إنّ الله سبحانه وتعالى لم یخلق الکائن الحی فی البدایة من الموجودات الأرضیة المیتة وحسب، بل إنّه قرر عدم خلود الحیاة، ولهذا خلق الموت فی قلب الحیاة لیفسح المجال عن هذا الطریق لتغیر الأحوال والتکامل
بما أنّ کلّ شیء له حدّ محدود غیر الذات الإلهیّة، فإنّ لغیر الله تعالى غیب وشهادة، ولأنّ ذات الله غیر محدودة ووجوده عام ومطلق فإنّ کلّ شیء بالنسبة إلیه شهادة، ولا معنى للغیب بالنسبة إلیه، وإذا ما قلنا إنّ الله عالم الغیب والشهادة فهو ما نعتبره نحن غیب وشهادة، أمّا هو فهما عنده سواء.
إنّ مخلوقات الله تعالى دائماً تحت رعایته، وذلک یعنی أنّ فیض وجوده یصل کلّ لحظة إلى مخلوقاته، فإنّه سبحانه لم یخلقهم لیترکهم بدون رعایة، وفی الأصل فإنّ جمیع الممکنات مرتبطة دائماً بوجوده تعالى، وإذا ما فقدت تعلّقها بذاته المقدّسة لحظة واحدة فإنّها ستسلک طریق الفناء، إنّ الإنتباه وإدراک طبیعة هذه العلاقة القائمة والخلقة والأواصر الثابتة، هی أفضل دلیل على علم الله بأسرار جمیع الموجودات فی کلّ زمان ومکان.
إن الله تعالى: یخلق المواد وصورها، بینما یصنع الإنسان أشیاءه ممّا خلق الله، فهو یغیّر صورها، ثم أنه لا حدود لخلق الله فی وقت نجد ما صنعه الإنسان محدوداً جدّاً، وفی کثیر من الأحیان یجد الإنسان فیما خلقه هو نقصاً یجب سدّه فیما بعد، إلاّ أنّ الله یبدع الخلق دون أىّ نقص أو عیب
إنّ کلّ الموجودات مسجّلة فی علم الله اللامحدود، فهو عالم بحرکة آلاف الملایین من الکائنات الحیّة، الکبیرة والصغیرة في البحار والبراري وفي جسم الإنسان وجميع الكائنات فهو جل وعلا يعلم الكليات والجزئيات في كل صغيرة وكبيرة
إذا کان جمیع الأفراد فی المجتمع متساوین ومتشابهین فی المواهب والقابلیات کالقماش أو الأوانی کان المجتمع الإنسانی مجتمعاً میّتاً ساکناً جامداً عاریاً عن التحرّک والتکامل، فإنّ أفراد البشر یشکّلون شجرةً کبیرةً واحدةً یقوم کل فرد برسالة خاصّة فی هذا الصرح العظیم، وله بنیان مخصوص یتلاءم مع وظائفه، ولهذا یقول القرآن الکریم: (ورفع بعضکم فوق بعض درجات لیبلوکم فی ما آتاکم) إنّ هذه الفوارق وهذا التفاوت وسیلة للاختبار والامتحان .
إن الظلم ينشأ نتيجة الجهل أو الحاجة أو النقص، وكل ذلك غير متصور في رب العالمين، فإنه عز وجل مع قدرته على الظلم لا یظلم أبداً لحکمته وعلمه، فهو یضع کل شیء فی
عالم الوجود موضعه، ویعامل کل أحد حسب عمله، وطبقاً لسلوکه وسیرته