الجواب الاجمالي:
الجواب التفصيلي:
لقد منع الوهابیون من الحلف بغیر اللَّه تعالى و عَدُّوه شرکاً على الإطلاق.
و قبل أن نستعرض النصوص الحدیثیة الدالة على جواز هذا الأمر، لابد أن نعرض المسألة على کتاب اللَّه لنرى هل أنّ اللَّه سبحانه حلف بالمخلوق أو لا؟
إنّ مراجعة آیات القرآن الکریم تفید أنّ اللَّه حلف بمخلوقه فی مواضع کثیرة تقارب الأربعین من حیث المقسم به.
فَحَلَف بالملائکة (الصفات، المرسلات، النازعات، الذاریات).
و بالنبی إذ قال: «لَعَمْرُکَ إنَّهُمْ لَفی سَکْرَتِهِمْ یَعْمَهُون» (الحجر- 72).
(والبروج- 3) و (البلد- 1)
و أقسم بالقرآن (یس: 1- 3) و (الدخان: 1- 3) و (ق: 1- 3) و (الزخرف- 41) و (ص- 1).
و حلف بالنفس الإنسانیة (الشمس: 7- 10) و (القیامة- 2).
و حلف بالنون والقلم (القلم- 1).
و حلف بالکتاب (الطور 2- 3).
و حلف بالافراس العادیات (العادیات- 2).
و حلف بالوالد و ما وَلَد (البلد- 3).
و حلف بالشمس و نورها (الشمس- 1).
و حلف بالسماوات (الذاریات- 7) و (البروج- 1) و (الطارق- 11).
و حلف بالصبح (المدّثر- 34) و (التکویر- 18) (الفجر- 1)؛ و بالتالی حلف بالنهار، و الضحى، و غروب الشمس، و اللیل، و لیال عشر، و النجوم و الأرض، و القمر و الریاح، و السحب، و البحر، و السفن، و التین، و الزیتون، و العصر، و الشفع، و الوتر، و بالوجود جمیعاً. کما یتّضح من مراجعة الآیات القرآنیة فی السور المختلفة التی ترکنا ذکرها تفصیلًا بعد ذکر نماذج منها.
فهل یمکن أن یکون الحلف بغیره شرکاً و قبیحاً، و مع ذلک یصدر من اللَّه سبحانه؟
أفهل یمکن أن یقع مثل هذا الحلف فی الکتاب العزیز مرات عدیدة جداً، و مع ذلک یکون محرماً على غیره، دون أن یذکر اللَّه ذلک التحریم و الحظر فی کتابه المجید؟
و هل یصح أن نقول: إنّ الحلف بالمخلوق من الشرک إذا صدر من المخلوق، و لیس من الشرک إذا صدر من اللَّه الخالق سبحانه، إلّا خطلًا من القول وشططاً من الکلام، لأنّ العمل الواحد من حیث الماهیة، والذات لایتصور له حالتان، و لا یتلون بلونین متضادین.
و بالجملة إذا کان القرآن قدوة و أُسوة و کان کل ما جاء فیه من القول و العمل منهاجاً لجمیع المسلمین، فکیف یمکن أن تصدر هذه الأقسام من اللَّه سبحانه و تجوز علیه ولا تجوز على غیره؟ و یکون عین التوحید تارةً و نفس الشرک أُخرى مع وحدة ماهیة العمل و حقیقته.
إنّ الغایة من حلفه سبحانه بمخلوقاته تتردد بین الدعوة إلى التدبر فی خلقه و السنن المکنونة فی وجوده کما هو الحال فی أکثر اقساماته و بین اظهاره کرامته و جلالته عند اللَّه کما هو الحال فی الحلف بعمر النبی الأکرم صلى الله علیه و آله و سلم.
هذا بالنسبة إلى کتاب اللَّه تعالى.
و أمّا السنّة الشریفة فقد روى مسلم فی صحیحه أنّه: جاء رجل إلى النبی فقال: یارسول اللَّه أیُّ الصدقة أعظم أجراً؟ فقال: أما وَ أبیک لَتُنَبَّأنَّهُ، أن تصدَّق و أنت صحیح شحیح تخشى الفقر[1]
فقد حلف رسول اللَّه صلى الله علیه و آله و سلم بأبی السائل قائلًا «و أبیک».
و روی أیضاً أنّه جاء رجل إلى رسول اللَّه من أهل نجد یسأل عن الإسلام؟ فقال رسول اللَّه صلى الله علیه و آله و سلم: «خمس صلوات فی الیوم واللیلة»، فقال: هل علیَّ غیرهنِّ؟ قال: «لا إلّا أن تطّوع، و صیام شهر رمضان»، فقال: هل علیّ غیره؟ قال: «لا إلّا أن تطّوع»، وذکر له رسول اللَّه صلى الله علیه و آله و سلم الزکاة فقال: و هل علیَّ غیره؟ قال: «لا، إلّا أن تطّوع»، فأدبر الرجل و هو یقول: واللَّه لاأزید على هذا ولا أنقص منه، فقال رسول اللَّه صلى الله علیه و آله و سلم: «أفلح و أبیه إن صدق» أو «دخل الجنة وأبیه إن صدق»[2]
و فی حدیث آخر فی مسند الإمام أحمد بن حنبل أنّ النبی صلى الله علیه و آله و سلم قال: «فلعمری لئن تکلّمُ بمعروف و تنهى عن منکر خیر من أن تسکت»[3]
و قد أفتى بعض أئمة المذاهب الأربعة بجواز ذلک أیضاً، فقد جاء فی «الفقه على المذاهب الاربعة» مایلی:
«الحنفیة قالوا: الحلف بنحو أبیک و لعمرک و نحو ذلک جاز على کراهة.
الشافعیة قالوا: یکره الحلف بغیر اللَّه تعالى إذا لم یقصد شیئاً ممّا ذکر فی أعلى الصحیفة (أی إشراک اللَّه ...).
المالکیة قالوا: الحلف بمعظّم شرعاً کالنبی والکعبة و نحوهما فیه قولان: الحرمة والکراهة، والمشهور الحرمة.
الحنابلة قالوا: یحرم الحلف بغیر اللَّه تعالى وصفاته و لو بنبیّ أو ولی»[4]. وعلى کل تقدیر فسواء أجاز الحلف بغیره سبحانه أم لا، لایُعَدّ شرکاً و لا الحالف مشرکاً.
لأنّ الحلف بشیء لایدل على أنّ الحالف یعتقد بإلوهیته و ربوبیته وأقصى مایعرف عنه أنّه یعظّمه و یکرمه، و اختلاف الفتیا (الفتاوى) یعرف عن أنّ المسألة مختلف فیها، و هل یمکن اتّهام المسلم بالشرک بعمل تضاربت فیه الفتیا؟!
نعم لاینعقد الحلف بغیره سبحانه ولا یقضى فی المحاکم إلّا بالحلف به سبحانه، و هذا لایعتبر دلیلًا على کون الحلف بغیره سبحانه و تعالى، شرکاً أو حراماً[5]
لا يوجد تعليق