الجواب الاجمالي:
الجواب التفصيلي:
أجمع رسول الله(صلى الله علیه وآله) الخروج إلى الحجّ فی سنة عشْر من مُهاجره، وأذّن فی الناس بذلک، فقدم المدینة خلق کثیر یأتمّون به فی حِجّته تلک الّتى یُقال(1) علیها: حجّة الوداع، وحجّة الإسلام، وحجّة البلاغ، وحجّة الکمال، وحجّة التمام(2). ولم یحجّ غیرها منذُ هاجر إلى أن توفّاه الله ؛ فخرج(صلى الله علیه وآله) من المدینة مغتسلا متدهِّناً مترجِّلا متجرِّداً فی ثوبینِ صُحاریّین(3): إزار، ورداء، وذلک یوم السبت لخمسِ لیال أو ستٍّ بقینَ من ذی القِعْدة. وأخرج معه نساءه کلّهنّ فی الهوادج، وسار معه أهل بیته، وعامّه المهاجرین والأنصار، ومن شاء الله من قبائل العرب وأفناء(4) الناس(5).
وعند خروجه(صلى الله علیه وآله) أصاب الناس بالمدینة جُدَریٌّ ـ بضم الجیم وفتح الدال وبفتحهما ـ أو حصبة منعت کثیراً من الناس من الحجّ معه(صلى الله علیه وآله)، ومع ذلک کان معه جموعٌ لا یعلمها إلاّ الله تعالى ؛ وقد یقال: خرج معه تسعون ألفاً، ویقال: أکثر من ذلک. وهذه عدّةُ من خرج معه. وأمّا الّذین حجّوا معه فأکثر من ذلک ؛ کالمقیمین بمکّة، والّذین أتوا من الیمن مع علیٍّ أمیرالمؤمنین وأبی موسى(6).
فلمّا قضى مناسکه، وانصرف راجعاً إلى المدینة ومعه من کان من الجموع المذکورات، وصل إلى غدیر خمّ من الجُحفة الّتی تتشعّب فیها طرق المدنیِّین والمصریِّین والعراقیِّین، وذلک یوم الخمیس(7) الثامن عشر من ذی الحجّة نزل إلیه جبرئیل الأمین عن الله بقوله: (یَـأَیُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَیْکَ مِن رَّبِّکَ... )(8)، وأمَرَه أن یقیم علیّاً عَلَماً للناس، ویبلِّغهم ما نزل فیه من الولایة وفرض الطاعة على کلّ أحد.
وکان أوائل القوم قریباً من الجُحْفة، فأمر رسول الله أن یردّ من تقدّم منهم، ویحبس من تأخّر عنهم فى ذلک المکان، ونهى عن سَمُرات(9) خمْس متقاربات دَوحات عظام أن لا یَنزل تحتهنَّ أحد، حتّى إذا أخذ القوم منازلهم، فقُمَّ ما تحتهنَّ، حتّى إذا نودی بالصلاة ـ صلاة الظهر ـ عمد إلیهنّ، فصلّى بالناس تحتهنّ، وکان یوماً هاجراً یضع الرجل بعض ردائه على رأسه، وبعضه تحت قدمیه، من شدّة الرمضاء، وظُلّل لرسول الله بثوب على شجرةِ سَمُرة من الشمس.
فلمّا انصرف(صلى الله علیه وآله) من صلاته، قام خطیباً وسط القوم(10) على أقتاب الإبل(11)، وأسمع الجمیع، رافعاً عقیرته، فقال :
«الحمد للهِ ونستعینه ونؤمن به، ونتوکّل علیه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سیّئات أعمالنا، الّذی لا هادی لمن أضلّ(12) ولا مُضلّ لمن هدى، وأشهد أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّداً عبُده ورسولُه.
أمّا بعدُ: أیّها الناس قد نبّأنى اللطیف الخبیر: أ نّه لم یُعمَّر نبیٌّ إلاّ مثلَ نصفِ عمر الّذی قبله. وإنّی اُوشِک أن اُدعى فاُجیب، وإنّی مسؤول، وأنتم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون؟».
قالوا: نشهدُ أ نّک قد بلّغتَ ونصحتَ وجهدتَ، فجزاکَ الله خیراً.
قال: «ألستم تشهدون أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّداً عبده ورسوله، وأنّ جنّته حقّ وناره حقّ، وأنَّ الموت حقّ، وأنَّ الساعة آتیة لاریب فیها، وأنّ الله یبعثُ من فی القبور؟».
قالوا: بلى نشهدُ بذلک.
قال: «أللّهمّ اشهد».
ثمّ قال: «أیّها الناس ألا تستمعون؟»(13).
قالوا: بلى.
قال: «فإنّی فَرَط(14) على الحوض وأنتم واردون علیّ الحوض، وإنّ عُرضه ما بین صنعاءَ وبُصرى(15)، فیه أقداح عدد النجوم من فِضّة، فانظروا کیف تخلِفونی فی الثقلین(16).
فنادى مناد: وما الثَقَلان یا رسول الله؟
قال: «الثقَل الأکبر کتاب الله طرفٌ بید الله عزّ وجلّ وطرفٌ بأیدیکم فتمسّکوا به لاتضلّوا، والآخر الأصغر عترتی. وإنَّ اللطیف الخبیر نبّأنی أ نّهما لن یتفرّقا حتّى یردا علیّ الحوض ؛ فسألت ذلک لهما ربّی ؛ فلا تَقدموهما فتهلکوا، ولا تقصروا عنهما فتهلکوا».
ثمّ أخذ بید علیّ فرفعها حتّى رُؤی بیاض آباطهما وعرفه القومُ أجمعون ؛ فقال :
«أ یّها الناس من أولى الناس بالمؤمنین من أنفسهم؟».
قالوا: الله ورسوله أعلم.
قال: «إنَّ الله مولای، وأنا مولى المؤمنین، وأنا أولى بهم من أنفسهم ؛ فمن کنت مولاه فعلیّ مولاه». یقولها ثلاثَ مرّات، وفی لفظ أحمد إمام الحنابلة: أربع مرّات.
ثمّ قال: «أللّهمّ والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وأحِبَّ من أحبّه، وأبْغِضْ من أبغضه وانصُرْ من نصره، واخذُلْ من خذله، وأَدِر الحقَّ معه حیث دار. ألا فلیبلّغ الشاهدُ الغائبَ».
ثمّ لم یتفرّقوا حتّى نزل أمین وحی الله بقوله:(ا لْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَیْکُمْ نِعْمَتِى... ) ؛ فقال رسول الله(صلى الله علیه وآله): «الله أکبر على إکمال الدین، وإتمام النعمة، ورضا الربّ برسالتی، والولایة لعلیٍّ من بعدی».
ثمّ طَفِق القوم یهنِّئون أمیر المؤمنین(علیه السلام) وممّن هنّأه فی مُقدّم الصحابة الشیخان: أبوبکر وعمر ؛ کلٌّ یقول: بخٍّ بخٍّ لک یا ابن أبی طالب أصبحتَ وأمسیتَ مولایَ ومولى کلّ مؤمن ومؤمنة. وقال ابن عبّاس: وجبت ـ والله ـ فی أعناق القوم.
هذا مجمل القول فی واقعة الغدیر. وقد أصفقت الاُمّة على هذا. ولیست فی العالم کلّه واقعة إسلامیّة غدیریّة غیرها. ولو اُطلق یومه فلا ینصرف إلاّ إلیه. وإن قیل محلّه فهو هذا المحلّ المعروف على أَمَم(17) من الجُحْفة(18)
لا يوجد تعليق