الجواب الاجمالي:
الجواب التفصيلي:
یحاول بعض أن یسلّب النّقدُ مشروعیته، و یطعن فی أهدافه السامیة من خلال عدِّه لوناً من ألوان السبّ و الشتم و الانتقاص، و هذا فی الحقیقة التفاف على مفهوم النقد، و تشویه لوجهه المشرق.
فالنقد القائم على أُسس صحیحة و موازین سلیمة، هو قبلة الطالبین للحقیقة، و الساعین إلى الفضیلة.
أمّا أُسلوب السبّ و الشتم، فهو ولید العصبیة، و نتاج الغیظ و الحقد و الهوى.
و بتعبیر آخر: السبّ هو النیل من کرامة الشخص بکلمات مبتذلة و لسان بذیء لغایة التشفّی و هدم کرامته.
و أمّا النقد، فهو دراسة حیاة الشخص من منظار موضوعی، و بیان ما له من الفضیلة و الکرامة أو ما اقترف من الم آثم و الخطایا، فیثنی علیه تارة، و یجرحه أُخرى کما جرى علیها القرآن الکریم حیث قصّ حیاة الماضین صالحهم و طالحهم لغایات صحیحة، قال سبحانه: «لَقَدْ کانَ فی یُوسُفَ وَ إِخْو تهِ آیاتٌ للسّائلین»(1)
و قال سبحانه: «لَقَدْ کانَ فی قَصَصِهِمْ عِبرةٌ لأُولی الأَلباب»(2)
إلى غیر ذلک من الآیات الحاثّة على دراسة سیرة الماضین ففیها عبر و عظات للخلف، و لم أقف على دلیل یفرق بین جیل و جیل.
و على ضوء ذلک فدراسة حیاة الصحابة و نقدها على ضوء الکتاب و السنّة و التاریخ الصحیح، کدراسة حال التابعین و تابعی التابعین و من جاء بعدهم من خلف.
و من هنا یعلم أنّ دراسة حیاة الصحابة بنیّة النقد و التقییم، و الوقوف على ما فیها من محاسن و مساوئ، أمر مرغوب فیه، و لیس هو من قبیل السب و الشتم فانّهما من مقولتین مختلفتین.
قال ابن منظور فی «لسان العرب»: السب: الشتم، و فی الحدیث: سباب المسلم فسوق و قتاله کفر.
قال ابن الأثیر: و فی حدیث أبی هریرة: لا تمشینّ أمام أبیک و لا تجلس قبلَه و لا تَدْعُه باسمه لا تستبّ له أی لا تعرّضه للسب و تجره إلیه، بأن تسبّ أبا غیرک فیسبّ أباک مجازاة لک. و قد جاء مفصلًا فی الحدیث الآخر: انّ من أکبر الکبائر أن یسبّ الرجل و الدیه، قیل: و کیف یسبّ و الدیه؟ قال: یسبّ أبا الرجل فیسبّ أباه و أُمّه.(3)
فعلى ذلک فالسب هو أُسلوب الأراذل و الأوباش و سفلَة الناس و أخلاطهم تأخذهم الحمیة الجاهلیة فینثرون رکائک الألفاظ على مخالفیهم و مناوئیهم کما هو واضح، و أین هذا من نقد حیاة فئة أو عشیرة أو شخص على ضوء الروایات الصحیحة إن خیراً فخیر و إن شراً فشرّ فیصف أعمالهم الحسنة، إلى جانب أعمالهم السیّئة؟!
و أوضح دلیل على أنّ دراسة أحوال الصحابة یفارق السب، انّ الصحاح و السنن و السیر و التاریخ ملیئة بذکر محاسن أعمالهم و مساویها.
نعم صارت لفظة «سب الصحابة» واجهة للصد عن دراسة حیاتهم و نقدها، فکلّ من یذکر شیئاً من حالاتهم المزریة یتّهم بسبّهم و شتمهم، و الغایة من ذلک إخفاء الحقائق و الستر علیها.
فلو درس الباحث حیاة صحابی فی ضوء الوثائق التاریخیة و أثبت أنّه ظلم - فی برهة- شخصاً؛ فنتیجة الدراسة تکون أنّه ظالم، فهذا لیس سبّاً و إنّما هو حصیلة الدراسة التی وصل إلیها.
و لو دلّت الوثائق التاریخیة على أنّ صحابیاً قتل مالک ابن نویرة و نزا على زوجته، فنتیجة هذه الدراسة هو انّه قاتلٌ و زانٍ ، و هذا لیس سبّاً و إنّما هو من نتائج الأدلّة القطعیة التی تعضدها الوثائق التاریخیة(4)
و ذلک لأنّ السّب هو إطلاق الکلام البذیء، لشخص تشفّیاً منه و إخماداً لسورة غضبه، فیقول: یا فاسق، یا ظالم، یا زانی.
و أمّا الدارس لحیاة أُمّة أو طائفة أو شخص بالوثائق التاریخیة من دون أن تأخذه الحمیة و الغضب إنّما یرفع الستر عن حقیقة تاریخیة أُسدل علیها الستر فیصل إلى النتائج الماضیة فهذا لا یعدّ سبّاً، لأنّ مقوّم السب هو التشفّی و الغضب، و هو مفقود فی مثل هذه الدراسات الموضوعیة التی لغتها لغة العلم والتحقیق.
و بذلک یعلم أنّ کلمة سبّ الصحابة صارت ذریعة لحظر الدراسات فی سیر الصحابة و التابعین بموضوعیة و تجرّد(5)
لا يوجد تعليق