونعلم أنّ الحیاة الاجتماعیة مبتنیّة على أساس التعاون والتکاتف بین أفراد المجتمع لحل المشاکل والتخفیف من تحدّیات الواقع والظروف القاهرة والاستفادة الأفضل من مواهب الحیاة والطبیعة، ولهذا فإنّ مسألة الثقة والاعتماد لها دور أساس فی تأصیل هذا المفهوم الاجتماعی لأنّه لولا وجود الاعتماد المقابل فإنّ المجتمع سیتحوّل إلى جهنّم لا یطاق، ویتعامل الأفراد بینهم من موقع التوحّش والأنانیة، ویسود قانون الغاب فی مثل هذا المجتمع، وبدلاً من أن تتکاتف القوى والطاقات على مستوى بناء المجتمع والتصدی لتحدّیات الظروف القاهرة فإنّ هذه القوى سوف تتحرّک بالجهة المقابلة لتعمیق التوحّش والتنفّر فی المجتمع.

وبعبارة اُخرى: إنّ المجتمع البشری سیفقد کل شیء بدون وجود حالة الاعتماد المتقابل بالرغم من توفّر کافة الأمانات والمواهب الطبیعیة الاُخرى، وبعکس ذلک إنّ المجتمع الذی تتوفّر فیه حالة الاعتماد المتقابل سیحصل على کل شیء بالرغم من فقدانه للإمکانات والموارد الطبیعیة.

وهذا الاعتماد الاجتماعی یرتکز على رکنین:

1 ـ الأمانة.

2 ـ الصدق.

وما ورد فی الروایات المذکورة آنفاً أنّ الأمانة تورث الغنى وعدم الحاجة والخیانة تورث الفقر فإنّ ذلک إنّما یشیر إلى هذا الدلیل.

وأمّا ما ورد فی الروایات الشریفة أنّ جمیع الأنبیاء الإلهیین جعلوا من الأمانة وصدق الحدیث محوراً لتعلیماتهم فهو أیضاً ناظر إلى هذا المعنى.

ویذکر الکلینی فی (الکافی) قصّة جمیلة فی هذا الصدد ویقول: عن الحسین بن محمد، عن محمد بن أحمد النهدی، عن کثیر بن یونس، عن عبدالرحمن بن سیّابة قال: لما هلک أبی سیّابة، جاء رجل من إخوانه إلیَّ فضرب الباب علیَّ، فخرجت إلیه فعزّانی، وقال لی: هل ترک أبوک شیئاً فقلت له: لا، فدفع إلیَّ کیساً فیه ألف درهم وقال لی: أحسن حفظها وکُلْ فضلها، فدخلت إلى اُمّی وأنا فرح، فأخبرتها، فلمّا کان بالعشیّ، أتیت صدیقاً کان لأبی فاشترى لی بضائع سابری، وجلت فی حانوت فرزق الله جلّ وعزّ فیها خیراً کثیراً، وحضر الحج، فوقع فی قلبی، فجئت إلى اُمّی وقلت لها: إنّه قد وقع فی قلبی أن أخرج إلى مکّة؟

فقالت لی: فردّ دارهم فلان علیه فهاتها، وجئت بها إلیه فدفعتها إلیه فکأنی وهبتها له، فقال: لعلّک استقللتها فأزیدک؟

قلت: لا، ولکن قد وقع فی قلبی الحج فأحببت أن یکون شیئک عندک، ثم خرجت فقضیت نسکی، ثمّ رجعت إلى المدینة فدخلت مع الناس على أبی عبدالله(علیه السلام) ـ وکان یأذن إذناً عاماً ـ فجلست فی مواخیر الناس وکنت حدثاً، فأخذ الناس یسألونه ویجیبهم، فلما خفّ الناس عنه، أشار إلیَّ فدنوت إلیه، فقال لی: ألک حاجة؟ فقلت: جُعلتُ فداک أنا عبدالرحمن بن سیّابة، فقال لی: ما فعل أبوک؟ قلت: هلک، قال: فتوجّع وترحّم، ثم قال: قال لی: أفترک شیئاً قلت: لا، قال: فمن أین حججت؟ قال: فابتدأت وحدثته بقصّة الرجل، قال فما ترکنی أفرغ منها حتّى قال لی: فما فعلت فی الألف؟ قال: قلت: رددتها على صاحبها، قال: فقال لی: قد أحسنت، قال لی: ألا اُوصیک؟ قلت: بلى جُعلت فداک.

قال(علیه السلام): «عَلَیکَ بِصدقِ الحَدیثِ، وَأَداءِ الأمانَةِ تُشرک النّاسَ فِی أَموالِهِم هکذا ـ وجمع بین أصابعه ـ»، فحفظت ذلک عنه، فزکیّت ثلاثمائة ألف درهم(1).

ونحن أیضاً رأینا فی حیاتنا أشخاصاً مثل هؤلاء الأشخاص فقد کان هناک تاجر متدّین فی النجف الأشرف یعرفه الکثیر من المعاصرین أیضاً وبسبب إشتهاره بالأمانة فإنّ الناس کانوا یودعون عنده أموالهم وودائعهم مطمئنون إلى حد أنّ الکثیر من العلماء والفضلاء وطلاّب العلوم الدینیة کانوا یسجّلون سندات بیوتهم بإسمه لأنّه کان یمتلک الجنسیة العراقیة ولعلّه کان عند وفاته قد بلغ عدد البیوت المسجّلة باسمه ما یربو على الخمسماة بیت لهؤلاء العلماء والطلاّب ولم یواجه أی واحد منهم مشکلة فی هذا المورد.

ومن جهة اُخرى عندما تسود الأمانة فی المجتمع وفی العائلة فإنّها ستکون سبباً لمزید من الهدوء والسکینة الفکریة والروحیة، لأنّ مجرّد احتمال الخیانة فإنّ ذلک یسبب القلق والخوف للأفراد بحیث یعیشون حالة من الإرتباک فی علاقاتهم مع الآخرین ومن الخطر

المحتمل الذی ینتظر أموالهم أو أنفسهم أو أغراضهم أو مکانتهم الاجتماعیة، ومن المعلوم أنّ الاستمرار فی مثل هذه الحیاة المربکة والموحشة عسیر جدّاً وقد یورثهم الکثیر من الأمراض الجمسیة والروحیة أیضاً.

ومن جهة ثالثة فإنّ الأمانة تقلل کثیراً من نفقات المعیشة ومصاریف الحیاة وتسبب فی الاقتصاد فی الوقت والعمر والمال، لأنّ الخیانة إذا فتحت طریقها إلى المجتمع فانّ المسؤولین وأصحاب المواقع الاجتماعیة یضطرون إلى تخصیص نفقات باهظة لإیجاد سجّلات خاصة ومحاسبین ومفتشین لدرء احتمال الخیانة فی حساباتهم، وأحیاناً یضطرون إلى إیجاد مفتشین على المفتشین الأوائل لضبط أعمالهم ویشرفوا على حساباتهم، ومع ذلک فانّ مثل هذه الاُمور لا تستطیع أن تحلّ المشاکل الناشئة من الخیانة تماماً، ولکن على أی حال یقتضی الواقع المفروض تخصیص هذه النفقات للتصدّی إلى هذه المشکلة، ونشاهد فی مجتمعنا الحالی أیضاً مثل هذه الاُمور الألیمة بالنسبة إلى الاُمور المالیة وعدم الأمن الاقتصادی وکثرة من یلقى فی السجن بسبب زوال الثقة وعدم الاعتماد المتقابل بین الناس، ولو أنّ أفراد المجتمع تحلّوا بقلیل من الصدق والأمانة بدلاً من هذه النفقات والمصروفات والجهود المهدورة، فاننا سوف لا نبتلى بمثل هذا الاسراف الفضیع وإتلاف الثروات الاجتماعیة الکبیرة.

ومن جهة رابعة فإنّ الأمانة قد تسبب فی کسب المحبّة وتعمیق أواصر الصداقة بین الأفراد، فی حین أنّ الخیانة تعتبر عاملاً للکثیر من الجرائم والحوادث السلبیة وأشکال الخلل الاجتماعی، وإذا طالعنا وثائق المحاکم والسجون لرأینا أنّ الکثیر من هذه الجرائم معلولة لحالة الخیانة، وعندما ندرس ظاهرة کثرة الطلاق وحالة إنحلال الأُسر وتلاشی العوائل نرى أنّ الکثیر من هذه الحالات یعود إلى خیانة أحد الزوجین بالنسبة للآخر.

وفی بعض الروایات إشارة لطیفة إلى هذا المعنى حیث یقول النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله): «لا تَزَالُ اُمََتِی بِخَیر مـا تَحـابُوا وَتَهـادُّوا وَأَدُّوا الأَمـانَةَ وَاجتَنبُوا الحَرامَ وَوَقَّرُوا الضَّیفَ وَأَقـامُوا

الصَّلاةَ وَآتوا الزَّکـاةَ فَاذا لَم یَفَعَلُوا ذَلِکَ إبتَلَوا بِالقَحطِ وَالسِّنِینَ»(2).

ومن جهة خامسة فإنّ مفهوم الأمانة یمتد ویتسع لیشمل الموارد والمسائل العلمیة، فإنّ تطور العلوم والمعارف البشریة کان بسبب وجود العلماء الذین کانوا یتحرّکون من موقع الأمانة والصدق فی تحقیقاتهم ومطالعاتهم وتجاربهم العلمیة فکانوا یقدّمون للآخرین ما اکتسبوه من تجارب ثمینة وعلوم جدیدة بأمانة وصدق، وهذا هو الذی أدّى إلى التطور الحضاری والعلمی فی عالمنا المعاصر فی حین أنّه لو لم یکن أصل الأمانة فی المطالعات العلمیة فإنّ ذلک قد یفضی إلى التیه العلمی ویتسبب فی اضلال الناس ووقوعهم فی التخبط الثقافی والعلمی.

ونقرأ فی هذا الصدد حدیث عن الإمام الصادق(علیه السلام) یقول: «کُلُّ ذِی صَناعَه مُضطَرٌّ إِلى ثَلاثِ خِلال یَجتَلِبُ بِهـا المَکسَبَ وَهُوَ أَنْ یَکُونَ حـاذِقاً بِعَمَلِهِ مُؤَدِّیاً لِلأَمـانَةِ فَیهِ، مُستَمِیلاً لَمَنْ إِستَعمَلَهُ»(3).

والجدیر بالذکر أنّ الأمانة تدعو الإنسان إلى صدق الحدیث أیضاً کما أنّ صدق الحدیث یدعو الإنسان إلى الأمانة فی الجهة المقابلة، لأنّ صدق الحدیث نوع من الأمانة فی القول، والأمانة نوع من الصدق فی العمل، وعلى هذا الأساس فإنّ هاتین الصفتین یرتبطان بجذر مشترک ویعبّران عن وجهین لعملة واحدة، ولذلک ورد فی الأحادیث الإسلامیة عن أمیرالمؤمنین(علیه السلام) أنّه قال: «الأمـانَةُ تُؤدِّی إِلى الصُّدقِ»(4).

وفی حدیث آخر عن هذا الإمام(علیه السلام) أیضاً أنّه قال: «إذا قَویَتْ الأَمـانَةُ کَثُرَ الصّدقُ»(5).

 


1. فروع الکافی، ج5، ص134 (مع التلخیص).
2. بحار الانوار، ج72، ص115.
3. المصدر السابق، ج75، ص236.
4. غرر الحکم.
5. المصدر السابق.

 

فروع الأمانةدوافع الأمانة والخیانة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma