لا شک فى ان رمی الجمرات من مناسک الحجّ المهمّة، والمعروف بین کثیر من الفقهاء المعاصرین أیدهم الله أنّ الجمرات هی الأعمدة الثلاثة أو الشواخص التی یرمیها الحجاج بالحصى فی أیام خاصة، لکن کلّما رجعنا إلى الوراء فان هذه الفکرة تبدو على ما نرى قلیلة الأهمیّة وقلیل القائل ولیس لها نصیب من الصحة، حتى نطمئن بأنّ تلک الأعمدة هی علامات لمحلّ الجمرات، وأنّ الجمرات هی نفس محلّ اجتماع الحصى والذی یجب أن یکون الرمی إلیه، نعم وحینما نعود إلى الماضی فقلّما نجد کلاماً عن الأعمدة، بل الحدیث یترکّز حول «مجتمع الحصى».
وقد جاء فی هذه المجموعة أقوال وآراء نحو خمسین من فقهاء السنة والشیعة، وقد صرّح بعضهم وأشار آخرون إلى التصدیق بکون الأعمدةعلامة ودلالة، وأنّ الجمرة هی مجتمع الحصى، والتی تبدو الیوم بصورة حوض فی أطراف الأعمدة.
وصرّحت أیضاً طائفة کبیرة من أرباب اللغة بهذه الحقیقة فی بیانهم لمعنى الجمرة، وسنأتی لاحقاً على عین عباراتهم فی مطاوی البحث، کما سنأتی على قرائن واضحة تدلّ على هذه الحقیقة تتمثّل فی کلمات المؤرخین وآثار الأسفار والرحلات.
على أنّنا لم نجد تعریفاً محدّداً للجمرة فی أیّة واحدة من الرّوایات الکثیرة الواردة فی أحکامها المثبتة فی کتب الروایة، ولکن إلى جانب تلک الرّوایات وأطرافها هناک إشارات واضحة أقنعت العلماء الماضین (رحمهم الله) بالتفسیر الذی قدمناه.
وممّا یجدر ذکره أنّه جاء فی أهمّ وأوسع کتاب تاریخی صنّف حول مکّة المکرّمة وبیت الله ـ وسنذکر عین عبارته فی آخر البحث ـ مایلی:
«... بوسط کلّ جمرة من الجمرات الثلاث علامة کالعامود المرتفع نحو قامة، مبنیّة بالحجارة، إشارة إلى موضع الرمی، وهذه العلامات على الجمرات لم تکن فی صدر الإسلام، وإنّما اُحدثت فیما بعد».
ونحن مطمئنون بأنّ مطالعة هذا المقال ستفتح آفاقاً جدیدة فی وجه المحقّقین بأنّ الجمرة لیس إلاّ مجتمع الحصى، ولیس على الناس أن یتحمّلوا مشقّة التهدیف على الأعمدة ورمیها، ولیطمئنوا بأنّها مجرّد علامات وشواخص على المحلّ لیس إلاّ.
1. التاریخ القویم لمکّة وبیت الله الحرام، ج6، ص15.
