الجواب الاجمالي:
تجاهلت الفلسفة المادية الحديثة كل الخصائص والآثار الروحية التي لا تخضع لقانون المادّة ، وأعلنت أن الروح ومظاهرها من الشعور والعلم لا وجود لها كوحدة متميزة عن جسم الانسان المادي ، وإنّما هي في ذاتها وظيفة له ونتيجة لعلاقته بالعالم الخارجي وتمسّك الماديون في الدلالة على مذهبهم القائم على إنكار الروح ، بجملة افتراضات غارقة في الغموض وتفسيرات واهية لا تملك أدنى رصيدٍ من الإثبات
الجواب التفصيلي:
السؤال: ما هو الرد الذی یمکن أن نرد به على القائلین بمادیّة الروح؟
الجواب: الخطأ الکبیر الذی وقع فیه المادیون فی أدلتهم واستنتاجاتهم، أنّهم خلطوا بین (وسائل العمل) و(القائم بالعمل).
ولأجل معرفة هذا الخلط نذکر هنا مثالا للتوضیح نرجو أن یدقق فیه القاریء الکریم جیّداً:
مُنذ زمان غالیلو وحتى یومنا الحاضر، حصل تحوُّل کبیر فی دراسة حرکة الأفلاک والأجرام السماویة، فغالیلو الإیطالی استطاع وبمعونة أحد صانعی العوینات الزجاجیة مِن صناعة مرصد صغیر، فطار غالیلو بهِ فرحاً، بحیث إنَّهُ شرَعَ عند المساء بدراسة نجوم السماء بواسطة مرصده الذی أظهر لهُ أوضاعاً عجیبة إذ أنَّهُ شاهد عالم لم یستطیع أی إنسان مشاهدته حتى ذلک الیوم، لقد فهم غالیلو أنَّهُ توصَّل إلى اکتشاف مهم، ومُنذ ذلک الیوم أصبحت دراسة أسرار العالم العُلْوی فی متناول الإنسان.
لقد کان الإنسان حتى ذلک الیوم مثل الفراشة التی لم تکن ترى مِن حولها سوى بعض أغصان الشجر، أمّا عندما صنع الإنسان التلسکوب فإنَّهُ استطاع أن یشاهد مِن حوله مقداراً مِن أشجار الغابة الکبیرة.
لقد تطّور العمل فی التلسکوب حتى وصل إلى وضعه الراهن حیث بنیت مختبرات کبیرة ومراصد جبّارة یبلغ قطر عدساتها عدّة امتار لقد نصبت هذه المراصد فی أعالی الجبال المرتفعة حیثُ یتمیز الأفق بصفاء خاص ممّا یسهل على الفلکیین دراسة النجوم، وبواسطة هذه المراصد الجبّارة استطاع الإنسان أن یُشاهد عوالم اُخرى کان عاجزاً عن مشاهدتها بالعین المجرّدة قبل ذلک.
والآن لِنتصوّر أنّ الإنسان یکون بمقدوره مستقبلا أن یتوصّل إلى صناعة مرصد بقطر 100 متر بحیث یکون حجم الأجهزة المستخدمة فیه بحجم مدینة بکاملها، فما هی یا ترى العوالم التی سوف تنکشف لهُ بواسطة ذلک؟
والآن نطرح هذا الالسؤال: لو أخذت مِنّا هذه المجاهر والعدسات، أفلا یتعطَّل قسم مِن معلوماتنا ومعارفنا حول السماوات... وهل الناظر الأصلی نحنُ أم التلسکوب والمجهر؟
هل المجهر والتلسکوب وسیلة نستطیع بواسطتها الرؤیا والمشاهدة، أم أنّها هی التی تقوم بالعمل والنظر الحقیقی؟
وفیما یخصُّ الدماغ لا یستطیع أی شخص أن یُنکر أنَّهُ بدون الخلایا الدماغیة لا یمکن أن تتمّ عملیة التفکیر، ولکن هل الدماغ هو وسیلة عمل للروح، أم أنَّهُ هو الروح؟
وخلاصة القول: إنّ جمیع الأدلة التی ذکرها المادیون تُثبت وجود الإرتباط بین خلایا العقل والدّماغ وبین إدراکاتنا، إلاَّ أنَّ أیّاً مِنها لا یُثبت أنَّ الدماغ یقوم بالإدراک، بل أنَّهُ مجرّد وسیلة لذلک.
وهنا یتّضح لماذا لا یفهم الموتى شیئاً، إذ إنّهم وبسبب عدم وجود الإرتباط بین الروح والبدن یعجزون عن ذلک، وبالتالی فإنَّ الموت لا یعنی فناء الروح وانعدامها، ومثل المیت مَثَلُ السفینة أو الطائرة التی عُطّل فیها جهاز اتصالها (اللاسلکی) فالسفینة والطائرة بمن فیهما موجودون إلاَّ أنَّ اتصالهم مع الساحل أو المطار مقطوع بسبب فقدانهم لوسیلة الإرتباط والإتصال(1)
لا يوجد تعليق