تفسیر وإستنتاج

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأخلاق فی القرآن 3
تنویهالوفاء بالعهد فی الروایات الإسلامیة

«الآیة الأولى» من الآیات محل البحث تتحدث عن الأساس والأصل لجمیع أعمال الخیر والصلاح وتذکر ستة صفات وعناوین لذلک، الأول منها هو الإیمان بالله تعالى ویوم القیامة والملائکة والأنبیاء والکتب السماویة، ثم تأتی بعدها مسألة الأنفاق فی سبیل الله وتشیر أیضاً إلى إقامة الصلاة وأداء الزکاة، وتذکر فی الصفة الخامسة من هذه الصفات (الوفاء بالعهد) وفی الصفة السادسة تأتی أهمیة الصبر والأستقامة فی مقابل تحدّیات الواقع الصعبة والمشاکل التی تواجه الإنسان فی حرکة الحیاة والصبر فی میدان القتال، وبالنسبة إلى الوفاء بالعهد تقول (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا).

وهذا التعبیر یوضّح، أنّ الوفاء بالعهد فی دائرة المفاهیم الإسلامیة والقرآنیة مهم إلى درجة أنّه وقع ردیفاً للإیمان بالله والصلاة والزکاة.

ومع ملاحظة أنّ المادة الأصلیة لهذه الکلمة (وفى) هی أن یصل الشیء إلى حدُّ الکمال والتمام، فعندما یترجم الشخص عهده ووعده عملیاً على أرض الواقع یقال له (وفى بعهده) أو (أوفى بعهده)، وعلیه فإنّ الثلاثی المجرّد أو المزید لهذه المفردة یأتیان بمعنى واحد.

وکلمة (عهد) تأتی فی الأصل بمعنى (الحفظ) ولهذا فإنّها تقال لکل شیء لابدّ من حفظه والاهتمام به فیقال (عهد) لذلک.

والجدیر بالذکر أنّ القرآن الکریم حث على وجوب الوفاء بالعهد فی هذه الآیة بدون أی قید وشرط، وعلیه فإنّه یشمل جمیع أشکال العهد مع الله تعالى ومع الناس، سواءً کانوا مسلمین أو غیر مسلمین، أی مادام الشخص قد ارتبط بعهد ومیثاق مع المسلمین، فیجب علیهم مراعاة عهده والوفاء به.

«الآیة الثانیة» تستعرض صفات المؤمنین الحقیقیین وتفتتح السورة آیاتها بالقول (قَد أَفلَحَ المُؤمِنُونَ) ثم تذکر سبع صفات من الصفات المهمّة والأساسیة للمؤمنین، وفی الصفة الخامسة والسادسة تقول: (وَالَّذِینَ هُمْ لاَِمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ).

وفی هذه الآیة والتی وردت فی القرآن الکریم فی سورتین نجد أنّها أشارت إلى الأمانة والعهد بصورة مقترنة، ولعل ذلک إشارة إلى أنّ الأمانات هی نوع من العهد والمیثاق کما أنّ العهد هو نوع من الأمانة.

والتعبیر بکلمة (راعون) المأخوذة فی الأصل من (رعى) یتضمّن مفهوماً أعمق من مفهوم الوفاء بالعهد، لأنّ الرعایة والمراعاة تأتی بمعنى المراقبة الکاملة من موقع المحافظة بحیث لا یصل أی مکروه أو ضرر للشیء، فالإنسان الذی قبل الأمانة أو ارتبط مع غیره بعهد ومیثاق یجب علیه مراعاته بحیث لا یصل أی ضرر لهذه الأمانة والعهد.

وطبعاً فإنّ الأمانة لها مفهوم واسع جدّاً وکذلک العهد أیضاً حیث ستأتی الإشارة إلى ذلک لاحقاً.

«الآیة الثالثة» تتحدّث عن مسألة لزوم الوفاء بالعهد بتعبیر جدید وتقول: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ کَانَ مَسْئُولا).

وقد ذکر المفسّرون تفسیرات عدیدة فی جملة (إِنَّ الْعَهْدَ کَانَ مَسْئُولا).

أحدها: ما ذکرنا آنفاً من أنّ الإنسان هو المسؤول، والعهد مسؤول عنه، یعنی أنّه یسأل الإنسان عن وفائه بعهده.

والآخر: أنّ نفس العهد یکون مسؤولاً، کما ورد فی عبارة الموؤدة التی یسأل عنها (إذا المَوؤُدةُ سُئِلتْ) وکأنّه إشارة إلى الموجودات العاقلة والحیة التی یسأل منها، هل نالت حقّها ووفى الإنسان لها أم لا؟

 

وهذا هو نوع من المجاز الذی یستعمل للتأکید.

ولکن التفسیر الأول أقرب لسیاق الآیة وأکثر إنسجاماً معها.

وضمناً یجب الالتفات إلى أنّ سورة الاسراء وردت فی بیان أهم الأحکام الإسلامیة من الآیة 22 إلى 39، من مسألة التوحید إلى حق الوالدین إلى قتل النفس والزنا وأکل أموال الیتامى والوفاء بالعهد وحتى مسؤولیة العین والاُذن والقلب، وهذا یبیّن أنّ مسألة الوفاء بالعهد جاءت ضمن إطار أهم الأحکام الإسلامیة.

واللطیف أنّ هذه الأحکام ختمت بقوله تعالى: (ذَلِکَ مِمّـا أَوحَى إِلَیکَ رَبُّکَ مِنَ الحِکمَةِ).

وفی «الآیة الرابعة» بعد أن یذم القرآن الکریم طائفة من أهل الکتاب الذین لم یراعوا الأمانة فی تعاملهم تقول: (بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللهَ یُحِبُّ الْمُتَّقِینَ).

وهنا نجد أنّ الوفاء بالعهد وقع ردیفاً للتقوى التی هی أفضل زاد السالک إلى الله تعالى وسبب ورود الإنسان إلى الجنّة والمعیار الأتم لشخصیة الإنسان ومقامه عند الله تعالى.

وهذا التعبیر یدلّ على أنّ الوفاء بالعهد هو أحد الفروع المهمّة للتقوى، وتعبیر الآیة هنا هو من قبیل ذکر العام بعد ذکر الخاص.

«الآیة الخامسة» من الآیات مورد البحث تتحدّث عن ضرورة احترام العهود من قبل المسلمین تجاه المشرکین وتأمرهم بالوفاء بعهودهم ما دام المشرکون لم یتحرّکوا فی تعاملهم مع المسلمین من موقع النقض لهذه العهود (رغم أنّ الصارف المقابل هم من الکفّار المشرکین)، فتقول الآیة: (بعد إعلان البراءة من المشرکین کافّة) (إِلاَّ الَّذِینَ عَاهَدتُّمْ مِنْ الْمُشْرِکِینَ ثُمَّ لَمْ یَنقُصُوکُمْ شَیْئاً وَلَمْ یُظَاهِرُوا عَلَیْکُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَیْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللهَ یُحِبُّ الْمُتَّقِینَ).

ونعلم أنّ مراسم البراءة من المشرکین وقعت فی السنة التاسعة للهجرة وبعد فتح مکّة

واستقرار الإسلام فی ربوع الحجاز والجزیرة العربیة حیث أمر النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) الإمام علی(علیه السلام) بقراءة الآیات الاُولى من سورة براءة لمراسم الحج أمام جمیع الناس والإعلان للمشرکین بأنّه بقیت لهم فرصة أربعة أشهر فأمّا أن یترکوا الشرک ویدخلوا فی الإسلام أو یمتنعوا من الدخول إلى المسجد الحرام، وبعد انقضاء الأشهر الأربعة علیهم فیما لو لم یترکوا الشرک وعبادة الأوثان أن یستعدوا لمواجهة المسلمین عسکریاً.

ولکن مع هذا الحال فإنّ بعض المشرکین کانت تربطهم بالمسلمین رابطة العهد والمیثاق فأمر الله تعالى أن یحفظوا لهم عهودهم إلى انتهاء مدّتهم.

وهنا یتبیّن من خلال إستثناء هذه الطائفة إلى جانب ما ورد من التعبیر الشدید فی بدایة سورة التوبة، یتبیّن من ذلک الأهمیّة الکبیرة التی یولیها الإسلام للوفاء بالعهد، ویتبیّن أیضاً ضمن هذا الاستثناء أنّه عندما یلغی النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) عهده ومیثاقه مع بعض الطوائف الاُخرى فالسبب فی ذلک أنّهم کانوا قد بدأوا نقض العهد أولاً، وإلاّ فلا دلیل على اختلاف تعامل النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) معهم عن غیرهم.

وفی ذلک الیوم کانت وظیفة الإمام علی(علیه السلام) هی أن یعلن للناس فی مراسم الحج أربع مواضیع:

1 ـ إلغاء العهود مع المشرکین الذین سبق وأن نقضوا عهدهم مع المسلمین.

2 ـ منع المشرکین من الاشتراک فی مراسم الحج للسنة القادمة.

3 ـ منع ورود المشرکین إلى بیت الله الحرام.

4 ـ منع الطواف فی حالة التعرّی والتی کانت سائدة فی ذلک الزمان.

وعلى أیة حال ونظراً إلى أنّ هذه الواقعة کانت بعد فتح مکّة وأنّ المسلمین کانوا قد سیطروا على تلک المنطقة سیطرة تامّة ولا تستطیع أی قدرة أن تقف فی مقابلهم إلاّ أنّهم فی نفس الوقت احترموا عهودهم مع طائفة من المشرکین، وبذلک یتّضح أنّ مسألة الوفاء بالعهد لا تقبل المساومة تحت أیة ظروف(1).

والملفت للنظر أنّ مدّة العهد الباقیة لهذه الطائفة (قبیلة بنی خزیمة) عشر سنوات منذ صلح الحدیبیة، وکان قد بقی لدیهم من هذا الزمان وهو عام الفتح سبع سنین، حیث یجب على المسلمین تحمّل وجودهم إلى نهایة هذه المدّة الطویلة، فمع أنّ موقف الإسلام الشدید تجاه مسألة الشرک والوثنیة إلاّ أنّه مع ذلک أوجب على المسلمین رعایة هذا الحق فی هذه المدّة الطویلة.

 

«الآیة السادسة» تخاطب جمیع المسلمین وتأمرهم بالوفاء بعهد الله وتقول: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلاَ تَنقُضُوا الاَْیْمَانَ بَعْدَ تَوْکِیدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللهَ عَلَیْکُمْ کَفِیلا).

أمّا المراد من عهد الله تعالى فی هذه الآیة ما هو؟ فهناک اختلاف بین المفسّرین، فمنهم من ذهب إلى أنّ معناه هو العهود التی یبرمها الناس مع الله تعالى، أو البیعة مع رسول الله(صلى الله علیه وآله)، فی حین ذهب البعض الآخر إلى أنّ المراد هو جمیع العهود التی یبرمها الإنسان مع الله تعالى أو مع الناس أو النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله)، وعلیه یکون لها مفهوم عام وأنّ الله تعالى أمر بذلک، فهو نوع من عهد الله تعالى، أو یکون المراد العهود التی تبرم بین الأشخاص فی ظل اسم الله تعالى کما یشبه الإیمان القسم الذی یورده الإنسان باسم الله مع الآخرین.

وعلى کلّ حال فإنّ مفهوم الآیة سواء کان عامّاً أو خاصّاً فإنّه یدل على أهمیة الوفاء بالعهد فی دائرة المفهوم القرآنی والإسلامی.

واللطیف أنّ القرآن الکریم بعد أن ذکر مسألة الوفاء بالعهد والقسم فی هذه الآیة فإنّه یتابع ذلک بالقول: (وَلاَ تَکُونُوا کَالَّتِی نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّة أَنکَاثاً تَتَّخِذُونَ أَیْمَانَکُمْ دَخَلا بَیْنَکُمْ)(2).

ویستفاد من هذا التعبیر أنّ عدم الالتزام بالیمین والعهد من موقع الوفاء والانضباط هو نوع من الحماقة والسفه، وکذلک الحال فی الاستفادة من العهود لغرض الخیانة والخداع والفساد.

ودلیل ذلک واضح، لأنّه لو تزلزلت أرکان الوفاء بالعهد والیمین فی المجتمع البشری فإنّ ذلک من شأنه أن یثیر الفوضى وعدم الثقة بالآخرین، وفی الواقع فإنّ الناقضین للعهود یضربون جذورهم بأیدیهم، ولهذا فلا یوجد عاقل یرتکب مثل هذه الحماقة.

ونظراً إلى أنّ بعض الأقویاء أو الفئات المتنفّذة فی المجتمع تبیح لنفسها أحیاناً نقض العهد بذرائع واهیة وتتحرّر من قیود القیم والتعهدات الفردیة والاجتماعیة لذلک یقول القرآن الکریم: (أَنْ تَکُونَ أُمَّةٌ هِیَ أَرْبَى مِنْ أُمَّة) وهو فی الحقیقة إشارة إلى هذا المعنى، وهو أنّه إذا کانت فئة من الناس أقوى وأکثر عدداً من فئة اُخرى فلا ینبغی ذلک أن یکون مسوّغاً لنقض العهد من قبلهم، لأنّ ذلک سوف یتسبب فیما بعد بالحاق الضرر لهم، فالآخرون عندما تسنح لهم الفرصة ویکونون أقویاء فی المستقبل سوف یعاملوهم بنفس المعاملة.

وهذه الآیة لا تقرّر ضرورة الوفاء بالعهد فی الإطار الفردی فحسب، بل تتسع لتشمل البنود والمواثیق الجماعیة والعالمیة أیضاً کما تشیر إلى ذلک هذه العبارة من الآیة الشریفة: (أَنْ تَکُونَ أُمَّةٌ هِیَ أَرْبَى مِنْ أُمَّة).

وفی «الآیة السابعة» یشیر القرآن الکریم إلى سیرة الأقوام السالفة وعاقبتهم المؤلمة ویذکر بعض نقاط ضعفهم وانحرافهم، ومن ذلک یشیر إلى أمرین مهمین فی دائرة السلوکیات السلبیة الذمیمة، یقول: (وَمَا وَجَدْنَا لاَِکْثَرِهِمْ مِنْ عَهْد وَإِنْ وَجَدْنَا أَکْثَرَهُمْ لَفَاسِقِینَ).

وهذا العهد هو العهد العام الذی أخذه الله على الاُمم السابقة ولکنّهم نقضوه ولم یفوا به، ولکن ما هو ذلک العهد العام؟

هناک اختلاف وکلام بین المفسّرین فی هذا المجال، فذهب البعض إلى أنّ المراد منه العهد والمیثاق الفطری الذی قرّره الله تعالى فی واقع الفطرة لجمیع الناس أن یتحرّکوا فی خط التوحید والتقوى والاستقامة، مضافاً إلى أنّ النعم والمواهب الإلهیة المعطاة للإنسان من العقل والعین والاُذن وغیر ذلک، فإنّ مفهومها أنّ الإنسان یستخدمها فی طریق الخیر والصلاح ویفتح أبواب عقله وفکره على الحقائق والاُمور الواقعیة ویذعن لها من موقع الطاعة والإیمان ولا یستسلم أمام الأوهام والخرافات ولا یتحرّک بوحی الأهواء والشهوات.

وکذلک یمکن أن تکون إشارة إلى العهد والمیثاق الذی أخذه الأنبیاء(علیهم السلام)على الناس فی بدایة الدعوة ولکن الکثیر من الناس الذین یقبلون بهذه الدعوة السماویة فی البدایة، فإنّهم ینقضونها فیما بعد ویتحرّکون فی خط الانحراف والباطل.

ویمکن أن تکون إشارة إلى جمیع العهود والمواثیق المذکورة آنفاً سواءً الفطریة والتشریعیة.

وعلى أیّة حال فإنّ الآیة الشریفة محل البحث شاهدة على هذه الحقیقة، وهی أنّ مسألة نقض العهد وعدم الالتزام بالمواثیق هی أحد العوامل المؤثّرة فی شقاء الاُمم وانحطاطهم وسلوکها فی خط الانحراف والضیاع کما نجد هذا الحال فی الاُمم الدنیویة المعاصرة التی تلتزم بالعهود والمواثیق مادامت ضعیفة ولکن إذا وجدت فی نفسها قوّة وقدرة على الطرف الآخر فإنّها لا تعترف بأی عهد ومیثاق، بل تکون الرابطة بینهما هی رابطة القوة، والقانون هو قانون الغاب.

«الآیة الثامنة» والأخیرة من الآیات مورد البحث بعد أن تتحدّث عن بعض
جرائم الیهود وأزلامهم تقول: (أَوَکُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِیقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَکْثَرُهُمْ لاَ یُؤْمِنُونَ)، ونقض العهد هذا من جانبهم یدلّ على کفرهم وعدم إیمانهم.

فمن جهة نرى أنّهم قد أخذ علیهم العهد بأن یؤمنوا بالنبی الموعود الذی وردت البشارة به فی التوراة، ولکنهم لیس لم یؤمنوا به فحسب بل أنهم نقضوا العهود مع هذا النبی بعد هجرته إلى المدینة وانضمّوا إلى صفوف أعدائه وخاصة فی حرب الأحزاب حیث إتحد الیهود مع المشرکین ضد رسول الله والمسلمین فی المدینة وأجهروا بعداوتهم واستعدوا للمشارکة فی قتال المسلمین.

وهذا هو خلق الیهود القدیم حیث ینقضون العهود والمواثیق دائماً; وینسون جمیع المقررات والعهود فیما لو تعرضت مصالحهم إلى الخطر فی أی زمان ومکان.

وفی هذا العصر أیضاً نجد صدق قول القرآن الکریم فی هذا الوصف للیهود والصهاینة وأنهم کلما تعرضت منافعهم إلى الخطر فأنهم یسحقون جمیع العهود والمواثیق التی أمضوها مع مخالفیهم وحتى إنّهم لا یلتزمون بالمعاهدات الدولیة فی دائرة الروابط بین الشعوب والدول والتی اشترکت فی تدوینها وإمضائها جمیع الدول، فنجدهم یتمسکون بذرائع واهیة وتبریرات سخیفة لیتحرّکوا فی تعاملهم من موقع نقض العهود والمواثیق، وهذه المسألة واضحة فی عصرنا الحاضر إلى درجة أنّ بعض المفسرین ذکر فی تفسیر الآیة أعلاه أنّ هذه الآیة معجزة قرآنیة حیث أخبرت عن المستقبل البعید وکأنّنا نرى بأمّ أعیننا نقض العهود والمواثیق لبنی إسرائیل حاضراً، کما کانوا فی عصر رسول الله(صلى الله علیه وآله).

لقد کان لهؤلاء عهود ومواثیق کثیرة مع نبیّهم موسى والإنبیاء الذین جاءوا من بعده وکذلک مع النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله)، ولکنهم لم یفوا بواحدة من تلک العهود والمواثیق.

والتعبیر بکلمة (فریق) فی بدایة الآیة، وکذلک التعبیر (أکثرهم) فی ذیل الآیة یشیر إلى أنّ المراد بالفریق هنا هو أکثر هذه الطائفة من الناس، وکذلک یشیر إلى أنّ العلاقة بین نقض العهد وعدم الإیمان هی علاقة وثیقة.

إنّ سیاق الآیات الشریفة المذکورة آنفاً یدل بصراحة على أنّ الوفاء بالعهد والمیثاق له منزلة رفیعة ومکانة سامیة من بین المفاهیم الإسلامیة والتعالیم القرآنیة، فهو أحد علائم الإیمان ویقع فی مرتبة التقوى والأمانة، وعلى درجة من الأهمیة بحیث أنّ المسلمین وغیر المسلمین سیان فی ذلک، أی أنّ المسلم أو جماعة المسلمین إذا إرتبطوا بعهد ومیثاق مع آخرین فیجب علیهم الألتزام بذلک العهد والمیثاق سواءاً کان الطرف الآخر مسلماً أو کافراً مادام ذلک الطرف ملتزماً بذلک العهد، وأیضاً تدل هذه الآیات على أنّ أحد أهم العوامل

والأسباب فی شقاء الإنسان وإنحطاطه هو نقض العهد وعدم الوفاء به.

 


1. راجع تفصیل الکلام فی الآیة الاُولى من سورة البراءة فی ج9، من نفحات القرآن.
2. سورة النحل، الآیة 92.

 

تنویهالوفاء بالعهد فی الروایات الإسلامیة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma