إنّ عقیدة الوهابیین فی مسألة التوسّل إلى درجة من الوضوح بحیث إنّ کلّ من یسافر إلى الحجاز یلمس ذلک عن کثب وخاصّة فی المدینة المنورة حیث یتعاملون مع المتوسّلین بالنبی الأکرم(صلى الله علیه وآله)وأولیاء الله بکلّ شدّة وعنف وإهانة، فإذا تشفع مسلماً لله عزّ وجلّ بالنبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) أو طلب حاجة مادیة أو معنویة متوسّلا به، حتى سارع عمّال المأمورین بالأمر بالمعروف والنهی عن المنکر فی حرم النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) إلى إهانته ویبرحونه بالضرب الشدید وبعصا الشرک.
ویبادر أئمّة الجماعة والجمعة للحرمین الشریفین فی خطباتهم إلى تکرار نفس المفاهیم الخاطئة ویرددون أنّ التوسل بالنبی والأولیاء شرک عظیم، التکرار الذی ملت منه النفوس، ثم یضیفون: (مَنْ یُشْرِکْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَیْهِ الْجَنَّةَ...)(1).
مضافاً إلى أنّهم یبادرون إلى طبع مئات العناوین من الکتب سنویاً وبکمیات هائلة وملیونیة وبمختلف اللغات العالمیة فی الحجاز، ویعطونها للزائرین القادمین من مختلف الدول وکذلک یرسلونها إلى مختلف بقاع العالم مع تکرار نفس المفاهیم والعقائد وکأنّه من أبرز خصوصیات هذا المذهب تحریم التوسّل.
قام محمّد بن عبدالوهاب بتأسیس الفرقة الوهابیة فی الحجاز کما ورد ذلک بوضوح فی کتابه وبصراحة کاملة حیث یقول: «من عبدالله لیلاً ونهاراً ثمّ دعا نبیّاً أو ولیّاً عند قبره، فقد اتخذ إلهین اثنین ولم یشهد أن لا إله إلاّ الله»(2).
وکذلک یشیر إلى أنّ المسلم الحقیقی هو من لم یتوسّل بأولیاء الله، بل یجب علیه أن یتبرأ من هؤلاء الأفراد المتوسّلین ویعتبرهم کفّاراً ویقول: «لا یصحّ دین الإسلام إلاّ بالبراءة ممّن یتقرّب إلى الله بالصلحاء وتکفیرهم»(3).
وعلى هذا الأساس أجاز محمّد بن عبدالوهاب إراقة وسفک دماء هؤلاء المتوسّلین بأولیاء الله عزّ وجلّ ویقول کذباً وافتراء: «إجماع المذاهب کلّهم على أنّ من جعل بینه وبین الله وسائط یدعوهم أنّه کافر مرتدّ حلال المال والدم»(4).
وقد قام هیئة الإفتاء فی السعودیة التی لها لجان خاصة ورسمیة بإصدار فتوى تکفیر المتوسّلین بأهل البیت(علیهم السلام) وأعلنوا ذلک بصراحة تامة فی بیاناتهم.
وقد أفتى بعض المفتین السعودیین بجواز الزواج من الکتابیة من أهل الکتاب وجاء فیه: «یجوز للمسلم أن یتزوج بکتابیة ـ یهودیة أو نصرانیة ـ إذا کانت محصنة وهی الحرّة العفیفة»(5).
ولکنّهم حرموا الزواج من الشیعة ودلیلهم: «لأنّ المعروف عن الشیعة دعاء أهل البیت والاستغاثة بهم وذلک شرک»(6).
والحال أنّ المسیحیین یعتقدون صراحة بالتثلیث وهو الأب والابن وروح القدس.
وقد جاء فی جواب استفتاء ورد إلیهم: «إذا کان الواقع کما ذکرت من دعائهم علیّاً والحسن والحسین ونحوهم فهم مشرکون شرکاً أکبر یخرج من ملّة الإسلام فلا یحلّ أن نزوّجهم المسلمات، ولا یحلّ لنا أن نتزوج من نسائهم ولا یحلّ لنا أن نأکل من ذبائحهم»(7).
وعلیه فإنّ الوهابیین یعتبرون التوسل عین الشرک، وکلّ من توسل بأحد من أولیاء الله فهو مشرک ولایجوز الزواج منهم ولایجوز أکل ذبائحهم.
ولا یخفى أنّ توسّل سائر الفرق الإسلامیة وعلماء الدین بقبور الأولیاء الموجودة فی مدنهم من المقامات المقدسة دلیل واضح على خلاف ما یدعونه، وطبقاً لقول الوهابیین أنّ هؤلاء الناس والفرق جمیعاً کفّار ومشرکین، تحلّ قتلهم وسفک دمائهم وسلب أموالهم، ومن هنا تنطلق الأفکار الإرهابیة والتعسفیة فی قتل الناس وسفک الدماء بلا قید ولا شرط.

(1) . سورة المائدة، الآیة 72.
(2) . مجموعة المؤلفات الشیخ محمّد بن عبدالوهاب، ج 6، ص 146.
(3) . المصدر السابق.
(4) . المصدر السابق، ص 147 و 213 و 227 و 232 و 242، والجدیر بالذکر أنّ ادعاء الإجماع غیر صحیح، لأنّه ورد فی الموسوعة الکویتیة، «ذهب جمهور الفقهاء ـ المالکیة والشافعیة ومتأخری الحنفیة وهو المذهب عن الحنابلة ـ إلى جواز هذا النوع من التوسل سواء فی حیاة النبی أو بعد وفاته» (الموسوعة الفقهیة الکویتیة، ج 14، ص 156)، وورد هذا الکلام فی مصادر أخرى فی هذا المضمار فی هذه الموسوعة.
(5) . فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمیة والافتاء، ج 8، ص 315.
(6) . المصدر السابق، ص 213 و 299.
(7) . المصدر السابق، ج 3، ص 373.