الجواب الاجمالي:
الاحتجاج من قبل أبي ذر على سياسات عثمان التعسفية
کان قائما، والصیحات مستمرة ، وقول الحق متواصلا ، وکشف المساوئ لم یتوقف.
ولما لم یجد الترغیب والترهیب معه، غیرت الحکومة أسلوبها منه، وما هو إلا
الإبعاد، لکنه هذه المرة إلى الربذة، وهی صحراء قاحلة حارقة، وأصدر عثمان تعالیمه بمنع مشایعته
الجواب التفصيلي:
صرخات أبی ذر بوجه الظلم اشتهرت فی التاریخ؛ فهو لم یصبر على إسراف الخلیفة الثالث وتبذیره وعطایاه الشاذة، وانتفض ثائرا صارخا ضدها ، ولم یتحمل التحریف الذی افتعلوه لدعم تلک المکرمات المصطنعة، وقدح فی الخلیفة وتوجیه کعب الأحبار لأعماله وممارساته. فقام الخلیفة بنفی صوت العدالة هذا إلى الشام _ التی کانت حدیثة العهد بالإسلام، غیر ملمة بثقافته.
أقضت صیحات أبی ذر مضجع معاویة، فکتب إلى عثمان یخبره باضطراب الشام علیه إذا بقی فیها أبو ذر ، فأمر برده إلى المدینة، وأرجعوه إلیها على أسوأ حال.
وقدم أبو ذر المدینة، لکن لا سیاسة عثمان تغیرت، ولا موقف أبی ذر منه، فالاحتجاج کان قائما، والصیحات مستمرة ، وقول الحق متواصلا ، وکشف المساوئ لم یتوقف. ولما لم یجد الترغیب والترهیب معه، غیرت الحکومة أسلوبها منه ، وما هو إلا الإبعاد، لکنه هذه المرة إلى الربذة، وهی صحراء قاحلة حارقة، وأصدر عثمان تعالیمه بمنع مشایعته.
ولم یتحمل أمیر المؤمنین (علیه السلام) هذه التعالیم الجائرة، فخرج مع أبنائه وعدد من الصحابة لتودیعه. وله کلام عظیم خاطبه به وبیّن فیه ظلامته. وتکلم من کان معه أیضا لیعلم الناس أن الذی أبعد هذا الصحابی الجلیل إلى الربذة هو قول الحق ومقارعة الظلم لا غیرها.
وکان إبعاد أبی ذر أحد ممهدات الثورة على عثمان. وذهب هذا الرجل العظیم إلى الربذة رضی الضمیر؛ لأنه لم یتنصل عن مسؤولیته فی قول الحق، لکن قلبه کان ملیئا بالألم؛ إذ ترک وحده، وفصل عن مرقد حبیبه رسول الله (صلى الله علیه وآله).
یقول عبد الله بن حواش الکعبی : رأیت أبا ذر فی الربذة وهو جالس وحده فی ظل سقیفة، فقلت : یا أبا ذر! وحدک! فقال: کان الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر شعاری، وقول الحق سیرتی، وهذا ما ترک لی رفیقا.
توفی أبو ذر سنة 32 ه. وتحقق ما کان یراه النبی (صلى الله علیه وآله) فی مرآة الزمان، وما کان یقوله فیه، وکان قد قال (صلى الله علیه وآله): "یرحم الله أبا ذر، یعیش وحده، ویموت وحده، ویحشر یوم القیامة وحده"(1).
ووصل جماعة من المؤمنین فیهم مالک الأشتر بعد وفاة ذلک الصحابی الکبیر القائل الحق فی زمانه ، ووسدوا جسده النحیف الثرى باحترام وتبجیل(2).
لا يوجد تعليق