الجواب الاجمالي:
الجواب التفصيلي:
یقول الشیخ(1): نزلت فی غزوة خندق آیات من سورة الأحزاب و مع قصرها إلّا أنّ فیها تصویراً بلیغاً للترابط بین الصحابة- رضی الله عنهم- مع الوصف الدقیق لحالتهم النفسیة، و ما أصابهم من جهد و جوع و خوف و حرصهم على ملازمة رسول الله (ص).
أخی القارئ تأمّل فی الآیات من الآیة التاسعة من سورة الأحزاب التی نادى الله بها المؤمنین و ذکر نعمته علیهم فی تلک المواقف «یا أَیُّها الّذینَ آمَنُوا اذْکُرُوا نِعْمَةَ الله عَلَیْکُمْ إِذْ جاءَتْکُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَیْهِمْ رِیحاً وَ جُنُوداً لم تَرَوْها» الآیات، ثمّ ذکر المولى نعمته علیهم مرّة أُخرى بکفّ ید العدو عن القتال و شهد لهم بالإیمان بقوله سبحانه: «وکَفى الله المُؤْمنینَ القتال» ثمّ ذکر الله آیتین فیهما بیان لما حصل لبنی قریظة القبیلة الیهودیة المشهورة.
فتأمّل فی الآیات و تلاو تها بتدبّر وقِفْ عند قوله تعالى: «وَ لَمّا رَأى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا الله وَ رَسُولُهُ وَ صَدَقَ الله وَ رَسُولُهُ وَ مَا زادَهُمْ إِلّا إِیماناً و تسْلِیماً» و فضل الله سبحانه و تعالى واسع لا یمکن أن یقال بأنّ هذا خاص بأفراد مع الرسول (ص)(2)
المناقشة :
جرى الشیخ فی هذا المقام على عادته، فانتقى من الآیات ما یدعم مدعاه، و أعرض عن الآیات التی تندد ببعض الحاضرین فی غزوة الخندق، و هم على طائفتین:
الأُولى: المنافقون، و لا کلام لنا فیهم لأنّهم لیسوا من الصحابة حقیقة، و ان استتروا فی أوساطهم.
الثانیة: الذین فی قلوبهم مرض، و هم من الصحابة قطعاً بلا شکّ، و الناس أخذوا دینهم من الصحابة عامّة من دون فرق بین مرضى القلوب و غیرهم.
و الیک هذه الآیات:
انّه سبحانه تبارک و تعالى ابتدأ ببیان ما حدث فی غزوة بدر بقوله: «یا أَیُّها الّذین آمَنُوا اذْکُرُوا نِعْمَة الله ...».
ثمّ إنّه سبحانه شرح حال بعض من حضر واقعة الخندق بقوله: «إِذْ جاءُوکُمْ مِنْ فَوقِکُمْ وَمِن أَسفَل مِنکُمْ وَ إِذ زاغَتِ الأَبْصار و بَلَغَتِ القُلُوبُ الحناجِرَ و تظُنُّونَ بِالله الظُّنُونا». «هُنالِک ابْتلیَ المُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلزالًا شَدیداً». «وَإِذْ یَقُولُ الْمُنافِقُونَ و الذینَ فی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنا الله وَرَسُولُهُ إِلّا غُرُوراً». «وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ یا أَهْلَ یَثْرِبَ لا مُقامَ لَکُم فَارجِعُوا وَ یَستَأذِنُ فَریقٌ مِنْهُمُ النَّبِیَّ یَقُولُونَ إِنَّ بُیُو تنا عَوْرَةٌ وَمَا هِیَ بِعَوْرَةٍ إِنْ یُرِیدُونَ إِلّا فراراً». «ولو دُخِلَتْ عَلَیْهِمْ مِنْ أَقطارِها ثُمَّ سُئِلُوا الفتنةَ لآتَوْها وَما تَلَبَّثُوا بِها إِلّا یَسیراً». «وَلَقَدْ کانُوا عاهَدُواالله مِنْ قَبْلُ لا یُوَلُّونَ الأَدبارَ وَ کانَ عَهْدُ الله مَسْؤُولًا»(3)
انّه سبحانه یسمّی طائفة من صحابة النبی- صلَّى الله علیه و اله و سلَّم- بمرضى القلوب و یصفهم بأوصاف لا تجتمع مع عدالتهم، و الیک بیانها:
1. « و تظنُّون بِالله الظنُونا» و الجملة و إن کانت ظاهرة فی عامّة من حضر، لکنّها و بحسب القرائن ترجع إلى طائفتین سابقتین، فقد ظن المنافقون و الذین فی قلوبهم مرض الظنونَ: انّ الکفّار سیغلبون و یستولون على المدینة.
و یقول البعض الآخر: إنّ الإسلام سیُمحق و الدین سیضیّع، و الثالث منهم یقول: الجاهلیة ستعود، إلى آخر ما قالوا.
و بإمکان القارئ تفسیر قوله: «وتظنُّون بالله الظنونا» بما مرّ فی سورة آل عمران التی وردت فی غزوة أُحد حیث حکى عنهم سبحانه قوله: «و طائفةٌ قَدْ أَهمّتهم أَنفسُهُمْ یظنُّونَ بِالله غَیرَ الحقّ ظَنَّ الجاهلیة»(4)
2. «و إِذْ یَقُول المُنافِقونَ و الذِینَ فی قُلُوبِهمْ مَرَض ما وَعَدَنا الله وَ رَسُوله إِلّا غُروراً» فضعفاء الإیمان من المؤمنین کانوا یظنون بالله انّه وعدهم وعداً غروراً، فهل یصحّ وصف هؤلاء بالعدالة و التزکیة و هم غیر المنافقین الذین یظهرون الإیمان و یبطنون الکفر.
3. «وَ إِذْ قالت طائِفةٌ مِنْهُمْ یا أَهل یَثْرب لا مقام لَکُمْ فارجعوا و یستأذن فریق منهم النبی» و الضمیر فی «منهم» یرجع إلى کلتا الطائفتین.
فالطائفة الثانیة کالطائفة الأُولى تخذِّل المسلمین و تخوّفهم من الأحزاب، فکانت تقول: لا طاقة لنا بالجیش الجرّار و لا نجاة منه إلّا بالفرار و الاستسلام، و لأجل ذلک کان یستأذن فریق منهم النبی- صلَّى الله علیه و اله و سلَّم- یقولون: إنّ بیو تنا عورة، أی منکشفة للّصوص فأذن لنا لحمایتها، فأکذبهم الله و کشف عن نفاقهم بقوله: « و ما هی بعورة ان یریدون إلّا الفرار من الجهاد و نصرة الحقّ».
3. «و لو دُخلَتْ علیهم من أقطارِها ثمّ سُئلوا الفتنة لآتوها و ما تلبّثوا بها إلّا یسیراً» و الآیة تحکی حالة الطائفتین، أعنی: المنافقین و أصحاب الإیمان المستودع الذی لا قرار له، و المراد من الفتنة الارتداد عن الدین، و المعنى أی إذا دخلت جیوش الشرک المدینة و أحاطت بها من کلّ جانب و طلب المشرکون من المنافقین و مرضى القلوب الارتداد عن دینهم، ارتدّوا عنه و أعلنوا الشرک واستجابوا على الفور من غیر تردّد، أو ترددوا قلیلًا ثمّ استسلموا للقوّة. و من الواضح انّ المؤمن الحق لا یرتدّ عن عقیدته، بل یقتل علیها، و هذا شأن شهداء العقیدة الذین یستقبلون السیوف برحابة صدر.
4. «و لقد کانوا عاهدوا الله من قبل لا یولّون الأدبار» و هؤلاء تذرّعوا بالأکاذیب للفرار من عسکر رسول الله- صلَّى الله علیه و اله و سلَّم- بعدما أعطوه المواثیق و العهود على أن یثبتوا فی الجهاد بین یدیه حتّى المو ت.
روى الطبری فی تفسیره انّ بنی حارثة و هم الّذین همّوا أن یفشلوا یوم أُحد مع بنی سلمة حین هما بالفشل ثمّ عاهدوا الله أن لایعودون لمثلها أبداً فذکرهم الله الآن بهذا العهد الذی أعطوه و إن نکثوا(5)
ثمّ إنّ مرضى القلوب لم یکتفوا بالفرار فحسب، بل کانوا یثبّطون عزائم الناس، و یقول بعضهم لبعض تعالوا إلى الراحة و الدعة مالنا و للقتال. یقول سبحانه: «قَدْ یَعْلَمُ الله الْمُعَوِّقینَ مِنْکُمْ و القائِلینَ لإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَیْنا ...»(6)
و ربّما یتوهم القارئ انّ مرضى القلوب کانوا ثلة قلیلة لا یعبأ بهم أمام الجم الغفیر من الصحابة، ولکنّه و هم خاطئ إذ لو کانوا بهذا الوصف لما رکّز علیهم القرآن فی أکثر من آیة، فترى سبحانه یذکرهم فی غیر مرّة
و یقول: «فَتَرَى الّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ یُسارِعُونَ فِیهِمْ»(7) «إِذْ یَقُولُ الْمُنافِقُونَ و الذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤلاءِ دِینُهُم»(8)
«وَأمّا الّذِینَ فِی قُلُوبهم مرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلى رِجْسِهِمْ»(9) «أَفِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا»(10) «لئِن لَمْ یَنْتَهِ المنافِقُونَ والذِینَ فی قُلُوبِهِمْ مَرض والمُرْجِفُونَ فِی المَدینة لَنُغْرِیَنَّکَ بِهِم»(11) «رَأَیْتَ الَّذِینَ فی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ یَنْظُرُونَ إِلَیْکَ نَظَرَ المَغْشِیِّ عَلَیْهِ مِنَ الْمَوت»(12)
إلى غیر ذلک من الآیات التی تذکر تلک الطائفة بهذا العنوان(13)
فإذا ضُمَّت هذه الآیات إلى ما ذکره الشیخ من الآیات المادحة نخرج بدراسة متکاملة حول مَن حضر الأحزاب.
فمنهم من بلغ فی الإیمان و الإخلاص و التضحیة شأواً بعیداً لا یدرک مداه، و هم الذین یصفهم سبحانه بقوله:
«وَلَمّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزابَ قَالُوا هذا ما وَعَدَنا الله و َرَسُولُهُ وَ صَدَقَ الله وَ رَسُولُهُ وَ ما زادَهُمْ إِلّا إِیماناً وَ تَسْلیماً»(14)
ومنهم من ضعف إیمانهم و قل إخلاصهم و أهمّتهم أنفسهم فظنوا بالله ظن الجاهلیة، و تلقّوا وعد الله سبحانه غروراً، و کانوا یستئذنون النبی و یقولون إنّ بیو تهم عورة ولکنهم لا یریدون إلّا فراراً، و لو غلب المشرکون واستولوا على المدینة، لأعلنوا الشرک و استجابوا على الفور من غیر تردّد أو بعد تردد قلیل إلى غیر ذلک من الأوصاف التی ذکرها سبحانه فی حقّ هذه الطائفة.
وهذا إن دلّ على شیء فإنّما یدلّ على أنّ الرأی الصائب الذی یدعمه القرآن و السنّة، و التاریخ الصحیح هو ماعلیه الإمامیة من أنّ حکمهم حکم التابعین بلا مدخلیة للصحبة(15)
لا يوجد تعليق