الجواب الاجمالي:
إنّ موضع الخلاف لیس إلّا فی نقطة واحدة، وهی أنّ أهل السنّة یقولون بأنّ کلّ من رأى النبیّ (ص) وعاشره ولو یوماً فهو محکوم
بالعدالة منذ اللقاء إلى یوم أُدرج فی کفنه، ولو صدر منه قتل أو نهب أو زنا أو غیر ذلک، محتجّین بما نسب إلى رسول الله صلى الله علیه وآله: «أصحابی کالنجوم، بأیّهم اقتدیتم اهتدیتم».
لكن الشيعة ترى إن الصحبة بمجردها وإن كانت فضيلة جليلة، لكنها غير عاصمة، فالصحابة كغيرهم من الرجال فيهم العدول، وفيهم البغاة، وفيهم أهل الجرائم من المنافقين، وفيهم مجهول الحال، فنحتج بعدولهم ونتولاهم في الدنيا والآخرة، أما البغاة على الوصي، وأخي النبي، وسائر أهل الجرائم والعظائم كابن هند، وابن الزرقاء وابن عقبة، وابن أرطاة، وأمثالهم فلا كرامة لهم، ولا وزن لحديثهم، ومجهول الحال نتوقف فيه حتى نتبين أمره
لكن الشيعة ترى إن الصحبة بمجردها وإن كانت فضيلة جليلة، لكنها غير عاصمة، فالصحابة كغيرهم من الرجال فيهم العدول، وفيهم البغاة، وفيهم أهل الجرائم من المنافقين، وفيهم مجهول الحال، فنحتج بعدولهم ونتولاهم في الدنيا والآخرة، أما البغاة على الوصي، وأخي النبي، وسائر أهل الجرائم والعظائم كابن هند، وابن الزرقاء وابن عقبة، وابن أرطاة، وأمثالهم فلا كرامة لهم، ولا وزن لحديثهم، ومجهول الحال نتوقف فيه حتى نتبين أمره
الجواب التفصيلي:
اتّفق الشیعی والسنّی على إطراء الذکر الحکیم للصحابة والثناء علیهم(1) فما هو موضع الخلاف بین الطائفتین کی یعدّ ذلک من أعظم الخلاف بینهما؟
إنّ موضع الخلاف لیس إلّا فی نقطة واحدة، وهی أنّ أهل السنّة یقولون بأنّ کلّ من رأى النبیّ صلى الله علیه وآله وعاشره ولو یوماً أو یومین فهو محکوم بالعدالة منذ اللقاء إلى یوم أُدرج فی کفنه، ولو صدر منه قتل أو نهب أو زنا أو غیر ذلک، محتجّین بما نسب إلى رسول الله صلى الله علیه وآله: «أصحابی کالنجوم، بأیّهم اقتدیتم اهتدیتم».
فی ذلک خلل کبیر أعاذ الله المسلمین منه، فالتاریخ بین أیدینا، وصفحاته خیر شاهد على ما نقول، ونحن لا نقول کما قال الحسن البصری: «طهّر الله سیوفنا عن دمائهم، فلنطهّر ألسنتنا»، لأنّا لا نظنّ أنّ الحسن البصری یعتقد بما قال بل إنّه تدرّع بهذه الکلمة وصان بها نفسه عن هجمات الأمویین الذین کانوا یروّجون عدالة الصحابة فی جمیع الأزمنة، بل یلبسونهم ثوب العصمة، إلى حدّ کان القدح بالصحابی أشدّ من القدح برسول اللَّه صلى الله علیه وآله، فنفی العصمة عن النبیّ صلى الله علیه وآله واتّهامه بالذنب قبل بعثه وبعده کان أمراً سهلًا یطرح بصورة عقیدة معقولة ولا یؤاخذ القائل به، وأمّا من نسب صغیرة أو کبیرة إلى صحابی فأهون ما یواجهونه به هو الاستتابة وإلّا فالقتل...
فإذا کان هذا هو محلّ النزاع- أی عدالة الکل بلا استثناء أو تصنیفهم إلى مؤمن أو فاسق، ومثالی أو عادی، إلى زاهد أو متوغّل فی حبّ الدنیا، إلى عالم بالشریعة وعامل بها أو جاهل لا یعرف منها إلّا شیئاً طفیفاً- فیجب تحلیل المسألة على ضوء الکتاب والسنّة، مجرّدین عن کلّ رأی مسبق، لا یقودنا فی ذلک إلّا الدلیل الصحیح والحجّة الثابتة.
لأجل إماطة الستر عن وجه الحقیقة نذکر أُموراً:
الصحابة فی القرآن الکریم:
1- إنّ القرآن الکریم یصنّف الصحابة إلى أصناف مختلفة؛ فهو یتکلّم عن السابقین الأوّلین، والمبایعین تحت الشجرة، والمهاجرین المهجّرین عن دیارهم وأموالهم، وأصحاب الفتح، إلى غیر ذلک من الأصناف المثالیة، الذین یثنی علیهم ویذکرهم بالفضل والفضیلة، وفی مقابل ذلک یذکر أصنافاً أُخر یجب أن لا تغیب عن أذهاننا وتلک الأصناف هی التالیة:
1- المنافقون المعروفون(2)
2- المنافقون المتستّرون الذین لا یعرفهم النبیّ صلى الله علیه وآله(3)
3- ضعفاء الإیمان ومرضى القلوب(4)
4- السمّاعون لأهل الفتنة(5)
5- المسلمون الذین خلطوا عملًا صالحاً وآخر سیئاً(6)
6- المشرفون على الارتداد عندما دارت علیهم الدوائر(7)
7- الفاسق أو الفسّاق الذین لا یصدق قولهم ولا فعلهم(8)
8- المسلمون الذین لم یدخل الإیمان فی قلوبهم(9)
9- المؤلّفة قلوبهم الذین یظهرون الإسلام ویتآلفون بدفع سهم من الصدقة إلیهم لضعف یقینهم(10)
10- المولّون أمام الکفّار(11)
هذه الأصناف إذا انضمّت إلى الأصناف المتقدّمة، فإنّها تعرب عن أنّ صحابة النبیّ الأکرم صلى الله علیه وآله لم یکونوا على نمط واحد، بل کانوا مختلفین من حیث قوّة الإیمان وضعفه، والقیام بالوظائف والتخلّی عنها، فیجب إخضاعهم لمیزان العدالة الذی توزن به أفعال جمیع الناس، وعندئذ یتحقّق أنّ الصحبة لا تعطی لصاحبها منقبة إلّا إذا کان أهلًا لها، وتوضّح بجلاء أنّ محاولة المساواة فی الفضل بین جمیع الصحابة أمر فیه مجافاة صریحة للحقّ وکلمة الصدق، وهذا ما ذهبت إلیه الشیعة، وهو نفس النتیجة التی یخرج بها الإنسان المتدبّر للقرآن الکریم.
2- إنّ الآیات التی تناولت المهاجرین والأنصار وغیرهم بالمدح والثناء، لا تدلّ على أکثر من أنّهم کانوا حین نزول القرآن مُثلًا للفضل والفضیلة، ولکن الأُمور إنّما تعتبر بخواتیمها، فیحکم علیهم- بعد نزول الآیات- بالصلاح والفلاح إذا بقوا على ما کانوا علیه من الصفات، وأمّا لو ثبت عن طریق السنّة أو التاریخ الصحیح أنّه صدر عن بعضهم ما لا تحمد عاقبته، فحینئذ لا مندوحة لنا إلّا الحکم بذلک، ولا یعد مثل ذلک معارضاً للقرآن الکریم؛ لأنّه ناظر إلى أحوالهم فی ظروف خاصّة، لا فی جمیع فصول حیاتهم، فلیس علینا رفع الید عن السنّة والتاریخ الصحیح بحجّة أنّ القرآن الکریم مدحهم، وأنّ الله تعالى کان فی وقت مّا راضیاً عنهم، لما عرفت من أنّ المقیاس القاطع للقضاء هو دراسة جمیع أحوالهم وإخضاعها للقرآن والسنّة، فکم من مؤمن زلّت قدمه فی الحیاة، فعاد منافقاً، أو مرتدّاً، وکم من ضالّ شملته العنایة الإلهیة، فبصر الطریق وصار رجلًا إلهیاً.
وبالجملة: فمن ثبت عن طریق الدلیل الصحیح انحرافه وزیغه عن الصراط المستقیم وشوب إیمانه بالظلم والعیث والفساد، فیؤخذ بما هو الثابت فی ذینک المصدرین، وأمّا من لم یثبت زیغه فلا نتکلّم فی حقّه بشیء سوى ما أمر الله به سبحانه من طلب الرحمة لهم حیث قال: «رَبَّنا اغْفِرْ لَنا ولإخوانِنا الَّذِینَ سَبَقُونا بِالإیمانِ»(12).(13)
إنّ موضع الخلاف لیس إلّا فی نقطة واحدة، وهی أنّ أهل السنّة یقولون بأنّ کلّ من رأى النبیّ صلى الله علیه وآله وعاشره ولو یوماً أو یومین فهو محکوم بالعدالة منذ اللقاء إلى یوم أُدرج فی کفنه، ولو صدر منه قتل أو نهب أو زنا أو غیر ذلک، محتجّین بما نسب إلى رسول الله صلى الله علیه وآله: «أصحابی کالنجوم، بأیّهم اقتدیتم اهتدیتم».
فی ذلک خلل کبیر أعاذ الله المسلمین منه، فالتاریخ بین أیدینا، وصفحاته خیر شاهد على ما نقول، ونحن لا نقول کما قال الحسن البصری: «طهّر الله سیوفنا عن دمائهم، فلنطهّر ألسنتنا»، لأنّا لا نظنّ أنّ الحسن البصری یعتقد بما قال بل إنّه تدرّع بهذه الکلمة وصان بها نفسه عن هجمات الأمویین الذین کانوا یروّجون عدالة الصحابة فی جمیع الأزمنة، بل یلبسونهم ثوب العصمة، إلى حدّ کان القدح بالصحابی أشدّ من القدح برسول اللَّه صلى الله علیه وآله، فنفی العصمة عن النبیّ صلى الله علیه وآله واتّهامه بالذنب قبل بعثه وبعده کان أمراً سهلًا یطرح بصورة عقیدة معقولة ولا یؤاخذ القائل به، وأمّا من نسب صغیرة أو کبیرة إلى صحابی فأهون ما یواجهونه به هو الاستتابة وإلّا فالقتل...
فإذا کان هذا هو محلّ النزاع- أی عدالة الکل بلا استثناء أو تصنیفهم إلى مؤمن أو فاسق، ومثالی أو عادی، إلى زاهد أو متوغّل فی حبّ الدنیا، إلى عالم بالشریعة وعامل بها أو جاهل لا یعرف منها إلّا شیئاً طفیفاً- فیجب تحلیل المسألة على ضوء الکتاب والسنّة، مجرّدین عن کلّ رأی مسبق، لا یقودنا فی ذلک إلّا الدلیل الصحیح والحجّة الثابتة.
لأجل إماطة الستر عن وجه الحقیقة نذکر أُموراً:
الصحابة فی القرآن الکریم:
1- إنّ القرآن الکریم یصنّف الصحابة إلى أصناف مختلفة؛ فهو یتکلّم عن السابقین الأوّلین، والمبایعین تحت الشجرة، والمهاجرین المهجّرین عن دیارهم وأموالهم، وأصحاب الفتح، إلى غیر ذلک من الأصناف المثالیة، الذین یثنی علیهم ویذکرهم بالفضل والفضیلة، وفی مقابل ذلک یذکر أصنافاً أُخر یجب أن لا تغیب عن أذهاننا وتلک الأصناف هی التالیة:
1- المنافقون المعروفون(2)
2- المنافقون المتستّرون الذین لا یعرفهم النبیّ صلى الله علیه وآله(3)
3- ضعفاء الإیمان ومرضى القلوب(4)
4- السمّاعون لأهل الفتنة(5)
5- المسلمون الذین خلطوا عملًا صالحاً وآخر سیئاً(6)
6- المشرفون على الارتداد عندما دارت علیهم الدوائر(7)
7- الفاسق أو الفسّاق الذین لا یصدق قولهم ولا فعلهم(8)
8- المسلمون الذین لم یدخل الإیمان فی قلوبهم(9)
9- المؤلّفة قلوبهم الذین یظهرون الإسلام ویتآلفون بدفع سهم من الصدقة إلیهم لضعف یقینهم(10)
10- المولّون أمام الکفّار(11)
هذه الأصناف إذا انضمّت إلى الأصناف المتقدّمة، فإنّها تعرب عن أنّ صحابة النبیّ الأکرم صلى الله علیه وآله لم یکونوا على نمط واحد، بل کانوا مختلفین من حیث قوّة الإیمان وضعفه، والقیام بالوظائف والتخلّی عنها، فیجب إخضاعهم لمیزان العدالة الذی توزن به أفعال جمیع الناس، وعندئذ یتحقّق أنّ الصحبة لا تعطی لصاحبها منقبة إلّا إذا کان أهلًا لها، وتوضّح بجلاء أنّ محاولة المساواة فی الفضل بین جمیع الصحابة أمر فیه مجافاة صریحة للحقّ وکلمة الصدق، وهذا ما ذهبت إلیه الشیعة، وهو نفس النتیجة التی یخرج بها الإنسان المتدبّر للقرآن الکریم.
2- إنّ الآیات التی تناولت المهاجرین والأنصار وغیرهم بالمدح والثناء، لا تدلّ على أکثر من أنّهم کانوا حین نزول القرآن مُثلًا للفضل والفضیلة، ولکن الأُمور إنّما تعتبر بخواتیمها، فیحکم علیهم- بعد نزول الآیات- بالصلاح والفلاح إذا بقوا على ما کانوا علیه من الصفات، وأمّا لو ثبت عن طریق السنّة أو التاریخ الصحیح أنّه صدر عن بعضهم ما لا تحمد عاقبته، فحینئذ لا مندوحة لنا إلّا الحکم بذلک، ولا یعد مثل ذلک معارضاً للقرآن الکریم؛ لأنّه ناظر إلى أحوالهم فی ظروف خاصّة، لا فی جمیع فصول حیاتهم، فلیس علینا رفع الید عن السنّة والتاریخ الصحیح بحجّة أنّ القرآن الکریم مدحهم، وأنّ الله تعالى کان فی وقت مّا راضیاً عنهم، لما عرفت من أنّ المقیاس القاطع للقضاء هو دراسة جمیع أحوالهم وإخضاعها للقرآن والسنّة، فکم من مؤمن زلّت قدمه فی الحیاة، فعاد منافقاً، أو مرتدّاً، وکم من ضالّ شملته العنایة الإلهیة، فبصر الطریق وصار رجلًا إلهیاً.
وبالجملة: فمن ثبت عن طریق الدلیل الصحیح انحرافه وزیغه عن الصراط المستقیم وشوب إیمانه بالظلم والعیث والفساد، فیؤخذ بما هو الثابت فی ذینک المصدرین، وأمّا من لم یثبت زیغه فلا نتکلّم فی حقّه بشیء سوى ما أمر الله به سبحانه من طلب الرحمة لهم حیث قال: «رَبَّنا اغْفِرْ لَنا ولإخوانِنا الَّذِینَ سَبَقُونا بِالإیمانِ»(12).(13)
لا يوجد تعليق