الجواب الاجمالي:
هنالک العدید والکثیر من القرائن فی الأحادیث والروایات، ومنها:
1- جاء فی أسانید متکثِّرة التعبیر عن موقوف یوم الغدیر بلفظ النصب
2- ما ورد من قول ابن عبّاس بعد ذکره الحدیث: «فوجبْتَ والله فی رقاب القوم» فی لفظ و«فی أعناق القوم» فی آخر
3- احتجاج أمیر المؤمنین(ع) بالحدیث یوم الرحبة بعد أن آلت إلیه الخلافة ردّاً على من نازعه فیها
4- إصابة دعوة مولانا أمیر المؤمنین(ع) اُناساً کتموا شهادتهم بحدیث الغدیر فی یومی مناشدة الرحبة والرکبان
وغيرها من القرائن
1- جاء فی أسانید متکثِّرة التعبیر عن موقوف یوم الغدیر بلفظ النصب
2- ما ورد من قول ابن عبّاس بعد ذکره الحدیث: «فوجبْتَ والله فی رقاب القوم» فی لفظ و«فی أعناق القوم» فی آخر
3- احتجاج أمیر المؤمنین(ع) بالحدیث یوم الرحبة بعد أن آلت إلیه الخلافة ردّاً على من نازعه فیها
4- إصابة دعوة مولانا أمیر المؤمنین(ع) اُناساً کتموا شهادتهم بحدیث الغدیر فی یومی مناشدة الرحبة والرکبان
وغيرها من القرائن
الجواب التفصيلي:
مع أنه توجد فی حدیث الغدیر قرائن تدلّ على المعنى الصحیح لکلمة مولى، کذلک هنالک العدید والکثیر من القرائن نفسها فی الأحادیث والروایات، ومنها:
القرینة الأولى :
جاء فی أسانید متکثِّرة التعبیر عن موقوف یوم الغدیر بلفظ النصب ; فورد(1) عن عمر بن الخطّاب : نصب رسول الله علیّاً عَلَماً .
وعن علىّ(علیه السلام) «أمر الله نبیّه أن ینصبنی للناس . . .»(2) .
ومرّ(3) عن الإمام الحسین السبط : «أتعلمون أنَّ رسول الله نصبه یوم غدیر خُمّ» .
فإنّ هذا اللفظ یعطینا خُبراً بإیجاد مرتبة للإمام (علیه السلام) فی ذلک الیوم لم تکن تُعَرف له من قبلُ غیر المحبّة والنصرة المعلومتین لکلِّ أحد ، والثابتتین لأیّ فرد من أفراد المسلمین ، على ما ثبت من اطّراد استعماله فی جعل الحکومات وتقریر الولایات ; فیقال : نصب السلطان زیداً والیاً على القارّة الفلانیّة ، ولا یقال : نصبه رعیّة له أو محبّاً أو ناصراً أو محبوباً أو منصوراً به على زنة ما یتساوى به أفراد المجتمع الّذین هم تحت سیطرة ذلک السلطان .
مضافاً إلى مجیء هذا اللفظ فی غیر واحد من الطرق مقروناً بلفظ الولایة أو متلوّاً بکونه للناس أو للاُمّة .
وبذلک کلّه تعرف : أنَّ المرتبة المثبتة له هی الحاکمیّة المطلقة على الاُمّة جمعاء ، وهی معنى الإمامة الملازمة للأولویّة المُدّعاه فی معنى المولى .
القرینة الثانیة :
ما ورد(4) من قول ابن عبّاس بعد ذکره الحدیث : «فوجبْتَ والله فی رقاب القوم» فی لفظ . و «فی أعناق القوم» فی آخر ; فهو یُعطی ثبوت معنىً جدید مستفاد من الحدیث غیر ما عرفه المسلمون قبل ذلک وثبت لکلِّ فرد منهم ، وأکّد ذلک بالیمین وهو معنىً عظیم یلزم الرقاب ، ویأخذ بالأعناق لدة الإقرار بالرسالة ، لم یساوِ الإمام(علیه السلام) فیه غیره ، ولیس هو إلاّ الخلافة الّتی امتاز بها من بین المجتمع الإسلامیّ ، ولا یبارحه معنى الأولویّة .
القرینة الثالثة :
: ما أخرجه شیخ الإسلام الحمّوئی فی فرائد السمطین(5) عن أبی هریرة قال :
«لمّا رجع رسول الله عن حجّة الوداع نزلت آیة : (یا أیُّها الرسولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إلَیْک) . ولمّا سمع قوله تعالى : (وَاللهُ یَعْصِمُکَ مِنَ النّاسِ) اطمأنّ قلبه» .
إلى أن قال بعد ذکر الحدیث : «وهذه آخر فریضة أوجب الله على عباده ، فلمّا بلّغ رسول الله(صلى الله علیه وآله) نزل قوله : (الْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ . . .)» .
یُعطینا هذا اللفظُ خُبراً بأنّ رسول الله(صلى الله علیه وآله) صدع فی کلمته هذه بفریضة لم یسبقها التبلیغ ، ولا یجوز أن یکون ذلک معنى المحبّة والنصرة لسبق التعریف بهما منذ دهر کتاباً وسنّة ; فلم یبقَ إلاّ أن یکون معنى الإمامة الّذی أخّر أمره حتّى تُکتسح عنه العراقیل ، وتُمرّن النفوس بالخضوع لکلِّ وحی یوحى ، فلا تتمرّد عن مثلها من عظیمة تجفل عنها النفوس الجامحة ، وهی الملائمة لمعنى الأَولى .
القرینة الرابعة:
: ورد(6) فی حدیث زید بن أرقم بطرقه الکثیرة :
«إنَّ ختَناً له سأله عن حدیث غدیر خمّ ، فقال له: أنتم أهل العراق فیکم ما فیکم. فقلت له : لیس علیک منّی بأس . فقال : نعم ، کنّا بالجُحفة فخرج رسول الله . . ».
وعن عبد الله بن العلاء(7) أ نّه قال للزهری لمّا حدّثه بحدیث الغدیر: «لا تحدّث بهذا بالشام وأنت تسمع ملء اُذنیک سبّ علیّ!» . فقال : والله إنَّ عندی من فضائل علیّ مالو تحدّثتُ بها لَقُتِلْتُ!!
فإنّ الظاهر من هذه کلّها أ نّه کان بین الناس للحدیث معنىً لا یأمن معه راویه من أن یصیبه سوءٌ أولدته العداوة للوصىّ ـ صلوات الله علیه ـ فی العراق وفی الشام ; ولذلک إنّ زیداً اتّقى خَتَنه العراقىّ ، وهو یعلم ما فی العراقیِّین من النفاق والشقاق یوم ذاک ، فلم یُبدِ بسرِّه حتّى أمن من بوادره ، فحدّثه بالحدیث . ولیس من الجائز أن یکون المعنى حینئذ هو ذلک المبتذل لکلّ مسلم ، وإنّما هو معنىً ینوء بعبئه الإمام(علیه السلام) بمفرده ، فیفضل بذلک على من سواه ، وهو معنى الخلافة المتّحدة مع الأولویّة المرادة .
القرینة الخامسة:
احتجاج أمیر المؤمنین(علیه السلام) بالحدیث یوم الرحبة(8) بعد أن آلت إلیه الخلافة ردّاً على من نازعه فیها وإفحام القوم به لمّا شهدوا ، فأىّ حجّة له فی المنازعة بالخلافة فی المعنى الّذی لا یلازم الأولویّة على الناس من الحبّ والنصرة؟
القرینة السادسة:
مرّ(9) فی حدیث الرکبان : أنَّ قوماً منهم أبو أیّوب الأنصاری سلّموا على أمیر المؤمنین(علیه السلام) بقولهم : السلام علیک یا مولانا . فقال(علیه السلام) : «کیف أکون مولاکم وأنتم رهطٌ من العرب؟».
فقالوا : إنّا سمعنا رسول الله(صلى الله علیه وآله) یقول : «من کنت مولاه فعلىٌّ مولاه».
فأنت جدّ علیم بأنّ أمیر المؤمنین لم یتعجّب أو لم یُرد کشف الحقیقة للملأ الحضور لمعنىً مبذول هو شرع سواء بین أفراد المسلمین ـ وهو أن یکون معنى قولهم : السلامُ علیک یا محبّنا أو ناصرنا ـ لا سیّما بعد تعلیل ذلک بقوله: «وأنتم رهط من العرب». فما کانت النفوس العربیّة تستنکف من معنى المحبّة والنصرة بین أفراد جامعتها ، وإنّما کانت تستکبر أن یخصَّ واحدٌ منهم بالمولویّة علیهم بالمعنى الّذی نحاوله ، فلا ترضخ له إلاّ بقوّة قاهرة عامّتهم ، أو نصٍّ إلهىّ یُلزم المسلمین منهم ، وما ذلک إلاّ معنى الأَولى المرادف للإمامة ، والولایة المطلقة الّتی استحفى(علیه السلام)خبرها منهم ، فأجابوه باستنادهم فی ذلک إلى حدیث الغدیر .
القرینة السابعة:
: قد سلفت(10) إصابة دعوة مولانا أمیر المؤمنین(علیه السلام) اُناساً کتموا شهادتهم بحدیث الغدیر فی یومی مناشدة الرحبة والرکبان ، فأصابهم العمى والبرص ، والتعرّب بعد الهجرة ، أو آفة اُخرى ، وکانوا من الملأ الحضور فی مشهد یوم الغدیر .
فهل یجد الباحث مساغاً لاحتمال وقوع هاتیک النقم على القوم ، وتشدید الإمام(علیه السلام)بالدعاء علیهم لمحض کتمانهم معنى النصرة والحبِّ العامّین بین أفراد المجتمع الدینىّ ، فکان من الواجب إذن أن تصیب کثیراً من المسلمین الّذین تشاحنوا، وتلاکموا، وقاتلوا ، فقمّوا جذوم(11) تینک الصفتین ، وقلعوا جذورهما ، فضلاً عن کتمان ثبوتهما بینهم; لکنّ المنقِّب لا یرى إلاّ أنّهم وُسموا بِشِیَةِ العار، وأصابتهم الدعوة بکتمانهم نبأً عظیماً یختصّ به هذا المولى العظیم ـ صلوات الله علیه ـ وما هو إلاّ ما أصفقت علیه النصوص، وتراکمت القرائن من إمامته وأولویّته على الناس منهم بأنفسهم .
ثمّ إنّ نفس کتمانهم للشهادة لا تکون لأمر عادىّ هو شَرْع سواء بینه وبین غیره وإنّما الواجب أن تکون فیه فضیلة یختصُّ بها ، فکأنّهم لم یرُقْهم أن یتبجّح الإمام بها ، فکتموها ، لکن الدعوة الصالحة فضحتهم بإظهار الحقِّ ، وأبقت علیهم مثلبة لائحة على جبهاتهم وجنوبهم وعیونهم ما داموا أحیاء ، ثمّ تضمّنتها طیّات الکتب فعادت تلوکها الأشداق ، وتتناقلها الألسن حتّى یرث الله الأرض ومن علیها .
القرینة الثامنة:
أخرج(12) الحافظ ابن السمّان عن عمر وقد جاءه أعرابیّان یختصمان، فقال لعلیّ: اقض بینهما. فقال أحدهما: هذا یقضی بیننا؟! فوثب إلیه عمر وأخذ بتلبیبه وقال: ویحک ما تدری من هذا؟ هذا مولای ومولى کلّ مؤمن ، ومن لم یکن مولاه فلیس بمؤمن .
وعنه وقد نازعه رجل فی مسألة ، فقال : بینی وبینک هذا الجالس، وأشار إلى علیّ بن أبی طالب. فقال الرجل: هذا الأبطن؟! فنهض عمر عن مجلسه، وأخذ بتلبیبه حتّى شاله من الأرض ، ثمّ قال أتدری من صغّرت؟! هذا مولای ومولى کلّ مسلم .
فإنّ المولویّة الثابتة لأمیر المؤمنین الّتی اعترف بها عمر على نفسه وعلى کلِّ مؤمن زِنَة ما اعترف به یوم غدیر خمٍّ ، وشفع ذلک بنفی الإیمان عمّن لا یکون الوصیّ مولاه ، أی لم یعترف له بالمولویّة ، أو لم یکن هو مولىً له أی محبّاً أو ناصراً ولکن على حدٍّ ینفی عنه الإیمان إن انتفى عنه ذلک الحبّ والنصرة ، لا ترتبط(13) إلاّ مع ثبوت الخلافة له ; فإنّ الحبّ والنصرة العادیّین المندوب إلیها بین عامّة المسلمین لا ینفی بانتفائه الإیمان ، ولا یمکن القول بذلک نظراً إلى ما شجر من الخلاف والتباغض بین الصحابة والتابعین حتّى آل فی بعض الموارد إلى التشاتم ، والتلاکم ، وإلى المقاتلة ، والمناضلة ، وکان بعضها بمشهد من النبیّ(صلى الله علیه وآله) فلم ینفِ عنهم الإیمان ، ولا غمز القائلون بعدالة الصحابة أجمع فی أحد منهم بذلک ; فلم یبق إلاّ أن تکون الولایة الّتی هذه صفتها معناها الإمامة الملازمة للأولویّة المقصودة ، سواء أوعز عمر بکلمته هذه إلى حدیث الغدیر کما تومی إلیه روایة الحافظ محبّ الدین الطبری لها فی ذیل أحادیث الغدیر ، أو أ نّه أرسلها حقیقة راهنة ثابتة عنده من شتّى النواحی .
لا يوجد تعليق