الجواب الاجمالي:
اذا کان منظور الوهابیین من الاجماع ان جمیع العلماء أفتوا فی کتبهم الفقهیة والروائیة هکذا فتوا فإن هذا مجرد إدعاء حیث نرى بعض علماء أبناء العامة أفتوا على خلاف ما تدعیه الوهابیة، لکن إذا کان المقصود من الاجماع على حرمة البناء على القبور لدى الوهابیین سیرة المسلمین فنقول: إن سیرة المسلمین إلى حین ظهور عبد الوهاب وإقدام الحرکة الوهابیة على هدم القبور وغزو البلدان الاسلامیة لم یکن للاجماع الذی یدعونه موطئ قدم بین المسلمین
الجواب التفصيلي:
علینا أن نشیر فی بدایة الجواب إلى نقطة وهی إن الاجماع من منظور علماء الشیعة یختلف عن الإجماع لدى أبناء السنة. ویذهب الشیعة إلى إن الاجماع حجة فی حال کشف عن قول المعصوم (علیه السلام) ولکن فی المنظور السنی فإن الإجماع ذات حجیة ذاتیة والدلیل الذی یسوقونه على ذلک هو القول المنسوب إلى النبی (صلى الله علیه وآله) حیث قال: "لا تجتمع أمتی على الخطأ".
إذن علینا فی البدایة أن نطلع على طبیعة الاجماع الذی یدعونه الوهابیون. فدعوى إجماع المسلمین على وجوب هدم القبور إما یعنی ان فقهاء وعلماء المسلمین أجمعوا على هذا الحکم، أو إن المسلمین کلهم أتفقوا على حرمة البناء على القبور وسیرتهم العملیة تکشف عن ذلک الإجماع. ومهما کان الاجماع الذی یدعونه الوهابیون ففیه إشکال.
اذا کان منظور الوهابیین من الاجماع ان جمیع العلماء أفتوا فی کتبهم الفقهیة والروائیة هکذا فتوا فإن هذا مجرد إدعاء حیث نرى بعض علماء أبناء العامة أفتوا على خلاف ما تدعیه الوهابیة کما جاء فی کتاب "الفقه على المذاهب الأربعة" ما نصه: "یکره بناء الغرفة، والقبة والمدرسة والمسجد والحائط الذی یحیط بالقبر على القبر ".(1)
وکما لاحظتم فلا توجد إشارة إلى تحریم البناء على القبور والمذکور لا یدلل إلا على کراهیة البناء على القبور من حیث الابتداء ولیس فی الکلام ما یدعون.
یکفی القول المذکور فی کتاب الفقه على المذاهب الاربعة على رد دعوى إجماع الفقهاء والعلماء على حرمة البناء على القبور.
لکن إذا کان المقصود من الاجماع على حرمة البناء على القبور لدى الوهابیین سیرة المسلمین فنقول: إن سیرة المسلمین إلى حین ظهور عبد الوهاب وإقدام الحرکة الوهابیة على هدم القبور وغزو البلدان الاسلامیة وقتل الابریاء و النهب والسلب فی الحجاز والنجد وبلاد العراق وسائر البلدان الاسلامیة لم یکن للاجماع الذی یدعونه موطئ قدم بین المسلمین.
وکان أبناء الطائفة الشیعیة وأبناء الجماعة یبنون على قبور الانبیاء والاولیاء (علیهم السلام) والعلماء قبب وأضرحة وعلى أقل التقدیرات یشیدون مظلات وغرف إلى جانبها. ولم تکن هذه الظاهرة منحصرة بالعصر الاسلامی حیث کان الناس یبنون على قبور الانبیاء والصالحین قبل العصر الاسلامی مضلات وبناء.
وعلى سبیل المثال فان قبر سیدنا ابراهیم، واسحاق، ویوسف، ویعقوب (علیهم السلام) فی بیت المقدس وقبر سیدنا هود، وصالح، ویونس، وذو الکفل (علیهم السلام) فی العراق وقبر أم البشر حوّاء فی مدینة جّدة ذات بناء واستمرت هذه الظاهرة بعد ظهور الاسلام کذلک.
کما إن قبر أبو حنیفة فی بغداد ما زال ذات قبة وضریح، وقبر مالک الواقع فی البقیع کان له بناء، وقبر الشافعی فی المصر له قبة وضریح فی الوقت الحاضر. ومقام رأس الحسین (علیه السلام) وقبر السیدة زینب (علیها السلام) بناءاً على روایة فی مصر ذات قبة وضریح مع إن عدد الشیعة فی مصر محدود الا ان عدداً کبیراً من أبناء السنة یتشرفون بزیارة هذه المراقد المبارکة.
وکذلک مزار السیدة زینب (علیها السلام) فی سوریه وقبور الائمة المعصومین (ع) فی البقیع کانت ذا أضرحة. وقبر ابن عباس واجداد النبی (صلى الله علیه وآله) عبد المطلب وأبو طالب وخدیجة (علیهم السلام) الذین دفنوا فی مقبرة ابو طالب فی مدینة مکة کلها کانت تتمتع ببناء. وبصورة عامة فی مصر، والسعودیة، والعراق، وترکیا، وایران وکافة ارجاء البلدان الاسلامیة کانت القبور مورد احترام الناس وشید الى جانبها مظلات وقبب وأضرحة.
ومما تقدم یتبین ان سیرة المسلمین العملیة لم تدل على حرمة بناء القبور ولا على وجوب تهدیما وانما العکس هو صحیح أی ان قبور الانبیاء الانبیاء والائمة (علیهم السلام) هی محل احترام وتجلیل وشید إلى جانبها البناء ووضع علیها علامات محددة.
فهل من المعقول ان الامة الاسلامیة وعلمائها غضوا البصر عن مسألة محرمة تصل حرمتها الى حد عبادة الاصنام والاوثان والشرک ولم ینهو عنها لمدة تتاخم ألف وثلاثمآئة عام؟!
واذا کان بناء القبور أمر محرم وشرک لماذا لم ینهى الخلیفة الثانیة والمتشدد عنه لا سیما عند فتح بیت المقدس والشام ولم یسرع إلى هدم قبب وأضرحة قبور الانبیاء (علیهم السلام) کما فعل الوهابیون؟!!(2)
لا يوجد تعليق