فی بحث «حبّ الجاه» علّق المرحوم «الفیض الکاشانی» تعلیقاً لطیفاً، فقال: «إنّ تعلق الناس بحب الجاه والمقام، أو بعبارة اُخرى أنّ حبّ التسلط على القلوب أقوى من حبّ المال والثروة، لأنّ الوصول للمال والثروة یکون عن طریق الجاه، أسهل منه عن طریق المال للجاه، حیث یوجد الکثیر من المتمولین لکن لا سیطرة لهم على قلوب الناس، ولکن الذین یستطیعون التأثیر على القلوب، یکون تحصیل المال والثروة أسهل لهم.
ثانیاً: الأموال تکون معرضة للتلف والحفاظ علیها یعدّ أمراً صعباً لکن الذی یملک القلوب یکون المحافظة علیها أسهل (وإن کانت فی هذا الطریق أسهل).
ثالثاً: التسلط على القلوب یزداد یوماً بعد یوم بدون تجشم عناء کبیر، ونفس مدح وثناء الناس کفیل بنشرها، ولکن جمع وزیادة الأموال یحتاج إلى تجشم العناء الکبیر».
ولقد ذکر المرحوم الفیض الکاشانی هذا الکلام لبیان میل الإنسان لحالة «الجاه والمقام»، ولکن إذا دققنا النظر فسنرى أنّه یمکن أن نعتبرها من الدوافع «لحب الجاه»، لانّه عندما یکون الجاه والمقام سبباً لزیادة الأموال والوصول إلى جمیع الأمانی والأهواء، علاوةً على خضوع الناس وتواضعهم، فمن الطبیعی أن تتوجه الأنظار إلیه، بحیث یمکن القول أنّه لا یکاد أن ینجو منه أحد، وإن کان بمرتبة أضعف عند بعض الناس، وقد ورد فی کلمات أهل المعرفة والحکمة أنّه: «آخِرُ مـا یَخرُجُ مِنْ قُلُوبِ الصُّدِیقِینَ حُبُّ الجـاهِ».
ومن الأسباب الاُخرى لحبّ الجاه هو «حبّ الذات» المفرط عند الإنسان، حیث یتحرّک الإنسان لارضاء هذا الدافع المترسخ فی أعماق النفس بکل وسیلة تمکنه من تحصیل ذلک الغرض، ومنها المقام والمنزلة فی واقع المجتمع.
وهناک دوافع اُخرى لهذه الحالة النفسیة مثل الشعور بالحقارة والدونیة، فالأشخاص الذین ذاقوا مرارة الحقارة وعاشوا الإهانة من الآخرین لأی سبب کان فإنّهم یسعون وعن طریق حبّ الجاه والأمانی الکاذبة لتعویض ذلک النقص.
وکذلک الحسد والحقد والانتقام یمکنها أن تکون من الأسباب وعلل حبّ الجاه، فإنّ من یعیش الحسد تجاه الآخر یتحرّک من موقع طلب الریاسة والمنزلة الاجتماعیة لیکون الآخر فی موقع أسفل منه فی دائرة العلاقات الاجتماعیة ویستغل الفرصة لتنفیذ ما فی قلبه من الحسد والحقد والانتقام.
والخلاصة أنّ حبّ الجاه من الرذائل المعقدة التی لها جذور ومشترکات مع کثیر من الرذائل الاُخرى.
1. المحجة البیضاء، ج 6، ص 115 ـ 116 مع التلخیص.
2. بعد التفحص الدقیق لم نعثر على هذهِ الجملة کنص روائی لا فی البحار ولا فی المستدرک ولا فی الوسائل.
