إنّ کلمة (جدل) و(جدال) کما یقول الراغب فی مفرداته (جدلت الحبل) أی شددته والجدل شدّة الفتل، وکأنّ المجادل یرید من خلال کلامه الجاد مع الخصم أن یبعده بالقوة من أفکاره وعقائده.
وذکر البعض أنّ (الجدال) فی الأصل بمعنى المصارعة والسعی للتغلب على الآخر وطرحه على الأرض، وبما أنّ الشجار اللفظی والکلامی یشبه هذا المعنى إلى حد کبیر استخدمت هذه الکلمة فی هذا المعنى.
وبالطبع فإنّ الجدال على قسمین: الجدال بالحق والجدال بالباطل، والأول ممدوح والثانی مذموم، ومن ذلک نجد أنّ القرآن الکریم یقول فی مورد: (وَجـادِلهُم بِالّتِی هِی أَحسَن).
وهنا نجد أنّ النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) مأمور بجدالهم بالحق وورد ذلک إلى جانب الحکمة والموعظة الحسنة.
أمّا الجدال بالباطل فهو ما ورد فی الآیات المذکورة آنفاً من أنّ بعض الأشخاص یتحرّکون فی کلامهم ونقاشهم من موقع التعصب والعناد، وبذلک ینکرون أوضح دلائل الحق من خلال هذا الجدال، وأمّا (المراء) على وزن حجاب، فهو بمعنى المحادثة والمکالمة فی شیء یکون فیه مریة أی شک وتردید، ویقول الراغب فی مفرداته: إنّها فی الأصل من (مریت الناقة) أی حلبتها، ثم قیلت لکل کلام یکون فی موضوعه الشک والتردید (ولعل ذلک یتناسب مع کون الإنسان متردداً فی وجود اللّبن فی ضرع الناقة أو لا) وذهب بعض إلى تعبیر أدق من ذلک حیث یرى أنّ الجذر الأصلی لهذه الکلمة فی قولهم (مریت الناقة) هو فیما لو حلبت الناقة قبل ذلک ثم جاء أحدهم بأمل أن یکون من اللبن بقیة فی الضرع فیحلبها مع هذا الشک والتردید، وهکذا أطلقت على المناقشة الکلامیة فی البحوث المقترنة مع الشک.
ولکن هذه المفردة استخدمت بعد ذلک فی کل نوع من البحث الکلامی وعن أی موضوع کان محل شک وتردید سواءاً کان بحثاً إیجابّیاً وطلباً للحق، أو کان بدافع من العناد والخصومة واللجاجة.
ومن الموارد التی استخدم فیها المراء بالمعنى الإیجابی ما ورد فی الآیة الشریفة 22 من سورة الکهف حیث تخاطب النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) حول مجادلته عن أصحاب الکهف مع مخالفیة وتقول: (فَلا تُمارِ فیهِمْ اِلاّ مِراءًظـاهِراً).
أمّا الموارد المستعملة فی المعنى السلبی فکثیرة ومنها ما تقدم من الآیات أعلاه.
والجدیر بالذکر أنّ مفردة (مریة) على وزن جزیة وقریة، بمعنى التردید فی العزم والتصمیم، وبعض ذهب إلى أنّها بمعنى الشک المقترن بقرائن التهمة مثل (الریبة).
1. سورة النحل، الآیة 125.
2. سورة الکهف، الآیة 22.
