یمکن الاستفادة بوضوح من الروایات الکثیرة والحوادث العدیدة الواردة فی التاریخ الإسلامی أنّ المسلمین کانوا یتوسّلون بالنبی الأکرم(صلى الله علیه وآله)والأولیاء الإلهیین، ویجعلونهم واسطة بینهم وبین الله تعالى، ویتوسّلون بمقامهم الشامخ والطاهر عند الله تعالى فی طلب الحاجات وحلّ المشکلات ورفع الملمات، فتختص بعض هذه التوسّلات فی حیاة أولیاء الله وبعضها بعد مماتهم، وهنا یطرح هذا السؤال نفسه هل أنّ أولیاء الله یرون مقامنا ویعرفون حالنا فیما بعد موتهم ویقدر على الشفاعة والدعاء لنا کما کانوا فی حیاتهم الشریفة؟ هذا ما یقوم الوهابیون بشدّة لنفیه ومخالفته، ویقولون: إنّ هؤلاء الأولیاء لا یعلمون عن حالنا شیئاً بعد موتهم، ویستدلون بذلک على قوله تعالى: (إِنَّکَ مَیِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَیِّتُونَ)(1)، ولهذا أنّ النبی میت کسائر الناس والشخص المیت لا خبر له عن الأحیاء وعن حالهم وتوسّلاتهم ودعائهم، وفی النتیجة لا یجوز التوسّل بهم.
وطبعاً کما قلنا سابقاً أنّ الوهابیین یعتبرون التوسّل بالنبی الأکرم(صلى الله علیه وآله)والأولیاء الإلهیین بعد الموت نوع من شرک، ولکن لا یُعلم کیف یجوز التوسّل بالشخص فی حیاته ولا یجوز التوسّل به بعد موته بل ویتحوّل هذا التوسّل فجأة إلى الکفر والشرک؟! ولو توسّل أحد بهذه الذوات المقدّسة بشکل مستقل فی التأثیر فهو شرک سواءً کان فی حیاته أم بعد موت، وإذا توسّل به لا على الاستقلال فی التأثیر بل جعله واسطة وبإذن الله تعالى فی رفع الحاجات أو یطلب المتوسّل بما یطلب من الله تعالى فی رفع حاجاتنا والشفاعة لدیه فهذا لیس من الشرک بشیء بل عین العبودیة والتوحید، وإذا فرضنا بأنّهم لا یسمعون کلامنا ولا یقدر على حلّ مشکلات الناس بعد موتهم فهذا الشخص لم یشرک بالله تعالى بل قام بأمر عبثی، والحال سوف نرى أنّ هؤلاء الأولیاء یسمعون کلامنا ویجیب دعوتنا فی حیاتهم البرزخیة، ولکن هؤلاء الغافلین من الوهابیین قد تجرأوا على ساحة قدس رسول الله(صلى الله علیه وآله)وافتروا علیه افتراء عظیماً.

(1) . سورة الزمر، الآیة 30.