قرأنا فی الروایات المذکورة آنفاً نقاط مهمّة تتحدّث عن النتائج والآثار المادیة والمعنویة لحسن الخلق فی حرکة الإنسان والواقع الاجتماعی وتحتاج إلى شیء من التفصیل والتحلیل.
ومن الآثار الاجتماعیة والدنیویة لهذه السمة الأخلاقیة هو أنّ حسن الخلق یتسبب فی کسب محبّة الآخرین وتعاطفهم مع صاحب هذا الخلق، وهذه المسألة ثابتة بالتجربة للجمیع تقریباً وأنّه یمکن اصطیاد قلوب الناس من خلال التعامل معهم من موقع المحبّة وحسن الخلق ورعایة الأدب ولیس فقط أنّ الأشخاص العادیین ینجذبون إلى حسن الخلق بل أهل النظر والمعرفة والعلم کذلک.
ومن النتائج الاُخرى أنّ حسن الخلق والبشاشة تعمّر الدیار وتطیل العمر، لأنّ خراب الدیار معلول للتضارب والنزاع وحالات الصراع بین الأفراد، فإذا أخلى النزاع والصراع الاجتماعی مکانه لحسن الخلق والتعامل باللطف والمحبّة بین الأفراد، فإنّ ذلک کفیل بتعمیق أواصر الاُخوة وتعمیق عنصر التعاون بین الأفراد والذی یعتبر محور الخیر وعامل مهم من عوامل البناء، مضافاً إلى ذلک فإنّ حسن الخلق یورث الإنسان الهدوء النفسی والاطمئنان الروحی الذی یعتبر من النتائج المباشرة للتعامل الأخلاقی الحسن مع الناس وعاملاً مهمّاً من عوامل طول العمر، لأنّ من الثابت علمیّاً هو أنّ من العوامل المهمّة لسرعة الموت وکثرته هو عنصر القلق والاضطراب الروحی الذی یعیشه الإنسان فی مقابل تحدّیات الواقع الصعبة وبالتالی تکون منشأ لکثیر من الأمراض المختلفة، ومن المسلّم أنّ حسن الخلق والتعامل باللّطف والمحبّة مع الناس یقللّ من شدّة الضغط العصبی والقلق النفسی وبالتالی یسبب طول العمر، والشیء الآخر أنّ حسن الخلق یسبّب زیادة الرزق وکثرة العوائد المادیة والموفقیّة فی الکسب والتجارة، لأنّ التاجر والکاسب أو الطبیب لا یکون موفّقاً فی عمله إلاّ بکسب المراجعین والمشترین، وأحد عوامل کسب الثقةوالاطمئنان بالشخص هو حسن خلقه وأدبه مع الطرف الآخر، فالکثیر من الأشخاص یفضّلون شراء البضاعة وما یحتاجونه من السوق من اُمور المعاش من الکاسب الحسن الاخلاق والمعاملة مع المشتری ویرجّحونه على الشخص العبوس والحاد المزاج، ولهذا السبب فإنّ المؤسسات والشرکات الاقتصادیة الکبیرة تسعى إلى تعلیم موظفیها على کیفیة التعامل مع الزبائن بالصورة المطلوبة، ومن خلال ذلک یتحرّکون فی کسب ثقة الزبائن بمؤسساته التجاریة وشرکاته الصناعیة.
وقد رأینا کثیراً فی الرحلات الجویة أنّ بعض الشرکات تقدّم لزبائنها ومسافریها بعض لعب الأطفال وقطع الحلوى مجّاناً لأطفالهم المسافرین معهم، ولعلّ قیمة هذه اللّعب لیست بکثیرة ولکنّها ذات أثر عمیق فی نفسیّة الأفراد وهذه الطریقة من التعامل مع الزبائن تورث فی أنفسهم حسن الظن والثقة للطرف الآخر.
وطبعاً فالإسلام یؤیّد حسن الخلق من موقع الصفاء الذاتی والتعامل الإنسانی لا کما هو السائد من الریاء والتظاهر فی العالم المادی المعاصر، ولکن فی نفس الوقت فانّه یعتبر أنّ حسن الخلق له آثار مادیة ودنیویة کثیرة تمثّل فی زیادة النعمة والبرکة فی حرکة الحیاة والواقع المادی.
وبالنسبة إلى البعد المعنوی فإنّ الثواب المترتّب على حسن الخلق یعادل ثواب المجاهدین فی سبیل الله، ودلیل ذلک واضح لأنّ المجاهد یسعى لنشر رایة الإسلام ویتحرّک فی هذا السبیل لأعلاء کلمة الله، وصاحب الخلق الحسن أیضاً یتسبب فی تعمیق الثقة والانفتاح على الإسلاک فی قلوب الناس، وقد ورد فی الروایات الشریفة أیضاً أنّ أجر صاحب الخلق الحسن مثل أجر الصائم القائم، لأنّ الصائم القائم یتحرّک فی هذا السلوک العبادی من موقع تهذیب النفس وتصفیتها، فکذلک الأشخاص الذین یتعاملون فی مواجهة تحدّیات الواقع الصعب من موقع غلبة الأهواء وحفظ النفس فی اطار الضوابط الأخلاقیة والشرعیة فی سبیل الله تعالى.
والخلاصة أنّ صاحب الخلق الحسن یکون محبوباً عند الله تعالى وعند الخلق کذلک، ویکون موفقاً فی حیاته الشخصیة والفردیّة وکذلک موفّقاً فی حیاته الاجتماعیة.
ومن المعلوم أنّ حسن الخلق یعدّ أحد أرکان عناصر الإدارة ولو أنّ عشرات من الشروط المتوفّرة فی المدیر المدبّر من دون عنصر حسن الخلق لما تسنى لهذا المدیر أن یکون موفّقاً فی عمله وتدبیره فی حین أنّه لو کان حسن الخلق فانّ هذه الصفة بإمکانها العمل على ستر الکثیر من نقاط الضعف أو جبرانها.
