ممّا یناسب المقام الجواب على سؤال المطروح أن اُشیر هنا إلى حوار وقع بینی وبین أحد خطباء الوهابیة فی الحج فی سنة 1427 ق.
بعد اتمام مناسک الحج أعماله صعد أحد الخطباء المنبر بعد صلاة الظهر فی مسجد سید الشداء حمزة بن عبدالمطلب فی مکّة «منطقة عزیزیة شارع السرور»، وأخذ یتحدّث عن الثواب والأجر العظیم الذی یمنحه الله تعالى للحاج ودوره الفعال فی غفران الذنوب ونقل فی هذا المضمار روایات لطیفة وجذابة، ثم قال: ولکن هذا الثواب والأجر یتعلق بالأشخاص الذین لا یشرکون بالله، لأنّ الله تعالى یقول: (لَئِنْ أَشْرَکْتَ لَیَحْبَطَنَّ عَمَلُکَ وَلَتَکُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِینَ)(1).
وکذلک قال تعالى: (مَنْ یُشْرِکْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَیْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِینَ مِنْ أَنصَار)(2).
ثم أضاف: «مَن قال یارسول الله ویا علی ویا ولی الله فهو مشرک!!»، وأطال الکلام فی هذا المجال ولم أتمکن من الحدیث معه.
وفی الیوم الثانی بعد صلاة الظهر قام خطیباً وتکلّم مثل کلامه السابق وعند خروجه من المسجد ذهبت إلیه وبعد السلام والاحترام الفائق قلت له: «ذکرتم بالأمس فی حدیثکم أنّ من قال یارسول الله أو یاعلی أو یاولی الله فهو مشرک! هل واقعاً تعتقد بأنّ کلّ من قال ذلک فهو مشرک؟ قال: نعم.
قلت له: ألا یجوز أن نطلب من رسول الله(صلى الله علیه وآله) أن یستغفر لنا عند الله تبارک وتعالى؟
قال: لا دلیل عندنا على جواز هذا العمل.
قلت له: هناک دلیل قرآنی حیث یقول تعالى: (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوکَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِیماً)(3).
قال: ذلک فی حیاة رسول الله(صلى الله علیه وآله) لا بعد رحیله من الدنیا.
قلت له: هل یسمعون الآن؟
قال: کلا، لأنّ القرآن الکریم یقول: (إِنَّکَ مَیِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَیِّتُونَ)(4).
قلت له: إنّ هذه الآیة تشیر إلى أنّ الحیاة المادیة سلبت من رسول الله(صلى الله علیه وآله)، ولم ینف مطلق الحیاة، ثم أضفت: أولاً: أنّ القرآن الکریم لا یعتبر الموت مطلق الفناء، بل عبّر عن الموت بالتوفّی(5)، یعنی أنّ الملائکة تقوم بسلب الحیاة من هذا الجسم المادی البشری، وهذا لا یعنی أنّ الأموات لا یعلمون عن حیاتنا شیئاً(6).
وثانیاً: هل أنّ مقام الشهداء أعظم عند الله أو مقام رسول الله(صلى الله علیه وآله)؟
قال: مقام رسول الله(صلى الله علیه وآله).
قلت له: إنّ الله تعالى یقول فی مدح مقام شهداء اُحد: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِینَ قُتِلُوا فِى سَبِیلِ اللهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْیَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ یُرْزَقُونَ)(7)، فعرّفهم الله تعالى على أنّهم أحیاء عند ربّهم یرزقون ورسول الله(صلى الله علیه وآله) مقامه أعلى وأسمى من مقام الشهداء فهو حی یرزق أیضاً.
ومن هذا المنطلق نقول إنّ طائفة من المسلمین یعتقدون أنّ رسول الله(صلى الله علیه وآله)حی ویسمع أصواتهم ولهذا یتوسّلون برسول الله(صلى الله علیه وآله) أن یدعو لهم ویستغفر لهم، والحال أنّکم تعتقدون أنّ رسول الله(صلى الله علیه وآله) میت لا یسمع نداءکم ولا یستغفر ولا یرتبط بعالم الدنیا أبداً، فهل أن شخصاً إذا اعتقد بأنّ رسول الله(صلى الله علیه وآله) حی یسمع الکلام ویرد السلام فهو مشرک وهل یجوز لکم أن ترموه بالشرک والکفر والزندقة؟!
وثالثاً: واللوحة (البوستر) المعلقة على الحائط فی هذا المسجد الشریف وفیها روایات فی فضائل النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) تدلّ على أنّ رسول الله(صلى الله علیه وآله)یسمع سلامنا وأصواتنا ویرى مکاننا ویعرف زوّاه.
قال: أی روایة؟
قلت: له: روى أبو هریرة عن رسول الله(صلى الله علیه وآله) أنّه قال: «صلّوا علیَّ فإنّ صلاتکم تبلغنی حیث کنتم»(8).
وکتب فی ذیل هذه الروایة: «رواه أحمد وأبو داود وصحّحه الإمام النووی»(9).
وقد ورد فی روایة أخرى أکثر صراحة من سابقتها أیضاً عن أبی هریرة عن رسول الله(صلى الله علیه وآله) أنّه قال: «ما من أحد یسلّم علیَّ إلاّ ردّ الله عزّ وجلّ إلیَّ روحی حتّى أردّ علیه السلام»(10)، وذکر فی ذیل هذه الروایة: «رواه أحمد وأبو داود باسناد صحیح»(11).
وتابعت کلامی وقلت له: إنّ هذه الأحادیث واردة فی کتبکم وقد کتبت فی هذه اللوحة بواسطة هیئة الإعلام والإرشاد مع التصریح بصحة سندها، وتوزع فی کل مکان ونصب على حائط المسجد، وتبیّن هذه الروایات بوضوح أنّ صلواتنا وسلامنا تصل إلى رسول الله(صلى الله علیه وآله) والرسول یردّ علینا سلامنا.
فوقف الخطیب الوهابی عاجز عن الجواب والردّ على هذه الأسئلة والأدلة التی قدمتها إلیه، فأخذ بدلاً من الاعتذار بالإساءة والقول المشین والشتم والتوهین وقال أنتم کذا وکذا وابتعد عنّی!!
أجل، هذا منطق من لا منطق له وهذه خلق من لا خلق له، عندما یعجز عن الجواب یُسمع الطرف المقابل الکلمات الذیئة والنابیة واللامسؤولة، مضافاً إلى تلک المسائل المذکورة والأجوبة یمکن إضاف نقطة أخرى وهی.
ورابعاً: إنّ جمیع المسلمین یسلّمون على رسول الله(صلى الله علیه وآله) فی صلاتهم وتشهدهم ویقول: «السلام علیک أیّها النّبی ورحمة الله وبرکاته»(12).
وورد فی روایة أخرى عن رسول الله(صلى الله علیه وآله) أنّه قال: «إنّ لله ملائکة سیّاحین یبلّغونی عن اُمّتی السلام»(13).
وخامساً: یقول القرآن الکریم مخاطباً للنبی الأکرم(صلى الله علیه وآله): (فَکَیْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ کُلِّ أُمَّة بِشَهِید وَجِئْنَا بِکَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِیداً)(14).
یدلّ مفهوم الآیة على أنّ الله تبارک وتعالى یأتی من کلّ اُمّة بشاهد على إقامة الحجّة على تلک الاُمّة، وهم الأنبیاء الذین یکونوا شهوداً على إمّتهم، ثم یخاطب النبی ویقول: (وَجِئْنَا بِکَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِیداً)، ومَن هم المراد من کلمة «هؤلاء» فی الآیة الشریفة، هناک رأیین أساسیین، کفّار قریش او جمیع الاُمّة(15)، ومن المعلوم أنّ شهادة النبی على اُمّته فرع معرفته بحالها، ونقل عمر بن الخطّاب عن رسول الله(صلى الله علیه وآله)أنّه قال: «مَن زار قبری کنت له شفیعاً أو شهیداً»(16).
وکذلک ورد عن أنس بن مالک عن رسول الله(صلى الله علیه وآله) أنّه قال: «مَن زارنی فی المدینة محتسباً کنت له شهیداً وشفیعاً یوم القیامة»(17).
وورد فی روایة أخرى عن أبی هریرة عن رسول الله(صلى الله علیه وآله) أنّه قال: «مَن صلّى علیَّ عند قبری سمعته، ومَن صلّى علیّ نائیاً کفى أمر دنیاه وآخرته وکنت له شهیداً وشفیعاً یوم القیامة»(18).
وعلى أیّة حال فإنّ شهادة النبی وإطلاعه بظروف الاُمّة والزائرین له عند قبره، دلیل واضح على حیاة النبی(صلى الله علیه وآله) وعلمه ومعرفته.
ونؤکد مرّة أخرى، عندما نتحدّث عن حیاة النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) لیس المراد الحیاة المادیة التی یحتاج معها إلى الماء والغذاء والهواء والشمس والقمر وأمثال ذلک، ولا الحیاة التی تتضمّن العوارض المادیة والدنیویة من الرشد والنمو والقدم والهلاک والتعب والنصب، لأنّ هذا النوع من الحیاة تنتهی مع الموت، بل المراد هی الحیاة البرزخیة التی لا تخضع لهذه الظروف الدنیویة، بل هو نوع من العلم والمعرفة والشعور وإن کنّا لا نعلم بحقیقتها وخفت علینا کیفیتها.
إذا کان رسول الله(صلى الله علیه وآله) یعلم حالنا ویسمع صوتنا ویردّ سلامنا، إذن هو ناظر إلى أعمالنا وأفعالنا وما تفعله الاُمّة من الحسنات والسیئات، وفی النتیجة یمکننا بعد السلام علیه أن نتوسّل به ونطلب منه حاجاتنا کما لو کان یعیش بیننا فی حیاته المادیة، ولهذا الکلام دلائله وبراهینه الواردة فی کتب الفرق والمذاهب الإسلامیة، فکیف یتجرأ الفرقة الوهابیة الدخلیة فی الإسلام أن ینکر ذلک وبکل وقاحة وجرأة.