الجواب الاجمالي:
فی التعرّف على الموجودات الخارجیة هُناک حاجة إلى نوع مِن الإحاطة بها، وهذه الإحاطة لیست مِن عمل الخلایا الدماغیة، إذ الخلایا الدماغیة تتأثر بالخارج فقط، وهذا التأثُّر مَثَلَهُ کمثل سائر أجهزة الجسم، فإنَّ الوضع الاستثنائی لإدراکنا دلیل على أنَّ هُناک حقیقة اُخرى کامنة فیها، بحیث إنَّ نظامها والقوانین المتحکّمة فیه تختلف عن القوانین والنظم الفیزیائیة والکیمیائیة.
الجواب التفصيلي:
ینبغی الالتفات الى عدة نقاط لغرض توضیح کیفیة دلالة اطلاع الروح بالعالم الخارجی على استقلالها:
الملاحظة الاُولى: هل هُناک عالم خارج وجودنا؟
من البدیهی وجود مثل هذا العالم، أمّا المثالیین الذین یُنکرون وجود العالم الخارجی ویقولون بأنَّ کلّ ما وجود هو (نحن) و(تصوراتنا) ویعتبرون العالم الخارجی مجموعة مِن التصورات والأحلام التی تُشاهد فی النوم، فهؤلاء على خطأ، وقد أثبتنا خطأهم هذا فی أحد الأبحاث، وأثبتنا أنّه کیف یتحوّل هؤلاء المثالیون إلى واقعیین فی العمل، إذ إنّ ما یفکرون بهِ فی محیط مکتباتهم یَنسونَهُ عِندما یتجولون فی الشارع ویتنقّلون مِن مکان إلى آخر.
الملاحظة الثّانیة: هل ندرک ونعلم بوجود العالم الخارجی، أم لا؟
بالطبع الجواب على هذا السؤال بالإیجاب، لأنّنا نملک معرفة کبیرة عن العالم الخارجی، وعندنا معلومات کثیرة عن الموجودات المحیطة بنا.
والآن نصل إلى هذا السؤال: هل هُناک وجود للعالم الخارجی فی داخل وجودنا؟ طبعاً لا، ولکن ارتساماته وصورته منعکسة فی أذهاننا حیث نستفید مِن خاصیّة (انعکاس الواقع الخارجی) لإدراک العالم الخارجی.
هذا الإدراک الذهنی للعالم الخارجی ـ فی الحقیقة ـ لیس من الخواص الفیزیوکیمیائیة للدماغ لوحدها، إذ إنَّ هذه الخواص ولیدة إحساسنا وتأثّرنا بالعالم الخارجی، وفی الاصطلاح: فإنّها معلولة لها. ونفس الشیء یقال بالنسبة لتأثیر الطعام على معدتنا، فهل تأثیر الطعام على معدتنا والنشاطات الفیزیائیة والکیمیائیة تکون سبباً لمعرفة المعدة بالأطعمة؟
إذن کیف یستطیع الدماغ أن یتعرّف على عالمه الخارجی؟
بعبارة اُخرى نقول: فی التعرّف على الموجودات الخارجیة هُناک حاجة إلى نوع مِن الإحاطة بها، وهذه الإحاطة لیست مِن عمل الخلایا الدماغیة، إذ الخلایا الدماغیة تتأثر بالخارج فقط، وهذا التأثُّر مَثَلَهُ کمثل سائر أجهزة الجسم، وهذا الموضوع ندرکهُ نحنِ بشکل جیّد.
وإذا کان مجرّد التأثُّر بالخارج دلیلا على إدراکنا ومعرفتنا بالواقع الموضوعی الخارجی، فیجب أن تتساوى فی ذلک معدتنا ولساننا وأن یکون لها نفس قابلیة الفهم، فی حین أنّنا نعرف أنَّ واقع الحال لیس کذلک. وخلاصة القول: إنَّ الوضع الاستثنائی لإدراکنا دلیل على أنَّ هُناک حقیقة اُخرى کامنة فیها، بحیث إنَّ نظامها والقوانین المتحکّمة فیه تختلف عن القوانین والنظم الفیزیائیة والکیمیائیة. (فتدبّر ذلک)(1)
لا يوجد تعليق