الجواب الاجمالي:
الجواب التفصيلي:
احتجّ المخالف بوجوه:
الأوّل: بما أخرجه الترمذی، عن أبی هریرة انّ رسول اللَّه صلى الله علیه و آله و سلم لعن زوّارات القبور[1]
و أخرجه ابن ماجة عن حسّان بن ثابت، و عن ابن عباس و اللفظ فی الجمیع واحد.
قال الترمذی صاحب السنن: و قد رأى بعض أهل العلم انّ هذا کان قبل أن یرخّص النبی فی زیارة القبور، فلمّا رخّص دخل فی رخصته الرجال و النساء.
و قال بعضهم: إنّما کره زیارة القبور للنساء لقلة صبرهنّ و کثرة جزعهنّ[2]
و قال القرطبی: لم یلعن النبی کلّ امرأة تزور القبور بل لعن المرأة التی تزور القبور دوماً، و الدلیل على ذلک قوله صلى الله علیه و آله و سلم: زوّارات القبور، و کلمة «زوّار» هی صیغة المبالغة و تدلّ على الکثرة و التکرار.
و لعلّ السبب ما یفضی إلیه ذلک من تضییع حق الزوج و التبرّج، و ما ینشأ منهنّ من الصیاح و نحو ذلک[3]
أقول: إنّ أمر هذا الحدیث دائر بین کونه منسوخاً أو مخصصاً؛ فلو ورد قبل الترخیص، کان عموم الترخیص «فزوروا» ناسخاً و الحدیث منسوخاً؛ و إن ورد بعد الترخیص، یکون مخصصاً، فإذا دار أمره بین کونه متروکاً أو معمولًا به فلا یحتج به.
الثانی: ما أخرجه ابن ماجة عن ابن الحنفیة عن علی، قال: خرج رسول اللَّه صلى الله علیه و آله و سلم فإذا نسوة جلوس، فقال: ما یجلسکنَّ؟ قلنَ: ننتظر الجنازة.
قال: هل تغسلن؟ قلن: لا، قال: هل تحملن؟ قلن: لا.
قال: هل تدلین فیمن یدلی؟ قلن: لا.
قال: فأرجعنَ مأزورات غیر مأجورات[4]
انّ الحدیث قاصر سنداً ودلالة.
أمّا السند ففیه دینار بن عمر (أبوعمر).
قال أبو حاتم فی حقّه: إنّه لیس بالمشهور، و قال الأزدی: متروک، و قال الخلیل فی الإرشاد: کذّاب، و قال ابن حبان: یخطئ[5]
فهل یمکن أن یستدل بحدیث کهذا.
و أمّا الدلالة ففیها أوّلًا: إنّ الحدیث وارد فی خصوص النساء المتجمعات للتفرّج على الجنازة و من دون أن یکون لهنّ مهمة تذکر فی خدمة الجنازة. و هذا لا علاقة له بمسألة زیارة القبور، فإنّ التفرّج على الجنازة شیء، و زیارة القبور شیء آخر، ولا یمکن إسراء حکم أحدهما إلى الآخر، لوجود الفارق الجوهری بین المسألتین[6]
و أنّ النبیّ صلى الله علیه و آله و سلم یذم النسوة اللواتی لم یکن لهنّ أیّة مسؤولیة فی تجهیز المیّت، و إنّما جلسنَ للنظر و المشاهدة، و إلّا فلو کان لهنّ مهمة معینة فتنعکس القضیة، و یکنّ مأجورات لا مأزورات، و لذلک سألهن النبی صلى الله علیه و آله و سلم عن وجه جلوسهن فلمّاعلم حالهنّ ندد بهنّ.
و ثانیاً: أنّ غایة ما یمکن حمل الروایة علیها هو النهی عن اتّباع النساء الجنائز، و قد نقله الترمذی أیضاً تحت هذا العنوان و هو أمر مکروه بالاتّفاق، و یدلّ علیه حدیث أُمّ عطیة حیث قالت: «نهینا عن اتّباع الجنائز، و لم یعزم علینا»[7]
قوله: « و لم یُعزم علینا» أی و لم یوجب علینا، و المراد انّه لم یقطع علینا بالنهی لیکون حراماً فهو مکروه تنزیهاً[8]
و أین هذا ممّا نحن فیه من زیارة القبور للنساء حیناً بعد حین؟![9]
لا يوجد تعليق