الجواب الاجمالي:
إنّ ثمّة حقیقة واحدة ثابتة على طول العمر، هی غیر الأجزاء المادیة، هذه الحقیقة لا تتغیّر کالأجزاء المادیة، وهی أساس وجودنا وتتحکّم فی حیاتنا وهی سبب وحدة شخصیّتنا
الجواب التفصيلي:
الدلیل الآخر على استقلال الروح وتمایزها هو مسألة وحدة الشخصیة فی طول عمر الإنسان.
إذا أردنا نشک فی کلّ شیء، فإنّنا لا نستطیع أن نشک فی موضوع وجودنا (أی مقولة: أنا موجود) ولیس ثمّة شک فی وجودی وفی علمی بوجودی أو ما یصطلح علیه بـ «العلم الحضوری» ولیس «العلم الحصولی» أی إنّنی موجود عند نفسی وغیر مُنفصل عنها.
على أی حال إنَّ معرفتنا بأنفسنا من أوضح معلوماتنا، ولا تحتاج إلى استدلال وإثبات.
أمّا بالنسبة للاستدلال المشهور الذی استدَّل به الفیلسوف الفرنسی دیکارت حول وجوده، والذی یقول فیه (بما أنّنی أفکّر فإذن أنا موجود) فهو استدلال زائف وغیر صحیح، لأنّهُ قبل أن یثبت وجوده اعترف مرَّتین بوجوده (المرَّة الاُولى عِندما یقول: إنّنی، والثّانیة عندما یقول: أنا) هذا مِن جانب.
ومِن جانب ثان فإنّ (إنّنی) هذه منذ بدایة العمر حتى نهایته واحدة فـ (إنّنی الیوم) هی نفسها (إنّنی بالأمس) وهی نفسها (إنّنی مُنذ عشرین عاماً) فـ (أنا) مُنذ الطفولة وحتى الآن تعبیر عن شخص واحد لا أکثر، إنّنی نفس ذلک الشخص الذی کُنت وسأبقى إلى آخر عمری نفس ذلک الشخص، ولیس شخصاً آخر، طبعاً خلال هذه الفترة یکون الإنسان قد درس وتعلّم ووصل إلى مراحل عالیة فی العلم، ولکن فی جمیع الأحوال یبقى هو هو، ولا یصبح إنساناً آخر، وهکذا فی تعامل الآخرین معه حیث یعتبره الآخرون شخصیة واحدة منذ أوّل حیاته وإلى آخر لحظة فیها باسم واحد وجنسیّة معیّنة.
والآن لِنرى ما هو هذا الکائن المتوغّل فی أعماقنا؟ فهل هو ذرّات وخلایا جسدنا ومجموعة الخلایا الدماغیة وتأثیراتها؟ إنَّ کلّ هذه الاُمور قد تغیَّرت على مدى عمرنا عِدَّة مرّات، تقریباً فی کلّ سبع سنوات مرَّة واحدة، حیثُ نعرف أنَّهُ فی کلّ یوم تموت ملایین الخلایا فی جسدنا لتحل محلها ملایین اُخرى جدیدة، ومثلها فی ذلک مثل البناء الذی یتمّ إخراج الطابوق القدیم مِنهُ ووضع طابوق جدید فی مکانه فلو استمر التعمیر فی هذا البناء فإنّ البُنیة الأساسیة لن تتغیر، ولکن یبقى البیت هو نفس ذاک البیت برغم أنَّ الناس السطحیین لا یلتفتون لذلک.
لذا فإنَّ إنساناً فی السبعین مِن عمره لا یبعد أن یکون جسمه قد تغیّر عشر مرّات، وإذا کانَ الأمر کما یقول المادیون، مِن أنَّ الإنسان هو نفس جسمه وأجهزته الدماغیة والعصبیة وخواصه الفیزیائیة والکیمیائیة، ففی هذه الحالة یجب أن یکون الـ (أنا) قد تغیّر عشر مرات خلال هذه السنوات السبعین! ولهذا یکون هذا الإنسان لیس الإنسان السابق، إلاَّ أنَّ هذا الکلام لا یقبلهُ أىّ وجدان.
ومِن هُنا یتّضح أنّ ثمّة حقیقة واحدة ثابتة على طول العمر، هی غیر الأجزاء المادیة، هذه الحقیقة لا تتغیّر کالأجزاء المادیة، وهی أساس وجودنا وتتحکّم فی حیاتنا وهی سبب وحدة شخصیّتنا(1)
لا يوجد تعليق