الجواب الاجمالي:
انّ البخاري لعب بالحديث فنقله بصورة بتراء. قال الحميدي: في هذا الحديث زيادة مشهورة، لم يذكرها البخاري أصلًا من طريقي هذا الحديث، ولعلّها لم تقع إليه فيهما، أووقعت فحذفها لغرض!! وهي: «أنّ رسول اللَّه قال: ويحَ عمّار تَقتُلهُ الفِئَة الباغية، يدعوهم إلى الجنة، ويدعونه إلى النار».
الجواب التفصيلي:
أخرج الفريقان عن غير واحد من الصحابة قول النبي صلى الله عليه و آله و سلم لعمار: «أبشر تقتلك الفئة الباغية»(1) غير انّ البخاري لعب بالحديث فنقله بصورة بتراء.
أخرج البخاري عن عكرمة- مولى ابن عباس- رضي اللَّه عنهما، قال: قال لي ابن عباس و لابنه علي: «انطلقا إلى أبي سعيد، فاسمعا من حديثه، فانطلقنا، فإذا هو في حائطٍ يصلحه، فأخذ رداءه فاحتبى، ثمّ أنشأ يحدثنا حتّى أتى على ذكر بناء المسجد، فقال: كنّا نحمل لبنَةً لَبِنَة، و عمّار لَبِنَتَيْن لبنتين. فرآه النبي صلى الله عليه و آله و سلم، فجعل يَنفضُ التراب عنه و يقول: ويحَ عمّار، يدعوهم إلى الجنّة، و يدعونه إلى النّار. قال: يقول عمار: أعوذ باللَّه من الفِتن»(2)
وفي رواية له: أنّ ابن عباس قال له و لعليّ بن عبد اللَّه: «ائتيا أبا سعيد، فاسمعا من حديثه. قال: فأتيناه، و هو وأخوه في حائط لهما، فسلّمنا. فلما رآنا جاء فاحتَبى و جلس، وقال: كنّا نَنقل لَبنَ المسجد لَبِنَةً لَبنة. و كان عمّار ينقل لَبنتين لَبنتين. فمرّ به النبي صلى الله عليه و آله و سلم، و مسح عن رأسه الغُبار، و قال: ويح عمّار؛ يدعوهم إلى اللَّه، و يدعونه إلى النار. فقال عمّار: أعوذ باللَّه من الفتن»(3)
قال الحميدي في الجمع بين الصحيحين: في هذا الحديث زيادة مشهورة، لم يذكرها البخاري أصلًا من طريقي هذا الحديث، ولعلّها لم تقع إليه فيهما، أووقعت فحذفها لغرض!! قصده في ذلك. و أخرجها أبو بكر البُرقاني، و أبوبكر الإسماعيلي قبله. و في هذا الحديث عندهما: «أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم قال: ويحَ عمّار تَقتُلهُ الفِئَة الباغية، يدعوهم إلى الجنة، و يدعونه إلى النار».
قال أبو مسعود الدمشقي في كتابه: لم يذكر البخاري هذه الزيادة، و هي في حديث عبد العزيز بن المختار، و خالد بن عبد اللَّه الواسطي ويزيد بن زريع، ومحبوب بن الحسن؛ وشعبة. كلّهم عن خالد الحذّاء عن عكرمة. و رواه إسحاق عن عبد الوهاب، هكذا. و أمّا حديث عبد الوهاب الذي أخرجه البخاري، دون هذه الزيادة، فلم يقع إلينا من غير حديث البخاري. هذا آخر ما قاله أبو مسعود(4)
وقال ابن الأثير- بعد نقل كلام الحميدي حسب ما نقلناه-: قلت أنا: و الذي قرأته في كتاب البخاري من طريق أبي الوقت عبد الأول السجزي رحمه اللَّه من النسخة التي قرئت عليه و عليها خطه. أما في متن الكتاب فبحذف الزيادة و قد كتب في الهامش هذه الزيادة، و صحح عليها. و جعلها في جملة الحديث، و أنّها من رواية أبي الوقت هكذا، بإضافتها إلى الحديث. و ذلك في موضعين من الكتاب.
أوّلهما: في «باب التعاون في بناء المسجد من كتاب الصلاة»
والثاني: في «باب مسح الغبار عن الرأس في كتاب الجهاد» وما عدا هذه النسخة، فلم أجد الزيادة فيها، كما قاله الحميدي، و من قبله. و اللَّه أعلم(5)
وعلى أيّ تقدير فقد جاءت الزيادة في الموردين التاليين في النسخ المطبوعة مشيراً بلفظه «لا»، «إلى» انّها غير موجودة في النسخة الأصلية.
1. كتاب الصلاة باب التعاون في بناء المسجد، رقم 447.
2. كتاب الجهاد، باب مسح الغبار، رقم 2812، ط دار الفكر.
كما جاء في فتح الباري: 1/ 430 باب التعاون على بناء المسجد(6)
لا يوجد تعليق