الجواب الاجمالي:
الجواب التفصيلي:
لقد شاع على الألسن ما نسب إلى عمر بن عبد العزیز و أحیاناً إلى الإمام أحمد بن حنبل من لزوم الإمساک عمّا شجر بین الصحابة من الاختلاف، و کثیراً ما یقولون حول الدماء التی أُریقت بید الصحابة- حیث قتل بعضهم بعضاً- تلک دماء طهّر الله منها أیدینا فلا نلوّث بها ألسنتنا.
غیر أنّ هذه الکلمة من أیّ شخص صدرت تخالف القرآن الکریم و السنّة النبویة و العقل الصریح.
أمّا القرآن الکریم فقد وصف طوائف من الصحابة بالأوصاف التی وقفت علیها عند تصنیف الصحابة و قال فیما قال: « یا أَیُّها الّذینَ آمَنوا إِنْ جاءکُمْ فاسِقٌ بِنَبأٍ فَتَبیّنوا أَن تصیبُوا قَوْماً بِجَهالة فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمین»(1)
و أمّا السنّة النبویة فهی تصف قتلة عمار بالفئة الباغیة حیث قال- صلَّى الله علیه وآله وسلَّم-: «تقتلک الفئة الباغیة، تدعوهم إلى الجنّة و یدعونک إلى النار»(2)
و یقول- صلَّى الله علیه وآله وسلَّم- فی حقّ الخوارج: «تمرق مارقة على حین فرقة من المسلمین تقتلهم أولى الطائفتین بالحق»(3)
وهذه الأحادیث و أمثالها کثیرة مبثوثة فی الصحاح والمسانید، فإذا کان الإمساک أمراً واجباً والإطلاق أمراً محرماً، فلماذا أطلق الوحی الإلهی والنبی- صلَّى الله علیه وآله وسلَّم- لسانهما بوصف هؤلاء بالأوصاف الماضیة؟!
و أمّا العقل فلا یجوّز لنا أن نلبس الحق بالباطل و نکتم الحقّ و نکیل للظالم والعادل بمکیال واحد، أمّا ما روی عن الإمام أحمد فلعلّه یرید به الإمساک عن الکلام فیهم بالباطل والهوى ، و أمّا الکلام فیهم بما اشتهر اشتهار الشمس فی رائعة النهار و نقله المحدّثون و المؤرخون فی کتبهم و أُشیر إلیه فی الذکر الحکیم فلا معنى للزوم الإمساک عنه.
ثمّ إنّه یُستشفّ من هذا الکلام أنّ الدماء التی أُریقت فی وقائع الجمل و صفین و النهروان، کانت قد سُفکت بغیر حق، وهذا- وأیم الحق- عین النصب، وقضاء بالباطل، و إلّا فأی ضمیر حرّ یحکم بأنّ قتال الناکثین و القاسطین و المارقین، کان قتالًا بغیر حقّ؟! و کلّنا یعلم أنّ أمیر المؤمنین- علیه السَّلام- کان على بیّنة من ربّه و بصیرة من دینه، یدور معه الحقّ حیثما دار، و هو الذی یقول: والله لو أُعطیبتُ الأقالیم السبعة بما تحت أفلاکها على أن أعصیَ الله فی نملةٍ أسلبُها جِلْبَ شعیرة ما فعلتُ.
نقول لأصحاب هذا القول: إنّ الشریعة التی نقلها هؤلاء الصحابة فیها کلّ ما نقول من تخطئة بعضهم، ففیها قصة ماعز الأسلمی والمخزومیة و حاطب بن أبی بلتعة، و حدیث عمّار، و فرار بعضهم یوم أُحد، و افتخارهم یوم حنین، و حدیث الزبیر والحوأب، و حدیث قاتل عمّار فی النار، و حدیث الخلافة والملک، و غیر ذلک من الأحادیث النبویة الصحیحة الکثیرة التی فیها تخطئة لأفراد أو جماعات منهم، فالشریعة التی نقلوها لم تأمرنا أن نجعلهم معصومین و إنّما أمرتنا بالأخذ بما أصابوا فیه أو أجمعوا علیه، أمّا ما اختلفوا فیه فینظر أقواها دلیلًا.
لا يوجد تعليق