لکل شیء ملاک یقیم به. فما ملاک التدین وعدمه؟ هل الصلاة بمفردها ملاک التدین؟ هل للحجاب بمفرده أن یکون معیارا؟ کما یرى بعض الناس أنّ الصلاة أو الحجاب، الحد الفاصل بین المتدینیین والملحدین. وهل حفظ اللسان والسیطرة علیه یسعه أن یکون میزان معیار التدین؟ لقد بیّن أمیرالمؤمنین(علیه السلام) المعیار والملاک الجامع والکلی لهذه المسألة فی هذه الروایة القصیرة والعمیقة المعنى ، وإن کانت الأمور المذکورة ملاکاً; إلاّ أنّ الملاک الکامل والتام شیئاً آخر حتى لربّما کانت أحیاناً العبادة والحجاب وحفظ اللسان إثر رغبة القلب. وخیر شاهد على ذلک هذه القصة المعروفة: أنّ شخصاً کان یصلی لسنین جماعة فی الصف الأول وذات یوم تأخر عن المسجد فکان فی آخر صف فساءه ذلک وقال فی نفسه: ماذا یقول الناس! یصلی فلان فی الصف الأول کل یوم فلم الیوم آخر الصف؟ وهنا التفت، یاویلی لقد أبطلت صلاتی طیلة هذه السنوات وعلی أن أقضیها جمیعاً؟ فلم تکن خالصة لله. ومن هنا جاء فی الخبر لا تغرک کثرة الصوم والصلاة وسائر العبادات! فقد یؤتى بها للعادة، بل امتحنوهم بالصدق وأداء الأمانة(1). وعلیه فالمتدین من تبع أوامر الله والعقل، والملحد من تبع هواه. وقد طرح هذا السؤال فی تفسیر الآیة الشریفة (نُؤْمِنُ بِبَعْض وَنَکْفُرُ بِبَعْض)(2) لما ذمّ الله ینی إسرائیل على ذلک والحال «نؤمن ببعض» فعل حسن وإن استحقوا الذم بسبب «ونکفر ببعض» فقال بعض المفسرین: «لا قیمة لذلک الإیمان ببعض لأنّهم یؤمنون بما یوافق هوى أنفسهم، وعلیه کان إیماناً بهوى النفس لا إیماناً بالله»(3).
والخلاصة فالروایة التی نحن بصددها تعتبر ملاک ومعیار المتدین من الملحد مخالفة هوى النفس وعلى ضوء هذا المعیار الدقیق نستطیع الوقوف على مدى تدیننا.