الجواب الاجمالي:
انّ القداسة التی أحاطت بالصحابة أمر طارئ صنعتها السیاسة لأغراض خاصة، ولیست الصحابة إلّا کالتابعین ففیهم الصالح والطالح والعادل والفاسق
الجواب التفصيلي:
انّ القداسة التی أحاطت بالصحابة أمر طارئ صنعتها السیاسة لأغراض خاصة، ولیست الصحابة إلّا کالتابعین ففیهم الصالح والطالح والعادل والفاسق، وإن کنت فی شکّ ممّا قلنا فاستمع لخرّیت فن الجرح والتعدیل الشیخ الذهبی فی «معرفة الرواة» حیث یقول: «لو فتحنا هذا الباب (الجرح والتعدیل) على نفوسنا لدخل فیه عدّة من الصحابة و التابعین والأئمّة، فبعض الصحابة کفّر بعضهم بعضاً بتأویل ما»(1)
و لیس الذهبی من رماة القول على عواهنه، بل یشهد على ما ذکره، حدیث صحیح البخاری الذی نتلوه علیک وغیره.
1. صحابی یتّهم صحابیاً آخر بالنفاق
أخرج البخاری فی صحیحه فی کتاب التفسیر فی مسألة الإفک: قال رسول الله- صلَّى الله علیه و آله و سلَّم- و هو على المنبر: یا معشر المسلمین من یعذرنی من رجل (المراد منه عبد الله بن سلول) قد بلغنی أذاه فی أهل بیتی، فوالله ما علمت على أهلی إلّا خیراً، و لقد ذکروا رجلًا ما علمت علیه إلّا خیراً و ما کان یدخل على أهلی إلّا معی.
فقام سعد بن معاذ الأنصاری، فقال: یا رسول الله أنا أعذرک منه ان کان من الأوس ضربتُ عنقه و إن کان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرک، قالت (عائشة): فقام سعد بن عبادة و هو سید الخزرج و کان قبل ذلک رجلًا صالحاً و لکن احتملته الحمیّة، فقال لسعد: کذبت لعمر الله لاتقتله و لا تقدر على قتله، فقام أُسید بن حُضیر و هو ابن عم سعد فقال لسعد بن عبادة: کذبت لعمر الله لنقتلنّه فإنّک منافق، تجادل عن المنافقین. فتثاور الحیّان الأوس والخزرج حتّى همّوا أن یقتتلوا و رسول الله - صلَّى الله علیه و آله و سلَّم- قائم على المنبر، فلم یزل رسول للَّه - صلَّى الله علیه و آله و سلَّم- یُخفّضهم حتّى سکتوا و سکت(2)
ترى أنّ سعد بن عبادة یصف الصحابی الجلیل سعد بن معاذ الأنصاری بالکذب!! و یصف أُسید بن حضیر و هو ابن عم سعد بن معاذ، سعدَ بن عبادة بمثله، بل یتجاوزه و یصفه بالنفاق والدفاع عن المنافقین!! حتّى بلغ النزاع بین الحیّین الذروة و کادا أن یقتتلا فی محضر النبی- صلَّى الله علیه و آله و سلَّم- .
أفیمکن وصف الحیّین من أوّلهما إلى آخرهما بالعدالة والوثاقة و هما على هذا الحدّ من الأدب والعصبیة و عدم ضبط النفس فی مجلس رسول الله- صلَّى الله علیه و آله و سلَّم-؟!
و لیست هذه القصة فریدة فی بابها، فلها نظائر فی الصحاح و السنن و فی غضون التاریخ لا نطیل الکلام بذکرها.
2. قصّة السقیفة المأساویّة
و تکفیک قراءة تاریخ السقیفة و ما جرى فیها من اللغط و الشتم و الضرب، و نحن نقتصر على مقطع خاص یرویه عمر بن الخطاب.
روى الطبری وغیره، قام واحد من الأنصار فخطب فانتهى إلى قوله: منّا أمیر و منکم- أی المهاجرین- أمیر یا معشر قریش. و عندئذٍ ارتفعت الأصوات و کثر اللّغط، فلمّا أشفقت الاختلاف، قال عمر لأبی بکر: أبسط یدک لأُبایعک، فبسط یده فبایعته، و بایعه المهاجرون و بایعه الأنصار، ثمّ نزونا على سعد حتّى قال قائلهم: قتلتم سعد بن عبادة فقلت: قتل الله سعداً، و أنّا والله ما وجدنا أمراً هو أقوى من مبایعة أبی بکر، خشینا إن فارقنا القوم و لم تکن بیعة أن یُحدِثوا بیعة، فإمّا أن نتابعهم على ما نرضى أو نخالفهم فیکون فساد(3)
و فی نص آخر للطبری: فأقبل الناس من کلّ جانب یبایعون أبا بکر و کانوا یطؤون سعد بن عبادة، فقال ناس من أصحاب سعد: اتقوا سعداً لا تطؤوه، فقال عمر: اقتلوه قتله الله، ثمّ قام على رأسه، فقال: لقد هممت أن أطأک حتّى تندر عضوک، فأخذ سعد بلحیة عمر، فقال: والله لو حصصت منه شعرة ما رجعت و فی فیک واضحة، فقال أبو بکر: مهلًا یا عمر الرفق هاهنا أبلغ، فأعرض عنه عمر، و قال سعد: أما والله لو انّ بی قوّة ما أقوى على النهوض، لسمعت منّی فی أقطارها و سککها زئیراً یُحجرک و أصحابک، أما والله إذاً لألحقنّک بقوم کنت فیهم تابعاً غیر متبوع، احملونی من هذا المکان، فحملوه فأدخلوه فی داره(4)
3. تهجم الخلیفة على عبد الله بن مسعود
أخرج البلاذری فی «الأنساب» ما هذا خلاصته: کان سعد بن أبی وقاص والیاً على الکوفة فعزله عثمان و ولّى علیها الولید بن عقبة، و کان عبد الله بن مسعود خازن بیت المال، فلمّا ورد الولیدُ الکوفةَ طلب منه مفاتیح بیت المال، فألقى إلیه عبد الله بن مسعود مفاتیحه و هو یقول: من غیّر غیّر الله ما به، و من بدل أسخط الله علیه، و ما أرى صاحبکم إلّا و قد غیّر و بدّل، أیُعزل مثل سعد بن أبی وقاص و یولّى الولید؟!
فکتب الولید إلى عثمان بذلک، و قال: إنّه یعیبک، و یطعن علیک. فکتب إلیه عثمان یأمره بإشخاصه، فلمّا غادر الکوفة و قدم المدینة و عثمان یخطب على منبر رسول الله - صلَّى الله علیه و آله و سلَّم - فلمّا رأه قال: ألا إنّه قد قدمت علیکم دویبة سوء، من یمشی على طعامه یقئ و یسلح.
فقال ابن مسعود: لست کذلک ولکنّی صاحب رسول الله - صلَّى الله علیه و آله و سلَّم- یوم بدر و یوم بیعة الرضوان.
و نادت عائشة: أی عثمان أتقول هذا لصاحب رسول الله؟! ثمّ أمر عثمان به فأخرج من المسجد إخراجاً عنیفاً، و ضرب به عبد الله ابن زمعة الأرض، و یقال: بل احتمله «یحموم» غلام عثمان و رجلاه تختلفان على عنقه حتّى ضرب به الأرض فدُقّ ضلعه. فقال علی: «یا عثمان أتفعل هذا بصاحب رسول الله بقول الولید بن عقبة»، فقال: ما بقول الولید فعلت هذا ولکن وجهت زبید بن الصلت الکندی إلى الکوفة، فقال له ابن مسعود: إنّ دم عثمان حلال، فقال علی: «أحلت عن زبید على غیر ثقة(5)
ترى أنّ عبد الله یُشتم على رؤوس الأشهاد و یُخرج من مسجد رسول الله إخراجاً عنیفاً و یضرب به الأرض، فتدق أضلاعه، و قد بطشوا به بطش الجبارین!!
هذا مبلغ حلمهم وأدبهم فی مسجد الرسول- صلَّى الله علیه و آله و سلَّم-!!
أهؤلاء کلّهم من أوّلهم إلى آخرهم، عدول لا یشق غبارهم، و لا یصل إلى مرتبتهم لاحق؟!
4. تهجّم الخلیفة على عمّار بن یاسر
أخرج البلاذری فی «الأنساب» قال: کان فی بیت المال بالمدینة سفط فیه حلیّ و جوهر، فأخذ منه عثمان ما حلّى به بعض أهله، فأظهر الناس الطعن علیه فی ذلک و کلّموه فیه بکلام شدید حتّى أغضبوه، فخطب فقال: لنأخذنّ حاجتنا من هذا الفیء و إن رغمت أنوف أقوام!! فقال له علی: «إذاً تُمنع من ذلک و یحال بینک و بینه».
و قال عمّار بن یاسر: أشهد الله أنّ أنفی أوّل راغم من ذلک.
فقال عثمان: أعلیّ یابن المتکاء تجترئ؟ خذوه، فأخذ و دخل عثمان و دعا به فضربه حتّى غشی علیه، ثمّ أُخرج فحمل حتّى أُتی به منزل أُمّ سلمة زوج رسول الله- صلَّى الله علیه و آله و سلَّم- فلم یصلّ الظهر والعصر والمغرب، فلمّا أفاق توضّأ و صلّى و قال: الحمد للَّه لیس هذا أوّل یوم أُوذینا فیه فی الله(6)
والمغالی فی حق الصحابة یبرر کلّ هذه الفظائع بالاجتهاد المصحح للأباطیل والمبرّر للشنائع، و هو الوسیلة الوحیدة لإغراء البسطاء من الأُمّة.
أیاجتهاد یبرّر کسر ضلع عبد الله بن مسعود، و ضرب عمّار الذی ملئ بالإیمان من قرنه إلى قدمه کما فی حدیث الرسول- صلَّى الله علیه و آله و سلَّم-؟!
إلى غیر ذلک من سیّئات أعمالهم التی حفل بذکرها تاریخ الصحابة الصحیح!! و نشیر إلى قلیل من کثیر:
1. کان رسول الله- صلَّى الله علیه و آله و سلَّم- یخطب بالجمعة إذا أقبلت عیر تحمل طعاماً فترکوه و ذهبوا إلیها حتّى لم یبق معه إلّا اثنا عشر رجلًا(7)
لا يوجد تعليق