الجواب الاجمالي:
إن الروايات التي استند عليها القائلون بالنهي عن بناء المساجد على القبور كلها ناظرة إلى سيرة اليهود في هذا المجال، لكن سيتضح لمن يمعن النظر ويدقق في تاريخ اليهود أن سيرتهم على عكس ما جاء في هذه الروايات كان قائماً على قتل الأنبياء وتشريدهم وإيذائهم، فكيف تحولت هذه الأمة إلى أمة تشید المساجد على قبور أنبیائها تکریما وتبجیلا لهم
الجواب التفصيلي:
ربما یتراءى من بعض الروایات عدم جواز اتخاذ قبور الأنبیاء مساجد. فروی عن رسول الله (صلى الله علیه وآله) أنه قال: قاتل الله الیهود اتخذوا قبور أنبیائهم مساجد.
وفی روایة أخرى: لعن الله الیهود والنصارى اتخذوا قبور أنبیائهم مساجد.
وفی روایة ثالثة: ألا وإن من کل قبلکم کانوا یتخذون قبور أنبیائهم وصالحیهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد(1)
ولنا مع هذه الأحادیث وقفة قصیرة، وذلک لأن تاریخ الیهود لا یتفق مع مضامین تلک الروایات، لأن سیرتهم قد قامت على قتل الأنبیاء وتشریدهم وإیذائهم إلى غیر ذلک من أنواع البلایا التی کانوا یصبونها على أنبیائهم.
ویکفی فی ذلک قوله سبحانه: (لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِینَ قالُوا إِنَّ اللهَ فَقِیرٌ وَ نَحْنُ أَغْنِیاءُ سَنَکْتُبُ ما قالُوا وَ قَتْلَهُمُ اْلأَنْبِیاءَ بِغَیْرِ حَقّ وَ نَقُولُ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِیقِ)(2)
(قُلْ قَدْ جاءَکُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِی بِالْبَیِّناتِ وَ بِالَّذِی قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ کُنْتُمْ صادِقِینَ)(3)
(فَبِما نَقْضِهِمْ مِیثاقَهُمْ وَ کُفْرِهِمْ بِآیاتِ اللهِ وَ قَتْلِهِمُ اْلأَنْبِیاءَ بِغَیْرِ حَقّ...)(4) أفتزعم أن أمة قتلت أنبیاءها فی مواطن مختلفة تتحول إلى أمة تشید المساجد على قبور أنبیائها تکریما وتبجیلا لهم. وعلى فرض صدور هذا العمل عن بعضهم، فللحدیث محتملات أخرى غیر الصلاة فیها والتبرک بصاحب القبر وهی:
أ. اتخاذ القبور قبلة.
ب. السجود على القبور تعظیما لها بحیث یکون القبر مسجودا علیه.
ج. السجود لصاحب القبر بحیث یکون هو المسجود له، فالقدر المتیقن هو هذه الصور الثلاث لا بناء المسجد على القبور تبرکا بها. والشاهد على ذلک أن الرسول (صلى الله علیه وآله) حسب بعض الروایات یصف هؤلاء بکونهم شرار الناس.
أخرج مسلم فی کتاب المساجد: إن أم حبیبة وأم سلمة ذکرتا کنیسة رأینها بالحبشة فیها تصاویر لرسول الله (صلى الله علیه وآله)، فقال رسول الله: (صلى الله علیه وآله) إن أولئک إذا کان فیهم الرجل الصالح فمات بنی على قبره مسجدا، وصوروا فیه تلک الصور، أولئک شرار الخلق عند الله یوم القیامة(5) إن وصفهم بشرار الخلق یمیط اللثام عن حقیقة عملهم إذ لا یوصف الإنسان بالشر المطلق إلا إذا کان مشرکا - وإن کان فی الظاهر من أهل الکتاب - قال سبحانه: (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُکْمُ الَّذِینَ لا یَعْقِلُونَ)(6)
وقال: (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الَّذِینَ کَفَرُوا فَهُمْ لا یُؤْمِنُونَ)(7) وهذا یعرب عن أن عملهم لم یکن صرف بناء المسجد على القبر والصلاة فیه، أو مجرد إقامة الصلاة عند القبور، بل کان عملا مقرونا بالشرک بألوانه وهذا کما فی اتخاذ القبر مسجودا له أو مسجودا علیه أو قبلة یصلی علیه.
قال القرطبی: وروى الأئمة عن أبی مرثد الغنوی قال: سمعت رسول الله (صلى الله علیه وآله) یقول: لا تصلوا إلى القبور، ولا تجلسوا علیها "لفظ مسلم " أی لا تتخذوها قبلة فتصلوا علیها أو إلیها کما فعل الیهود و النصارى فیؤدی إلى عبادة من فیها(8).
إن الصلاة عند قبر الرسول (صلى الله علیه وآله) إنما هو لأجل التبرک بمن دفن، ولا غرو فیه وقد أمر سبحانه الحجیج باتخاذ مقام إبراهیم مصلى قال سبحانه: (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِیمَ مُصَلًّى)(9).
إن الصلاة عند قبور الأنبیاء کالصلاة عند مقام إبراهیم غیر أن جسد النبی إبراهیم "علیه السلام" لامس هذا المکان مرة أو مرات عدیدة، ولکن مقام الأنبیاء احتضن أجسادهم التی لا تبلى أبدا.
هذا وأن علماء الإسلام فسروا الروایات الناهیة بمثل عندما قلناه. قال البیضاوی: لما کانت الیهود والنصارى یسجدون لقبور الأنبیاء تعظیما لشأنهم ویجعلونها قبلة یتوجهون فی الصلاة نحوها، واتخذوها أوثانا، لعنهم ومنع المسلمین عن مثل ذلک.
فأما من اتخذ مسجدا فی جوار صالح وقصد التبرک بالقرب منه لا للتعظیم ولا للتوجه ونحوه، فلا یدخل فی الوعید المذکور(10).
وقال السندی شارح سنن النسائی: اتخذوا قبور أنبیائهم مساجد، أی قبلة للصلاة ویصلون إلیها، أو بنوا مساجد یصلون فیها، ولعل وجه الکراهة أنه قد یفضی إلى عبادة نفس القبر. إلى أن یقول: یحذر النبی (صلى الله علیه وآله) أمته أن یصنعوا بقبره عندما صنع الیهود والنصارى بقبور أنبیائهم من اتخاذ تلک القبور مساجد، إما بالسجود إلیها تعظیما لها أو بجعلها قبلة یتوجهون فی الصلاة إلیها(11)،(12)
وفی روایة أخرى: لعن الله الیهود والنصارى اتخذوا قبور أنبیائهم مساجد.
وفی روایة ثالثة: ألا وإن من کل قبلکم کانوا یتخذون قبور أنبیائهم وصالحیهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد(1)
ولنا مع هذه الأحادیث وقفة قصیرة، وذلک لأن تاریخ الیهود لا یتفق مع مضامین تلک الروایات، لأن سیرتهم قد قامت على قتل الأنبیاء وتشریدهم وإیذائهم إلى غیر ذلک من أنواع البلایا التی کانوا یصبونها على أنبیائهم.
ویکفی فی ذلک قوله سبحانه: (لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِینَ قالُوا إِنَّ اللهَ فَقِیرٌ وَ نَحْنُ أَغْنِیاءُ سَنَکْتُبُ ما قالُوا وَ قَتْلَهُمُ اْلأَنْبِیاءَ بِغَیْرِ حَقّ وَ نَقُولُ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِیقِ)(2)
(قُلْ قَدْ جاءَکُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِی بِالْبَیِّناتِ وَ بِالَّذِی قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ کُنْتُمْ صادِقِینَ)(3)
(فَبِما نَقْضِهِمْ مِیثاقَهُمْ وَ کُفْرِهِمْ بِآیاتِ اللهِ وَ قَتْلِهِمُ اْلأَنْبِیاءَ بِغَیْرِ حَقّ...)(4) أفتزعم أن أمة قتلت أنبیاءها فی مواطن مختلفة تتحول إلى أمة تشید المساجد على قبور أنبیائها تکریما وتبجیلا لهم. وعلى فرض صدور هذا العمل عن بعضهم، فللحدیث محتملات أخرى غیر الصلاة فیها والتبرک بصاحب القبر وهی:
أ. اتخاذ القبور قبلة.
ب. السجود على القبور تعظیما لها بحیث یکون القبر مسجودا علیه.
ج. السجود لصاحب القبر بحیث یکون هو المسجود له، فالقدر المتیقن هو هذه الصور الثلاث لا بناء المسجد على القبور تبرکا بها. والشاهد على ذلک أن الرسول (صلى الله علیه وآله) حسب بعض الروایات یصف هؤلاء بکونهم شرار الناس.
أخرج مسلم فی کتاب المساجد: إن أم حبیبة وأم سلمة ذکرتا کنیسة رأینها بالحبشة فیها تصاویر لرسول الله (صلى الله علیه وآله)، فقال رسول الله: (صلى الله علیه وآله) إن أولئک إذا کان فیهم الرجل الصالح فمات بنی على قبره مسجدا، وصوروا فیه تلک الصور، أولئک شرار الخلق عند الله یوم القیامة(5) إن وصفهم بشرار الخلق یمیط اللثام عن حقیقة عملهم إذ لا یوصف الإنسان بالشر المطلق إلا إذا کان مشرکا - وإن کان فی الظاهر من أهل الکتاب - قال سبحانه: (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُکْمُ الَّذِینَ لا یَعْقِلُونَ)(6)
وقال: (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الَّذِینَ کَفَرُوا فَهُمْ لا یُؤْمِنُونَ)(7) وهذا یعرب عن أن عملهم لم یکن صرف بناء المسجد على القبر والصلاة فیه، أو مجرد إقامة الصلاة عند القبور، بل کان عملا مقرونا بالشرک بألوانه وهذا کما فی اتخاذ القبر مسجودا له أو مسجودا علیه أو قبلة یصلی علیه.
قال القرطبی: وروى الأئمة عن أبی مرثد الغنوی قال: سمعت رسول الله (صلى الله علیه وآله) یقول: لا تصلوا إلى القبور، ولا تجلسوا علیها "لفظ مسلم " أی لا تتخذوها قبلة فتصلوا علیها أو إلیها کما فعل الیهود و النصارى فیؤدی إلى عبادة من فیها(8).
إن الصلاة عند قبر الرسول (صلى الله علیه وآله) إنما هو لأجل التبرک بمن دفن، ولا غرو فیه وقد أمر سبحانه الحجیج باتخاذ مقام إبراهیم مصلى قال سبحانه: (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِیمَ مُصَلًّى)(9).
إن الصلاة عند قبور الأنبیاء کالصلاة عند مقام إبراهیم غیر أن جسد النبی إبراهیم "علیه السلام" لامس هذا المکان مرة أو مرات عدیدة، ولکن مقام الأنبیاء احتضن أجسادهم التی لا تبلى أبدا.
هذا وأن علماء الإسلام فسروا الروایات الناهیة بمثل عندما قلناه. قال البیضاوی: لما کانت الیهود والنصارى یسجدون لقبور الأنبیاء تعظیما لشأنهم ویجعلونها قبلة یتوجهون فی الصلاة نحوها، واتخذوها أوثانا، لعنهم ومنع المسلمین عن مثل ذلک.
فأما من اتخذ مسجدا فی جوار صالح وقصد التبرک بالقرب منه لا للتعظیم ولا للتوجه ونحوه، فلا یدخل فی الوعید المذکور(10).
وقال السندی شارح سنن النسائی: اتخذوا قبور أنبیائهم مساجد، أی قبلة للصلاة ویصلون إلیها، أو بنوا مساجد یصلون فیها، ولعل وجه الکراهة أنه قد یفضی إلى عبادة نفس القبر. إلى أن یقول: یحذر النبی (صلى الله علیه وآله) أمته أن یصنعوا بقبره عندما صنع الیهود والنصارى بقبور أنبیائهم من اتخاذ تلک القبور مساجد، إما بالسجود إلیها تعظیما لها أو بجعلها قبلة یتوجهون فی الصلاة إلیها(11)،(12)
لا يوجد تعليق