الجواب الاجمالي:
الغوص في سبر التاريخ والتمعن فيه يعطينا صورة تختلف عما يزعم أتباع ابت تيمية والوهابية من النهي عن الاستغاثة والدعاء بين صحابة رسول الله(ص) فان طلب الاستغاثة من النبی (صلى الله علیه وسلم) کان سائداً اما فی کل الحالات أو بعضها واذا کان الامر قبیح وغیر شرعی فان المسلمین لا شک لنهو عنه ولاندحر هذا السلوک.
الجواب التفصيلي:
ان مراجعة کتب التاریخ والاحادیث تضع أمامنا صورة تختلف مع ما تزعم الیه الوهابیة من ان الدعاء والاستغاثة عند قبر النبی (صلى الله علیه وسلم) منهی عنه ولم یصدر عن صحابی أو تابعی ومن تبعهم مثل ذلک ومن باب المثال نشیر هنا الى بعض الاخبار التی أشار الیها السهمودی من علماء الشافعیة فی کتابه وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى:
1ـ أصاب الناس قحط فی زمان عمر بن الخطاب رضی الله عنه ، فجاء رجل إلى قبر النبی صلى الله تعالى علیه وسلم ، فقال یا رسول الله استسق الله لامتک فإنهم قد هلکوا ، فأتاه رسول الله صلى الله تعالى علیه وسلم فی المنام ، فقال ائت عمر فاقرأه السلام وأخبره انهم مسقون ، وقل له علیک الکیس الکیس ، فأتى الرجل عمر فأخبره فبکى عمر رضی الله عنه ثم قال : یا رب ما آلو الا ما عجزت عنه ، ومحل الاستشهاد من هذا الأثر طلبه الاستسقاء من النبی صلى الله تعالى علیه وسلم بعد موته فی مدة البرزخ ولا مانع ، فان دعاء النبی صلى الله تعالى علیه وسلم لربه تعالى فی هذه الحالة غیر ممتنع. حیث انه مطلع على حوائج الناس فلا مانع من الطلب منه کما کان الحال فی حیاته(1)
2ـ ینقل السهمودی عن الحافظ ابو عبد الله محمد بن موسى بن النعمان بسند ینتهی بعلی بن ابی طالب (علیه السلام) ویقول: بعد دفن النبی (صلى الله علیه وسلم) بثلاثة أیام جاء اعرابی من خارج المدینة ونثر تراب قبر النبی (صلى الله علیه وسلم) على رأسه وقال: جئتک یا رسول الله مستغفرا من ذنوبی تائبا من معاصی وسیئاتی وقال تعالى ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوک فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحیما . وقد جئتک بأبی أنت وأمی مثقلا بالذنوب والخطایا ، أستشفع بک على ربک أن یغفر لی ذنوبی ، وأن یشفع فی» (2).
ینقل کاتب کتاب وفاء الوفاء فی خاتمة الباب الثامن من کتابه وقائع کثیرة فی خصوص طلب الحاجة من قبر النبی (صلى الله علیه وسلم) کلها تشیر الى ان طلب الحاجة من قبره الشریف والاستغاثة به سیرة المسلمین الساریة ویقول: ان الامام محمد بن موسى بن نعمان فی خصوص التوسل بقبر النبی (صلى الله علیه وسلم) ألف کتاباً تحت عنوان مصباح الظلام فی المستغیثین بخیر الأنام(3)
ان الوقائع المرویة لا تخرج عن عدة احتمالات فإما ان تکون مطابقة للواقع وإما ان یکون بعضها مطابق للواقع وبعضها کذب وإما ان یکون طلب الحاجة والاستغاثة بقبر النبی (صلى الله علیه وسلم) أمر واقعی لکن دعوى استجابة الحاجات غیر واقعی وکذب وإما أن تکون بعض الحاجات قد استجیبت والبعض الآخر کذب وافتراء الا ان موضوع طلب الحاجة والاستغاثة فهو امر ثابت فی کل الحالات.
والاحتمال الآخر هو ان کل الوقائع المذکورة هی کذب وغیر واقعیة أی لم تکن هناک طلبات ولا تلبیة للحاجات وعلى کل الاحتمالات والتصورات یثبت ان طلب الحاجة والاستغاثة بقبر النبی (صلى الله علیه وسلم) امر شائع بین الناس. وبناء على الاحتمال الاول، والثانی، والثالث، والرابع فان طلب الاستغاثة من النبی (صلى الله علیه وسلم) کان سائداً اما فی کل الحالات أو بعضها واذا کان الامر قبیح وغیر شرعی فان المسلمین لا شک لنهو عنه ولاندحر هذا السلوک.
وبناء على الاحتمال الخامس أی تکون کل الوقائع النقولة واقعیة یتبین ان التوسل بقبر النبی (صلى الله علیه وسلم) لا یوجب الشرک والکفر والوقوع فی المحارم ولیس فیه ضرب من البدعة لان الجعال والکذابین والوظاعین لا ینقول ما یضرهم ویثبت کفرهم وشرکهم ویعد فی نظر المسلمین بدعة وعلى سبیل المثال ان یقولوا: توسلت بالنبی فی طلب حاجة وهو لبى طلبی لان هکذا دعوى تستلزم اثبات شرک وبدعة القائل فلا أحد یقبل ان ینقل قصة أو حکایة تؤدی الى اثبات الشرک فی حق نفسه ومن هنا فان لازم جعل الحکایات هو ان طلب الشفاعة والتوسل بالنبی (صلى الله علیه وآله) لها صبغة ایجابیة ومشروعة فی انظار المسلمین وکل من روى هکذا روایات فانه اراد بها ان یثبت تقربه الى النبی (صلى الله علیه وسلم) ویرسم لنفسه امام الآخرین صورة حسنة(4)
لا يوجد تعليق