رأینا سابقاً أنّ أهم رأسمال وأقوى دعامة فی حیاة المجتمع الانسانی هو الأعتماد المتبادل بین الأفراد، فکل شیء یؤدّی إلى تقویة هذا الإعتماد والثقة المتبادلة فانّ ذلک من شأنه أن یحقق للجمیع السعادة والتطور الحضاری والإنسانی، وعلى العکس من ذلک فانّ کلّ شیء یفضی إلى ارباک هذا العنصر المهم فأنّه یؤدّی إلى إنحطاط المجتمع وسقوطه.
ومن أهم الاُمور التی تعمل على تقویة دعائم الثقة العامة والخاصة بین الأفراد هو (الوفاء بالعهد والمیثاق) الذی یعد من الفضائل الأخلاقیة المهمة فی حرکة الإنسان التکاملیة، وبعکس ذلک (نقض العهد) الذی یعد من أسوأ الخصال والرذائل الأخلاقیة.
إنّ لزوم الوفاء بالعهد یعدّ رکناً من أرکان الفطرة الإنسانیة السلیمة، وبتعبیر آخر إنّ هذا المفهوم هو من الأمور الفطریة غیر القابلة للإنکار.
والفطرة هی من الامور التی یدرکها کل إنسان ویقبلها کل شخص بدون الحاجة إلى دلیل وبرهان، من قبیل حسن العدل وقبح الظلم وکذلک أهمیة الوفاء بالعهد وقبح نقض العهد حیث تعتبر من أوضح الاُمور الفطریة لدى الناس، وکل إنسان عندما یراجع وجدانه یرى صحة هذه المفاهیم ویسلم بها من موقع القبول والإذعان الوجدانی، ولهذا السبب فانّ هذه
المفاهیم یقبل بها کل قوم من الأقوام البشریة سواءاً کانوا على دین معین ومذهب سماوی أولم یکونوا کذلک، فانّ الوفاء بالعهد مطلوب عند جمیع الأمم والشعوب حتى أنّ الذی یتحرک على مستوى نقض العهد یسعى إلى ذریعة وحجة لتبریر هذا التصرف حتى لا یتهم بنقض العهد ولا یزول إعتباره وشخصیته بین الآخرین، لأنّه یعلم أنّ الناس لا ترضى بنقض العهد ولا تحب المرتکب لهذا الفعل حیث لا تبقى قیمة وإعتبار لدیهم لمن یتهم بنقض عهده ووعده وسیفقد بذلک تأیید الناس وحبّهم وتعاونهم معه.
وحتى فی الأقوام الجاهلیة نرى أنّ الوفاء بالعهد والمیثاق یعدّ من الوظائف والواجبات الحتمیة للأفراد حیث نجد سعیهم الکبیر فی حفظ عهودهم والتعامل مع الآخرین من موقع الوفاء بالعهد والمیثاق، ونقرأ فی الآیات القرآنیة والروایات الإسلامیة فی هذا الباب تعابیر قویة وشدیدة تبین الوفاء بالعهد وتذم الذین ینقضون العهد والمیثاق.
وبهذه الإشارة نعود إلى القرآن الکریم لنستوحی من آیاته وضوحاً أکثر فی هذا الباب:
1 ـ (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا).
2 ـ (وَالَّذِینَ هُمْ لاَِمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ).
3 ـ (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ کَانَ مَسْئُولا).
4 ـ (بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللهَ یُحِبُّ الْمُتَّقِینَ).
5 ـ (إِلاَّ الَّذِینَ عَاهَدتُّمْ مِنَ الْمُشْرِکِینَ ثُمَّ لَمْ یَنقُصُوکُمْ شَیْئاً وَلَمْ یُظَاهِرُوا عَلَیْکُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَیْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللهَ یُحِبُّ الْمُتَّقِینَ).
6 ـ (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلاَ تَنقُضُوا الاَْیْمَانَ بَعْدَ تَوْکِیدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللهَ عَلَیْکُمْ کَفِیلا).
7 ـ (وَمَا وَجَدْنَا لاَِکْثَرِهِمْ مِنْ عَهْد وَإِنْ وَجَدْنَا أَکْثَرَهُمْ لَفَاسِقِینَ).
8 ـ (أَوَکُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِیقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَکْثَرُهُمْ لاَ یُؤْمِنُونَ).
1. سورة البقرة، الآیة 117.
2. سورة المؤمنون، الآیة 8; سورة المعارج، الآیة 22.
3. سورة الاسراء، الآیة 34.
4. سورة آل عمران، الآیة 76.
5. سورة التوبة، الآیة 4.
6. سورة النحل، الآیة 91.
7. سورة الاعراف، الآیة 102.
8. سورة البقرة، الآیة 100.
