وقد ذکر أحد علماء الحوزة العلمیة فی رسالته یقول : نحن نقبل أن (الجمرة) وطبقاً للمدارک الموجودة هی قطعة الأرض التی ینتصب فی وسطها العمود، ولکن المقدار المتیقن هو أنّ المراد منها هی الأرض اسفل العمود، وبما أنّه فی الحال الحاضر لا یمکننا التوصل إلى تلک الأرض أسفل العمود فنحن مضطرون إلى رمی العمود، ولو فرض تحطم الأعمدة یوماً ما، فسوف نرمی بالأحجار على الأرض اسفل العمود.
الجواب : إنّ هذا الاحتمال أیضاً غیر مقبول لأنّه :
أوّلاً : یستفاد من بعض الرّوایات وکلمات الفقهاء التی تقدّمت سابقاً أنّ بعض الحجاج کانوا یقفون فی السابق على أحد أطراف الجمرة ویرمون بالحصى إلى الطرف الآخر (بالرغم من ورود النهی عن ذلک بعنوان الحرمة أو الکراهة).
ونقرأ فی حدیث البزنطی: «ولا ترم على الجمرة»(1).
وقد أجاز بعض علماء أهل السنّة هذا العمل مثل محی الدین النووی فی «روضة الطالبین» حیث یقول :
«ولا یشترط کون الرامی خارج الجمرة فلو وقف فی الطرف ورمى إلى الطرف الآخر جاز»(2).
وهذا التعبیر الذی یقول فیه أنّ الشخص یقف على طرف من الجمرة ویرمی على الطرف الآخر لا یراد به قطعاً الدائرة التی قطرها متر واحد، بل الظاهر منه أنّ محل الرمی قطره عدّة أمتار (کالأحواض الموجودة الآن حول الأعمدة) حیث یقف بعض الأشخاص على طرف منها ویرمی الطرف الآخر.
مضافاً إلى ذلک فإنّ بعض الفقهاء قد عیّن الحدّ بذلک بحیث لا یصدق على الأرض تحت الأعمدة :
فقد جاء فی کتاب «حواشی الشیروانی» :
«الجمرة مجتمع الحصى حَدَّه الجمال الطبری بأنّه ما کان بینه وبین أصل الجمرة ثلاثة أذرع فقط وهذا التحدید من تفقّهه وکأنّه قرب به مجتمع الحصى غیر السائل، والمشاهدة تؤیّده فإنّ مجتمعه غالباً لا ینقص عن ذلک»(3).
وذکر الشهید الثانی(قدس سره) فی «شرح اللمعة» أنّه :
«وهی البناء المخصوص أو موضعه وما حوله ممّا یجتمع من الحصى، کذا عرّفها المصنّف فی الدروس»(4).
وهذا التعبیر سواء کان من الشهید الأوّل أو من الشهید الثانی، یدلّ على أنّ الجمرة لیست الأرض اسفل الأعمدة بل تشمل المنطقة المحیطة باطرافها أیضاً.
ثانیاً : على فرض أنّ محل الرمی هو تلک القطعة من الأرض التی تقع أسفل الأعمدة، فهل أنّ وجود الأعمدة على تلک القطعة من الأرض دلیل على لزوم انتخاب المکان الأقرب لذلک العمود ؟ هل أنّ الأقرب تعنی المنطقة المجاورة واللاصقة لذلک المکان أو العمود الذی یقع أعلى منها مترین أو ثلاثة أمتار ؟
من المعلوم أنّ الأقرب هی الأراضی المحیطة به وکلّما توجه الشخص فی أداء الرمی إلى الطبقة العلیا فإن عمله یکون مشکلاً أکثر لأن الأعمدة الموجودة فی الطبقة العلیا بعیدة جدّاً عن الأرض الواقعة تحتها.
ثالثاً : إنّ رمی الأعمدة فی الحال الحاضر مشکل جدّاً فی حین أنّ مساحة ذلک المکان 10 أمتار مربعة تقریباً(5) فلو فرضنا أنّ جمیع الحجیج أرادوا رمی مکان بسعة متر مربع واحد فکیف یکون حالهم ؟
إنّ مثل هذا العمل کان مشکلاً فی زمن رسول الله(صلى الله علیه وآله) کما ورد فی روایة أنّ ما یقارب من مائة ألف نفر اشترکوا فی حجّة الوداع، وکان کلّ واحد منهم یرمی 21 حجر نحو جمرة العقبة و 14 حجر نحو الجمرات الاُخرى، فکیف یمکن رمی هذا المقدار الهائل من الأحجار باتجاه قطعة صغیرة بسعة متر واحد من الأرض ؟
والنتیجة التی لا ینبغی الشک فیها هی أنّ محل الرمی (المرمى) اوسع من الأرض اسفل الأعمدة، أی مکان الأحواض الموجودة فعلاً هناک.
وقد جاء فی بعض کلمات الفقهاء : «لا یرمی رأس الجمرة الاُولى»(1).
وجاء فی بعض العبارات أیضاً : «یرمی ساقها»(2).
ألا یتناسب التعبیر بکلمة (رأس) و (ساق) مع وجود الأعمدة ؟
الجواب : إنّ هذا التعبیر یتناسب أیضاً بأن یکون المراد (مجتمع الحصى)، لأنّ الحصى الکثیرة عند اجتماعها تکون على شکل مخروط، ومن الطبیعی أن یکون لهذا المخروط (رأس) و (ساق) فأعلى المخروط بمثابة (الرأس) وأسفله بمثابة (الساق).