الجواب الاجمالي:
الجواب التفصيلي:
فی النهج عن علی- علیه السَّلام- فی کتابه الذی کتبه إلى معاویة : «إنّه بایعنی القوم الذین بایعوا أبا بکر وعمر وعثمان على ما بایعوهم علیه، فلم یکن للشاهد أن یختار ولا للغائب أن یرد، وإنّما الشورى للمهاجرین و الأنصار، فإن اجتمعوا على رجل و سمّوه إماماً کان ذلک للَّه رضىً فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردّوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على اتّباعه غیر سبیل المؤمنین وولّاه الله ما تولّى»(1)
وهنا یستدل الإمام على صحة خلافته وانعقاد بیعته بصحة بیعة من سبقه، وهذا یعنی بوضوح أنّ علیاً کان یعتقد بشرعیة خلافة أبی بکر وعمر وعثمان(2)
المناقشة:
فی آخر الخطبة ما یبیّن مقصود الإمام الذی لا صلة له بما یرتئیه المستدلّ. وهو قوله: ولعمری- یا معاویة- لئن نظرت بعقلک دون هواک لتجدنی أبرأ الناس من دم عثمان، و لتعلمنّ أنّی کنت فی عزلة عنه، إلّا أن تتجنّى فَتَجَنَّ ما بدا لک. و السلام(3)
و لیس هذا اوّل استدلال بهذا الکلام على أنّ بیعة المهاجرین و الأنصار طریق إلى الإمامة و الخلافة، بل استدلّ شیوخ المعتزلة به على مقاصدهم، و لکنّهم- سامحهم الله- غفلوا عن الظروف الّتی أدلى بها الإمام- علیه السَّلام- کلامه هذا.
کما غفلوا عن مخاطَبه، و تصوّروا أنّ الإمام یُدلی بقاعدة کلامیة عامّة حول الإمامة، مفادها انّ الشورى حق للمهاجرین و الأنصار، فإذا اجتمعوا على رجل وسمّوه إماماً کان ذلک إماماً و للَّه فیه رضا.
وهذا التفسیر لکلام الإمام- علیه السَّلام- مرفوض جدأً، إذ لیس الإمام بصدد تبیین قاعدة کلامیة، بل هو بصدد الاحتجاج على خصم عنود لدود بایع الخلفاء السابقین الذین استمدوا شرعیة خلافتهم من بیعة المهاجرین و الأنصار و لکنّه لم یبایع علیّاً وخالفه ونازعه.
فالإمام یحتجّ على هذا الشخص «بأنّ بیعتی بالمدینة لزمتک وانت بالشام، لأنّه بایعنی القوم الذین بایعوا أبا بکر وعمر وعثمان على ما بایعوهم علیه، فلم یکن للشاهد أن یختار ولا للغائب أن یرد».
فهذا النوع من الاحتجاج هو الجدل الذی دعانا إلیه الذکر الحکیم وقال: «ادْعُ إِلَى سَبِیلِ رَبِّکَ بِالْحِکْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَ جَادِلْهُمْ بِالتی هِیَ أَحْسَنُ»(4)
فالاستدلال بالبرهان هو الدعوة بالحکمة، کما أنّ الدعوة بالنصائح هی الدعوة بالموعظة الحسنة، و الاستدلال على الخصم بعقائده و أفکاره و أعماله هو الجدال بالتی هی أحسن.
فالإمام ورد من الطریق الثالث فاحتج على الخصم بما هو موضع قبوله، فلذلک بدأ رسائله بقوله: «فإنّ بیعتی بالمدینة لزمتک وانت بالشام لأنّه بایعنی القوم»(5)
وختمها بقوله: «ولعمری یا معاویة لئن نظرت بعقلک دون هواک لتجدنّی أبرأ الناس من دم عثمان، و لتعلمنَّ أنّی کنت فی عزلة عنه، إلّا أن تتجنّى فتجنَّ ما بدا لک و السلام»(6)
و الرسالة طویلة لخّصها الرضی، لأنّه یقتصر على الموضع البلیغ من کلامه و من قرأ کتاب الإمام إلى خصمه بتمامه لوقف على أنّ الإمام اتّخذ موقف المجادل الذی یحتجّ على خصمه بمقبولاته و أفکاره، و لا یعدّ مثل ذلک دلیلًا على أنّه من مسلّماته و مقبولاته.
وها نحن نذکر ما ترکه الرضی من الرسالة لیکون دلیلًا على صدق ما بیّناه قال الإمام فی ذیل کلامه السابق: « و إنَّ طلحة و الزبیر بایعانی ثم نقضا بیعتی، وکان نقضهما کردِّهما، فجاهدتهما على ذلک حتّى نجا الحق و ظهر أمرالله و هم کارهون. فادخُلْ فیما دخل فیه المسلمون؛ فإنَّ أحبَّ الأُمور إلیَّ فیک العافیة، إلا أن تتعرض للبلاء. فإن تعرضت له قاتلتک و استعنت الله علیک. وقد أکثرتَ فی قتلة عثمان فادخلْ فیما دخل فیه المسلمون، ثم حاکم القوم إلیّ أحملک و إیّاهم على کتاب الله. فأمّا تلک التی تریدها فخُدعة الصبیِّ عن اللبن. و لعمری لئن نظرتَ بعقلکَ دون هَواک لتجدنِّی أبرأَ قریشٍ من دم عثمان. واعلم أنّک من الطلقاء(7) الذین لا تحلُّ لهم الخلافة، و لا تعرض فیهم الشُّورى. و قد أرسلتُ إلیک و إلى من قِبلک جریر بن عبد الله، و هو من أهل الإیمان و الهجرة. فبایعْ و لا قوة إلّا بالله»(8)
لا يوجد تعليق