الجواب الاجمالي:
اختلفت أقوال الماديين في محل الروح من الجسد وفي أقسامها، ولهم مذاهب مختلفة في ذلك، لكنهم جميعاً اعتبروا الانسان هو هذا الهيكل المحسوس، وليس ثمة وجود مستقل عن المادة يسمّى بالروح، بل هي من خواص الجسد، وتخضع لجميع القوانين التي تحكمه، ومجموع ظواهر الشعور والعقل والارادة والفكر، ما هي إلاّ وظائف عضوية مثلها كمثل جميع الوضائف البدنية الاُخرى، وكذا الآثار الفكرية والمعرفية عندهم ماهي إلاّ نتائج وآثار فيزيائية وكيميائية للخلايا العصبية والعقلية، وجميع تلك الآثار والنشاطات الروحة تظهر بعد ظهور العقل والجهاز العصبي ، وتموت بموت الجسد
الجواب التفصيلي:
لقد أورد المادیون شواهد لإثبات دعواهم بأنَّ الروح والفکر وسائر الظواهر الروحیة هی قضایا مادیة، أی تکون انعکاساً للخواص الفیزیائیة والکیمیائیة للخلایا العصبیة والدماغیة، ونستطیع أن نشیر هُنا إلى هذه الشواهد مِن خلال هذه النقاط:
1ـ «یمکن الإشارة وبسهولة إلى تعطُّل قسم مِن الأغراض الروحیة عند عطل أو إصابة قسم مِن المراکز العصبیة أو سلسلة مِن الأعصاب»(1).
فمثلا تمّ اختبار حالة رُفعَ فیها قسم مِن دماغ الطیر، ولم یؤدّ ذلک إلى موته، بل إنَّهُ فقد قسماً کبیراً مِن معلوماته، مثلا یفقد شهیّته للطعام فإذا أعطیناه طعاماً فإنَّهُ یأکلهُ ویهضمه، ولکنّا إذا لم نعطه ووضعنا الحَب أمامه فإنَّهُ لا یأکل وسیموت مِن الجوع.
کما شوهد أنَّ إصابة دماغ الإنسان نتیجة للحوادث أو الأمراض ببعض الضربات أو الصدمات، یؤدّی إلى فقدان الدماغ لجزء کبیر مِن نَشاطه، حیث ینسى الإنسان جانباً مِن معلوماته.
وقد قرأنا قبل فترة فی الصحف أنَّ شاباً مُثقفاً من مدینة (الأهواز) الایرانیة تعرّض لضربة على دماغه فی حادثة، فنسی جمیع أحداث حیاته الماضیة حتى أنَّهُ نسی اُمّه واُخته ونسی نفسهُ وعندما جاؤوا بهِ إلى بیته والمکان الذی وُلِدَ وترعرع فیه، فإنَّهُ لم یعرف هذا المکان وبدا فیه غریباً.
إنَّ هذه الاُمور وما شابهها تثبت وجود علاقة قریبة بین نشاطات الخلایا الدماغیة والظواهر الروحیة.
2ـ «عندما نفکّر تزداد التغییرات المادیة على سطح الدماغ... الدماغ یحتاج إلى طعام أکثر، ویطرح مواد فسفوریة أکثر، ولکن عند النوم فإنَّ الدماغ لا یقوم بالتفکیر، لذا فإنَّهُ یحتاج إلى طعام قلیل، وهذا یعتبر دلیلا على أنَّ الآثار الفکریة للإنسان تترشح من فعالیات مادیة»(2).
3ـ تُظهر التجارب أنّ وزن أدمغة المفکرین هی أکثر مِن الحد المتوسط (الحد المتوسط لدماغ الرجل فی حدود 1400 غرام، والحد المتوسط لدماغ المرأة أقل مِن هذا بقلیل)، وهذا دلیل آخر ـ بزعم المادیین ـ على مادیة الروح.
4ـ إذا کانت قوّة التفکیر والظواهر الروحیة دلیلا على الوجود المستقل للروح، فیجب أن نقبل ذلک أیضاً فی الحیوانات، لأنّها تملک قدرة الإدراک.
والخلاصة: إنّ المادیین یتحرکون فی عملیة الاستدلال من مقولة أننا ندرک ونحس بأنَّ روحنا لیست موجوداً مستقلا، والتطورات المتعلقة بمعرفة الإنسان ودراسته تُؤیّد هذهِ الحقیقة.
وَمِن مجموع هذه الاستدلالات، یستنتج هؤلاء أنَّ التقدّم الفیزیولوجی الإنسانی والحیوانی یوضّحان یوماً بعد آخر حقیقة وجود العلاقة القریبة بین الظواهر الروحیة والخلایا الدماغیة(3)
لا يوجد تعليق