أحیاناً تکون الغیبة عن شخص خاص أو أشخاص معیّنین حیث تبیّن حکمها فی الأبحاث السابقة من جهات مختلفة، ولکن هناک موارد اُخرى تکون الغیبة ذات جهة عامة وکلیة، مثلاً یقول: إنّ أهل المدینة الفلانیة بخلاء، أو جهلاء، أو سفهاء، أو یقول إنّ أهالی القریة الفلانیة لصوص أو مدمنین أو متحلّلین أخلاقیاً وأمثال ذلک.
فهل أنّ جمیع أحکام الغیبة ترد فی مثل هذه الموارد أم لا؟
یمکن القول أنّ الغیبة لها عدّة صور ووجوه:
1 ـ فیما إذا کانت الغیبة متوجّه لشخص أو أشخاص معدودین لا یعرفهم المخاطب، کأن یقول: إنّ فی المدینة أو القریة الفلانیة عدّة أشخاص یشربون الخمر أو یرتکبون الأعمال المنافیة للعفة، فلا شک فی عدم جریان أحکام الغیبة هنا، لأنّ المتکلم لم یذکر فی کلامه عیباً مستوراً عن شخص معیّن.
2 ـ أن یکون المورد من قبیل الشبهة المحصورة (وکما یصطلح علیه شبهة القلیل بالقلیل أو الکثیر بالکثیر) مثلاً یقول: أننی رأیت أحد هؤلاء الأربعة أشخاص یشرب الخمر (أو یذکر أسماء هؤلاء الأربعة أو یقول أنّ أولاد زید وأمثال ذلک) أو یقول: أنّ جماعة کثیرة من أهالی القریة الفلانیة یرتکبون هذا العمل بحیث أنّ التهمة تتوجه إلى الجمیع من موقع الشک فیهم.
والظاهر أنّ أدلة حرمة الغیبة تشمل هذا المورد، وعلى فرض عدم اطلاق اسم الغیبة علیها من حیث أنّها تعدّ کشفاً ناقصاً عن العیب المستور، فهی حرام من جهة هتک احترام المؤمن وجعله فی قفص الإتّهام.
3 ـ أن ینسب إلى جمیع أهل البلدة أو القریة أمراً قبیحاً ومخالفاً للشرع والأخلاق، فلا شک فی جریان أحکام الغیبة على هذا المورد أو على الأقل صدق عنوان هتک احترام المؤمنین سواء کان مقصوده جمیع أهالی البلدة بدون استثناء أو الأکثریة منهم.
وعلى هذا الأساس لا یجوز نسبة بعض الصفات أو الممارسات القبیحة لأهالی بلدة معیّنة إلاّ أن یکون هناک قرینة على أنّ مقصوده بعض الأشخاص القلّة منهم، وکما یصطلح علیه شبهة القلیل فی الکثیر أوالشبهة غیر المحصورة، أو یکون کلامه عنهم معروفاً لدى الجمیع وفی نفس الوقت لم یکن قاصداً لهتکهم وذمّهم.
