طرق العلاج

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأخلاق فی القرآن 3
دوافع النمیمةطرق إصلاح ذات البین

ولابدّ لغرض علاج هذه الظاهرة المشؤمة فی سلوک الفرد الأخلاقی وقطع جذورها من واقع الإنسان ونفسه من الذهاب والتوجّه إلى العلل والدوافع، ومن المعلوم أنّه مادام عنصر الحسد، وحبّ الدنیا، والنفاق، وحبّ العدوان، والانتقام، التی تمثّل الدوافع الأصلیة لهذه الظاهرة الذمیمة، باقیة فی وجود الإنسان فإنّ هذه الرذیلة الأخلاقیة باقیة کذلک ولا یمکن إزالتها بسهولة من باطن الإنسان، ومن الممکن للإنسان أن یحدّد أو یزیل هذه الخصلة بعزم شدید وتصمیم قوی لمدّة محدودة ولکنها تظهر فی مواطن معینة لاحقاً.

ولا ننسى أنّ الکثیر من الفضائل أو الرذائل الأخلاقیة بینها تأثیر متقابل وکل واحد منها یعدّ سبباً وعلّة للآخر وأحیاناً مسبباً ومعلولاً، وذلک فی حالات ومواطن مختلفة.

ومن جهة اُخرى فإنّ التأمل فی الآثار السلبیة الکثیرة المترتبة على النمیمة والسعایة والتی تورث المجتمع الدمار والخراب وتفضی إلى عواقب وخیمة على مستوى العوائل والاُسر کما تقدّم تفصیل ذلک فی الأبحاث السابقة، وکذلک ما یترتّب على النمیمة من العذاب الإلهی فی الدنیا والآخرة فإنّ ذلک یشکل عاملاً مهمّاً من عوامل التصدی لاستفحال هذه الظاهرة والحالة الذمیمة وبالتالی إزالتها من موقع النفس.

إنّ الشخص النّمام وخاصة إذا کان قد إعتاد على النمیمة یجب علیه أن یأخذ بنظر الاعتبار الآثار الوخیمة الاجتماعیة والعقوبات الإلهیة المترتبة على هذا العمل ویعید إلى ذهنه هذا المعنى کل یوم ویلقّن نفسه أنّ عاقبة النمیمة والسعایة هی هذه وهذه، وإلاّ فإنّ الوساوس الشیطانیة والأهواء النفسیة لا تدعه لحاله.

معاشرة الأفراد المؤمنین یمکنها أن تکون عاملاً آخر من عوامل التصدّی للنمیمة، لأنّ الشخص المبتلى بهذا المرض عندما یتحدّث فی مجالس المؤمنین ویرى أنّهم لا یعتنون بکلامه ولا یهتمّون لأقواله وقد یطرودنه من مجالسهم بسبب ذلک، فإنّه سینته بسرعة إلى عدم وجود المشتری لکلامه، بل إنّ کلامه تسبب فی نفرة الناس من حوله وسوء ظنّهم به، ونفس هذا الأمر یقوی فیه الإرادة على ترک هذا العمل القبیح وقد ورد فی الحدیث الشریف عن أمیرالمؤمنین(علیه السلام) أنّه قال: «أَکذِبِ السِّعـایَةَ وَالنَّمِیمَةَ بـاطِلةً کـانَتْ أَو صَحِیحَةً»(1).

ونقرأ فی حدیث آخر أنّ رجلاً جاء بکتاب له إلى أمیرالمؤمنین(علیه السلام) کتب فیه النمیمة عن شخص آخر فقال له الإمام(علیه السلام): «إِنْ کُنتَ صـادِقاً مَقَتنـاکَ وإِنْ کُنتَ کـاذِباً عـاقَبنـاکَ وإِن أَحببتَ القَیلَ أَقَلنـاکَ، قـالَ: بَل تُقِیلُنی یـا أَمِیرَ المُؤمِنِینَ»(2).

ومن الجدیر بالذکر أنّ الأشخاص الذین یتحرّکون نحوک بالنمیمة والتحدّث بالسوء عن شخص آخر فإنّهم سوف یتحدّثون عنک بسوء لدى ذلک الشخص أیضاً کما ورد فی روضة

بحار الانوار عن الإمام الصادق(علیه السلام) أنّه قال: «وَمَنْ نَمَّ إِلَیکَ سَیَنُّمُ عَلَیکَ»(3).

وآخر کلام فی هذا الباب هو أنّ أغلب المفاسد الأخلاقیة الکامنة فی الصفات الرذیلة ناشئة من ضعف الإیمان، فکلما سعى الشخص لتقویة دعائم إیمانه بالله تعالى والیوم الآخر، فإنّ هذه الرذائل سوف تتلاشى وتزول من باطنه تدریجیاً.

موارد الاستثناء:.

إنّ حرمة النمیمة بعنوان أنّها من الذنوب الکبیرة والقبیحة فی نظر علماء الأخلاق یعدّ أصلاً أساسیاً یجب الإهتمام به دائماً، ولکن فی بعض الأحیان یمکن أن یکون لهذا الحکم استثناءات کما هو الحال فی سائر الأحکام الشرعیة حیث یکون نقل الکلام من هذا إلى ذاک لیس جائزاً فحسب، بل یکون واجباً، ومن تلک الموارد ما إذا شعر الإنسان أنّ الشخص الفلانی أو الفئة الفلانیة ترید قتل زید من الناس وکانت المسألة جدّیة، فهنا یکون نقل کلامهم إلى زید لیتّخذ جانب الحذر والاحتیاط ویبتعد عن الخطر من الواجبات لإنقاذ نفس بریئة، کما حدث ذلک لموسى(علیه السلام) بعدما قتل القبطی المعتدی فجاء أحد الأشخاص وقال له: (إِنَّ الْمَلَأَ یَأْتَمِرُونَ بِکَ لِیَقْتُلُوکَ فَاخْرُجْ إِنِّی لَکَ مِنْ النَّاصِحِینَ)(4).

وأحیاناً تؤدّی النمیمة نتائج إیجابیة للمؤمنین تعمل على إیجاد الفرقة والاختلاف فی صفوف الأعداء، فهذا المورد من موارد الجواز أو الوجوب کما ورد فی قصّة (نعیم بن مسعود) فی حرب الأحزاب حیث أوقع الفرقة والاختلاف بین طائفتین من أعداء المسلمین وهم المشرکون والیهود بما نقل من کلمات هؤلاء لهؤلاء وبالعکس فکانت النتیجة إساءة الظنّ بینهم وتخاذلهم عن قتال المسلمین.

ولکنّ مثل هذه الاستثناءات نادرة جدّاً فلا ینبغی أن تکون ذریعة للتلّوث بهذه الخطیئة وقبول کلام من یسعى بالنمیمة بین الناس، ففی الحدیث الشریف عن أمیر المؤمنین(علیه السلام) أنّه

قال: «لا تَعجَلَنَّ إِلى تَصدِیقِ وَاش وإِنْ تَشبَّهَ بِالنَّاصِحِینَ»(5).

النقطة المقابلة للنمیمة والسعایة هی إصلاح ذات البین بأن یسعى الإنسان بکلامه الجمیل إلى إقرار الصلح والصفاء بین شخصین متخاصمین ومتعادیین، وهذه الصفة تعدّ أحد الفضائل المهمّة الأخلاقیة والتی وردت الإشارة إلیها فی آیات القرآن الکریم والروایات الإسلامیة.

وقد تمّ استعراض الآیات القرآنیة التی تتحدّث عن هذا المعنى فی ذیل الآیات المتعلقة بذم النمیمة والسعایة على المستوى السلبی، وهنا نشیر إلى طائفة من الروایات الشریفة فی هذا المجال:

1 ـ ما ورد فی الحدیث الشریف عن رسول الله(صلى الله علیه وآله) أنّه قال: «مَنْ مَشى فِی صُلح بَینَ اِثنَینِ صَلَّى عَلَیهِ مَلائِکَةُ اللهِ حَتّى یَرجَعَ وَاُعطِی ثَوابَ لَیلَةِ القَدرِ»(6).

2 ـ وفی الحدیث الشریف عن أمیرالمؤمنین(علیه السلام) فی آخر وصایاه لولدیه الإمام الحسن والإمام الحسین(علیهما السلام) أنّه قال ضمن وصیّته لهما بعدم ترک إصلاح ذات البین: «فَإِنِّی سَمِعتُ جَدَّکُما(صلى الله علیه وآله) یَقُولُ صَلاحُ ذاتِ البَینِ أَفضَلُ مِنْ عـامَةِ الصَّلاةِ والصِّیامِ»(7).

3 ـ وجاء فی حدیث آخر عن رسول الله(صلى الله علیه وآله) أنّه قال: «أَلا أَخبرُکُم بِأفضَلِ مِنْ دَرَجَةِ الصِّیامِ والصَّلاةِ وَالصَّدَقَةِ إِصلاحُ ذاتِ البَینِ، فَإنَّ فَسـادِ ذاتِ البینِ هِی الحـالِقَةُ»(8).

4 ـ وقال الإمام الصادق(علیه السلام): «صَدَقَةٌ یُحِبُّهـا اللهُ إصلاحُ بَینَ الناسِ إِذا تَفـاسَدُوا وَتَقـارِبُ بَینَهُم إِذا تَبـاعَدُوا»(9).

5 ـ وفی حدیث آخر عن الإمام الصادق(علیه السلام) أیضاً أنّه قال للمفضّل بن عمر: «إِذا رَأَیتَ بَینَ اِثنَینِ مِن شِیعَتِنـا مُنـازَعَةً فأَفتَدِهِ مِنْ مـالِی»(10).

وعلى هذا الأساس فإنّ أحد أصحاب الإمام الصادق(علیه السلام) ویدعى أبُو حَنِیفَة سـابُقُ الحَجِّ قـالَ: «مَرَّ بِنـا المُفضَّل وَأَنـا وَخِتنِی نَتَشـاجَرُ فِی مِیراثِ، فَوَقَفَ عَلَینا سـاعَةً ثُمَّ قـالَ لَنـا: تَعـالُوا إِلَى المَنزَلِ فَأَتَینـاهُ فَأَصلَحَ بَیننا بِأَربَعَمائةَ دِرهِم فَدَفَعهـا إِلَینـا مِنْ عِندِهِ حَتى إِذا استَوثَقَ کُلُّ وَاحد مِنّا مِنْ صـاحِبِهِ، قـالَ: أَمّا إِنَّهـا لَیستْ مِنْ مـالی ولَکن أَبُوعَبدِاللهِ(علیه السلام)أَمَرَنِی ا ِذا تَنـازَعَ رَجُلانِ مِنْ أَصحـابِنـا أَن أَصلِحَ بَینَهُما وَأَفتَدِیهـما مِنْ مـالِهِ، فَهذا مِنْ مـالِ أَبِی عَبدِاللهِ(علیه السلام)»(11).

6 ـ وورد فی تفسیر الآیة الشریفة: (وَلاَ تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لاَِیْمَانِکُمْ) أنّ الإمام الصادق(علیه السلام) قال: «إذا دُعِیتَ لِصُلحِ بَینَ اِثنَینِ فَلا تَقُل عَلَىَّ یَمِینِی أَنْ لا أَفعَلَ»(12).

وهذا الحدیث یشیر إلى أنّه لو واجه الإنسان حین إقدامه لإصلاح ذات البین بعض المشاکل ثمّ حلف أن یترک هذا السلوک الإصلاحی فإنّ الإمام یقول بأنّ مثل هذا القسم والحلف لا إعتبار له وإنّ المشاکل المحیطة بمثل هذا العمل لا یمکنها أن تمنع الإنسان من سلوک هذا الطریق والعمل على إصلاح ذات البین.

7 ـ وقد ورد عن أمیر المؤمنین(علیه السلام) قوله: «مَنْ اِستَصلَحَ الأضدَادَ بَلَغَ المُرادَ»(13).

والمراد من الأضداد فی الحدیث الشریف لیست الأضداد الفلسفیة التی لا تقبل الجمع، بل الأضداد العرفیة، وطبعاً هناک تفسیر آخر لهذا الحدیث أیضاً وهو أن یکون المراد أنّ الإنسان إذا استطاع التنسیق بین الأشخاص والفئات التی تعیش أفکار مختلفة ومتنوعة، فإنّه یبلغ مراده ویکون ذلک نعم العون له على إدارة اُمور المجتمع لکل هذه الأفکار المُتضادة.

8 ـ إنّ أهمیّة إصلاح ذات البین هی إلى درجة أنّ الکذب قد یکون مباحاً فی هذا السبیل کما ورد فی الحدیث الشریف عن الإمام الصادق(علیه السلام) أنّه قال: «الکَلامُ ثَلاثَةٌ صِدقُ وَکِذبٌ وَإصلاحٌ بَینَ النِّاسِ قِیلَ جُعِلتُ فِداکَ مـا الإِصلاحُ بَینَ النّاسِ؟ قـالَ: تَسمَعُ مِنَ الرَّجُلِ کَلاماً یَبلُغُهُ فَتَخبُتُ نَفسُهُ فَتَلقـاهُ فَتَقُولُ سِمِعتُ مِنْ فُلان قَالَ فِیکَ مِنَ الخَیرِ کَذا وَکَذا خِلافَ مـا سَمِعتَ مِنهُ»(14).

ویقول المرحوم العلاّمة المجلسی فی شرح هذا الحدیث: «وهذا القول وإن کان کذباً لغة وعرفاً جائز لقصد الإصلاح بین الناس، وکأنّه لا خلاف فیه عند أهل الإسلام، والظاهر أنّه لا توریة ولا تعریض فیه وإن أمکن أن یقصد توریة بعیدة کأن ینوی أنّه کان حقّه أن یقول کذا، ولو صافیته لقال فیک کذا، ولکنه بعید»(15).

ولا شک أنّ الکلام یحتمل وجهین، فامّا مطابق للواقع ومخالف له، فالأول یدعى صدقاً والثانی کذباً، ولکن بما أنّ الکلام المخالف للواقع بدوره على قسمین: فإمّا أن یکون موجباً للفساد أو موجباً للصلاح، فإنّ الإمام قد فصّل بین هذین القسمین وقرّر بأنّ القسم الموجب للصلاح هو قسم ثالث من أقسام الکلام.

ومن مجموع ما تقدّم من الأحادیث الشریفة یتّضح جیداً أنّ من بین أعمال الخیر یندر وجود عمل مهم وفضیلة أخلاقیة تکون فی مرتبة إصلاح ذات البین، فهی إلى درجة أنّ الملائکة تصلّی على هذا الشخص المصلح ویکون عمله أسمى وأفضل من الصلاة والصوم بل یکون فی مرتبة الجهاد فی سبیل الله.

ومن البدیهی أَنّ إصلاح ذات البین لا یتسبب فی الخیر والصلاح على المستوى الفردی فحسب، بل یتسبب فی إنسجام طوائف المجتمع وتقویة دعائمه وتوطید أرکان المحبّة والمودّة بین أفراده، وهذا الاتّحاد والانسجام یتسبب فی انتصار وعزّة المجتمع الإسلامی فی حرکة التقدّم الحضاری والإنسانی.

 


1. غرر الحکم.
2. میزان الحکمة، ج4، ص685; ومثله فی بحار الانوار، ج72، ص270.
3. بحار الانوار، ج75، ص230.
4. سورة القصص، الآیة 20.
5. غر الحکم.
6. وسائل الشیعة، ج13، ص163، ح7.
7. نهج البلاغة، الرسالة 47.
8. میزان الحکمة، ج2، ص1517.
9. اصول الکافی، ج2، ص209، ح1.
10. المصدر السابق، ح3.
11. اصول الکافی، ج 2، ص 209، ح4.
12. المصدر السابق، ص210، ح6.
13. غرر الحکم.
14. اصول الکافی، ج2، ص341، ح16.
15. بحار الانوار، ج72، ص252، کتاب الإیمان والکفر، باب الکذب، ح19.

 

دوافع النمیمةطرق إصلاح ذات البین
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma