الجواب الاجمالي:
الجواب التفصيلي:
إنّ لفیفاً من أهل السنّة اعترفوا بما ذکرنا من أنّ المستفاد من الکتاب هو المسح لا الغسل، ویطیب لی نقل نصوصهم:
1- قال ابن حزم: إنّ القرآن نزل بالمسح، قال اللّه تعالى:" وامْسَحُوا بِرُؤُسِکُمْ وأَرْجُلَکُمْ" وسواء قرىَ بخفض اللام أو بفتحها هی على کل حال عطف على الروَوس: إمّا على اللفظ وإمّا على الموضع، لا یجوز غیر ذلک، لَانّه لا یجوز أن یحال بین المعطوف والمعطوف علیه بقضیة مبتدأة. وهکذا جاء عن ابن عباس: نزل القرآن بالمسح یعنی فی الرجلین فی الوضوء.
و قد قال بالمسح على الرجلین جماعة من السلف، منهم علی بن أبی طالب وابن عباس والحسن وعکرمة والشعبی وجماعة غیرهم، وهو قول الطبری، ورویت فی ذلک آثار.
منها أثر من طریق همام، عن إسحاق بن عبد اللّه بن أبی طلحة: ثنا علی بن یحیى بن خلاد عن أبیه، عن عمه هو رفاعة بن رافع أنّه سمع رسول اللّه - صلى الله علیه وآله وسلم- یقول:« إنّها لا تجوز صلاة أحدکم حتى یسبغ الوضوء کما أمره اللّه عزّ وجلّ ثمّ یغسل وجهه ویدیه إلى المرفقین ویمسح رأسه ورجلیه إلى الکعبین».
و عن إسحاق بن راهویه: ثنا عیسى بن یونس، عن الاعمش، عن عبد خیر، عن علی: «کنت أرى باطن القدمین أحق بالمسح حتى رأیت رسول اللّه - صلى الله علیه وآله وسلم- یمسح ظاهرهما».
ثمّ إنّه ذکر خبر « ویل للَاعقاب من النار» واستظهر منها أنّه یستفاد من الخبر شیء زائد على ما فی الآیة، ویکون ناسخاً لما فیها، والاخذ بالزائد واجب.
اقول: ولکن هذا الخبرعلى فرض صحّته لا یهدف إلى ما یرتئیه من وجوب الغسل[1]
ثمّ قال: وقال بعضهم: إنّه سبحانه وتعالى قال فی الرجلین:" إِلَى الْکَعْبَیْنِ" کما قال فی الایدی إِلَى الْمَرافِقِ"، دلّ على أنّ حکم الرجلین حکم الذراعین.
فأجاب عنه بقوله: لیس ذکر المرفقین والکعبین دلیلًا على وجوب غسل ذلک، لَانّه تعالى قد ذکر الوجه ولم یذکر فی مبلغه حدّاً، وکان حکمه الغسل، لکن لما أمر اللّه تعالى فی الذراعین بالغسل کان حکمهما الغسل، وإذا لم یذکر ذلک فی الرجلین وجب أن لا یکون حکمهما ما لم یذکر فیها إلّا أن یوجبه نصّ آخر.
قال علی: والحکم للنصوص لا للدعاوی والظنون. وباللّه تعالى التوفیق[2]
2- قال الامام الرازی: اختلف الناس فی مسح الرجلین وفی غسلهما، فنقل القفّال فی تفسیره عن ابن عباس وأنس بن مالک وعکرمة والشعبی وأبی جعفر محمد بن علی الباقر: أنّ الواجب فیهما المسح، وهو مذهب الامامیة من الشیعة. وقال جمهور الفقهاء والمفسرین: فرضهما الغسل، وقال داود الاصفهانی: یجب الجمع بینهما وهو قول الناصر للحق من أئمّة الزیدیة. وقال الحسن البصری ومحمد بن جریر الطبری: المکلف مخیّر بین المسح والغسل.
حجّة من قال بوجوب المسح مبنى على القراءتین المشهورتین فی قوله" وأَرْجُلَکُمْ" فقرأ ابن کثیر وحمزة وأبو عمرو وعاصم فی روایة أبی بکر عنه بالجر، وقرأ نافع وابن عامر وعاصم فی روایة حفص عنه بالنصب، فنقول: أمّا القراءة بالجر فهی تقتضی کون الارجل معطوفة على الروَوس فکما وجب المسح فی الرأس فکذلک فی الارجل.
فإن قیل: لم لا یجوز أن یقال: هذا کسر على الجوار کما فی قوله: جحر ضبّ خرب وقوله: کبیر أُناس فی بجاد مزمل.
قلنا: هذا باطل من وجوه:
الاوّل: أنّ الکسر على الجوار معدود فی اللحن الذی قد یتحمل لَاجل الضرورة فی الشعر، وکلام اللّه یجب تنزیهه عنه.
و ثانیها: أنّ الکسر إنّما یصار إلیه حیث یحصل الامن من الالتباس، کما فی قوله: جحر ضب خرب، فإنّ من المعلوم بالضرورة أنّ الخرب لا یکون نعتاً للضب بل للجحر، وفی هذه الآیة الامن من الالتباس غیر حاصل.
و ثالثها: أنّ الکسر بالجوار إنّما یکون بدون حرف العطف، وأمّا مع حرف العطف فلم تتکلم به العرب، وأمّا القراءة بالنصب فقالوا أیضاً: إنّها توجب المسح. وذلک لَانّ قوله:" وامْسَحُوا بِرُؤُسِکُمْ" فروَوسکم فی محل النصب ولکنّها مجرورة بالباء، فإذا عطفت الارجل على الروَوس جاز فی الارجل النصب عطفاً على محل الروَوس، والجر عطفاً على الظاهر، وهذا مذهب مشهور للنحاة.
إذا ثبت هذا فنقول: ظهر أنّه یجوز أن یکون عامل النصب فی قوله:" وأَرْجُلَکُمْ" هو قوله:" وامْسَحُوا" ویجوز أن یکون هو قوله:" فَاغْسِلُوا" لکن العاملان إذا اجتمعا على معمول واحد کان إعمال الاقرب أولى، فوجب أن یکون عامل النصب فی قوله" وأَرْجُلَکُمْ" هو قوله" وامْسَحُوا" فثبت أنّ قراءة" وأَرْجُلَکُمْ" بنصب اللام توجب المسح أیضاً، فهذا وجه الاستدلال بهذه الآیة على وجوب المسح. ثمّ قالوا: ولا یجوز دفع ذلک بالاخبار لَانّها بأسرها من باب الآحاد، ونسخ القرآن بخبر الواحد لا یجوز.
واعلم أنّه لا یمکن الجواب عن هذا إلّا من وجهین: أنّ الاخبار الکثیرة وردت بایجاب الغسل، والغسل مشتمل على المسح ولا ینعکس، فکان الغسل أقرب إلى الاحتیاط فوجب المصیر إلیه [3] وعلى هذا الوجه یجب القطع بأنّ غسل الرجل یقوم مقام مسحها، والثانی: أنّ فرض الرجلین محدود إلى الکعبین، والتحدید إنّما جاء فی الغسل لا فی المسح.
و القوم أجابوا عنه بوجهین: الاوّل: أنّ الکعب عبارة عن العظم الذی تحت مفصل القدم، وعلى هذا التقدیر فیجب المسح إلى ظهر القدمین.
و الثانی: أنّهم سلّموا أنّ الکعبین عبارة عن العظمین الناتئین من جانبی الساق، إلّا أنّهم التزموا أنّه یجب أن یمسح ظهور القدمین إلى هذین الموضعین، وحینئذ لا یبقى هذا السوَال[4]
3- إنّ الزمخشری لمّا سلّم بأنّ قراءة الجر تجرّه إلى القول بوجوب المسح أراد التخلّص منه بقوله:
فإن قلت: فما تصنع بقراءة الجر ودخولها فی حکم المسح؟
قلت: الارجل من بین الاعضاء الثلاثة المغسولة تغسل بصبّ الماء علیها، فکانت مظنّة للِاسراف المذموم المنهیة عنه، فعطفت على الثالث «الروَوس» الممسوح لا لتمسح ولکن لینبّه على وجوب الاقتصاد فی صبّ الماء علیها[5]
یلاحظ علیه: أنّ الوجوه والایدی مظنّة للِاسراف المذموم مثل الارجل، فلماذا نبّه على وجوب الاقتصاد فی صبّ الماء فی خصوص الارجل دون غیرهما مع کون الجمیع مظنّة للِاسراف فی صبّ الماء.
ولا یخفى أنّه تفلسف فی تفسیر الآیة بشیء تافه لا یرضى به الذوق العربی. فإنّه لو صحّ ما ذکره من الفلسفة فإنّما یصحّ فیما إذا أُمن من الالتباس لا فی مثل المقام الذی لا یوَمن منه، ویحمل ظاهر اللفظ على وجوب المسح من دون التفات لما ذکره من النکتة البدیعة![6]
1- قال ابن حزم: إنّ القرآن نزل بالمسح، قال اللّه تعالى:" وامْسَحُوا بِرُؤُسِکُمْ وأَرْجُلَکُمْ" وسواء قرىَ بخفض اللام أو بفتحها هی على کل حال عطف على الروَوس: إمّا على اللفظ وإمّا على الموضع، لا یجوز غیر ذلک، لَانّه لا یجوز أن یحال بین المعطوف والمعطوف علیه بقضیة مبتدأة. وهکذا جاء عن ابن عباس: نزل القرآن بالمسح یعنی فی الرجلین فی الوضوء.
و قد قال بالمسح على الرجلین جماعة من السلف، منهم علی بن أبی طالب وابن عباس والحسن وعکرمة والشعبی وجماعة غیرهم، وهو قول الطبری، ورویت فی ذلک آثار.
منها أثر من طریق همام، عن إسحاق بن عبد اللّه بن أبی طلحة: ثنا علی بن یحیى بن خلاد عن أبیه، عن عمه هو رفاعة بن رافع أنّه سمع رسول اللّه - صلى الله علیه وآله وسلم- یقول:« إنّها لا تجوز صلاة أحدکم حتى یسبغ الوضوء کما أمره اللّه عزّ وجلّ ثمّ یغسل وجهه ویدیه إلى المرفقین ویمسح رأسه ورجلیه إلى الکعبین».
و عن إسحاق بن راهویه: ثنا عیسى بن یونس، عن الاعمش، عن عبد خیر، عن علی: «کنت أرى باطن القدمین أحق بالمسح حتى رأیت رسول اللّه - صلى الله علیه وآله وسلم- یمسح ظاهرهما».
ثمّ إنّه ذکر خبر « ویل للَاعقاب من النار» واستظهر منها أنّه یستفاد من الخبر شیء زائد على ما فی الآیة، ویکون ناسخاً لما فیها، والاخذ بالزائد واجب.
اقول: ولکن هذا الخبرعلى فرض صحّته لا یهدف إلى ما یرتئیه من وجوب الغسل[1]
ثمّ قال: وقال بعضهم: إنّه سبحانه وتعالى قال فی الرجلین:" إِلَى الْکَعْبَیْنِ" کما قال فی الایدی إِلَى الْمَرافِقِ"، دلّ على أنّ حکم الرجلین حکم الذراعین.
فأجاب عنه بقوله: لیس ذکر المرفقین والکعبین دلیلًا على وجوب غسل ذلک، لَانّه تعالى قد ذکر الوجه ولم یذکر فی مبلغه حدّاً، وکان حکمه الغسل، لکن لما أمر اللّه تعالى فی الذراعین بالغسل کان حکمهما الغسل، وإذا لم یذکر ذلک فی الرجلین وجب أن لا یکون حکمهما ما لم یذکر فیها إلّا أن یوجبه نصّ آخر.
قال علی: والحکم للنصوص لا للدعاوی والظنون. وباللّه تعالى التوفیق[2]
2- قال الامام الرازی: اختلف الناس فی مسح الرجلین وفی غسلهما، فنقل القفّال فی تفسیره عن ابن عباس وأنس بن مالک وعکرمة والشعبی وأبی جعفر محمد بن علی الباقر: أنّ الواجب فیهما المسح، وهو مذهب الامامیة من الشیعة. وقال جمهور الفقهاء والمفسرین: فرضهما الغسل، وقال داود الاصفهانی: یجب الجمع بینهما وهو قول الناصر للحق من أئمّة الزیدیة. وقال الحسن البصری ومحمد بن جریر الطبری: المکلف مخیّر بین المسح والغسل.
حجّة من قال بوجوب المسح مبنى على القراءتین المشهورتین فی قوله" وأَرْجُلَکُمْ" فقرأ ابن کثیر وحمزة وأبو عمرو وعاصم فی روایة أبی بکر عنه بالجر، وقرأ نافع وابن عامر وعاصم فی روایة حفص عنه بالنصب، فنقول: أمّا القراءة بالجر فهی تقتضی کون الارجل معطوفة على الروَوس فکما وجب المسح فی الرأس فکذلک فی الارجل.
فإن قیل: لم لا یجوز أن یقال: هذا کسر على الجوار کما فی قوله: جحر ضبّ خرب وقوله: کبیر أُناس فی بجاد مزمل.
قلنا: هذا باطل من وجوه:
الاوّل: أنّ الکسر على الجوار معدود فی اللحن الذی قد یتحمل لَاجل الضرورة فی الشعر، وکلام اللّه یجب تنزیهه عنه.
و ثانیها: أنّ الکسر إنّما یصار إلیه حیث یحصل الامن من الالتباس، کما فی قوله: جحر ضب خرب، فإنّ من المعلوم بالضرورة أنّ الخرب لا یکون نعتاً للضب بل للجحر، وفی هذه الآیة الامن من الالتباس غیر حاصل.
و ثالثها: أنّ الکسر بالجوار إنّما یکون بدون حرف العطف، وأمّا مع حرف العطف فلم تتکلم به العرب، وأمّا القراءة بالنصب فقالوا أیضاً: إنّها توجب المسح. وذلک لَانّ قوله:" وامْسَحُوا بِرُؤُسِکُمْ" فروَوسکم فی محل النصب ولکنّها مجرورة بالباء، فإذا عطفت الارجل على الروَوس جاز فی الارجل النصب عطفاً على محل الروَوس، والجر عطفاً على الظاهر، وهذا مذهب مشهور للنحاة.
إذا ثبت هذا فنقول: ظهر أنّه یجوز أن یکون عامل النصب فی قوله:" وأَرْجُلَکُمْ" هو قوله:" وامْسَحُوا" ویجوز أن یکون هو قوله:" فَاغْسِلُوا" لکن العاملان إذا اجتمعا على معمول واحد کان إعمال الاقرب أولى، فوجب أن یکون عامل النصب فی قوله" وأَرْجُلَکُمْ" هو قوله" وامْسَحُوا" فثبت أنّ قراءة" وأَرْجُلَکُمْ" بنصب اللام توجب المسح أیضاً، فهذا وجه الاستدلال بهذه الآیة على وجوب المسح. ثمّ قالوا: ولا یجوز دفع ذلک بالاخبار لَانّها بأسرها من باب الآحاد، ونسخ القرآن بخبر الواحد لا یجوز.
واعلم أنّه لا یمکن الجواب عن هذا إلّا من وجهین: أنّ الاخبار الکثیرة وردت بایجاب الغسل، والغسل مشتمل على المسح ولا ینعکس، فکان الغسل أقرب إلى الاحتیاط فوجب المصیر إلیه [3] وعلى هذا الوجه یجب القطع بأنّ غسل الرجل یقوم مقام مسحها، والثانی: أنّ فرض الرجلین محدود إلى الکعبین، والتحدید إنّما جاء فی الغسل لا فی المسح.
و القوم أجابوا عنه بوجهین: الاوّل: أنّ الکعب عبارة عن العظم الذی تحت مفصل القدم، وعلى هذا التقدیر فیجب المسح إلى ظهر القدمین.
و الثانی: أنّهم سلّموا أنّ الکعبین عبارة عن العظمین الناتئین من جانبی الساق، إلّا أنّهم التزموا أنّه یجب أن یمسح ظهور القدمین إلى هذین الموضعین، وحینئذ لا یبقى هذا السوَال[4]
3- إنّ الزمخشری لمّا سلّم بأنّ قراءة الجر تجرّه إلى القول بوجوب المسح أراد التخلّص منه بقوله:
فإن قلت: فما تصنع بقراءة الجر ودخولها فی حکم المسح؟
قلت: الارجل من بین الاعضاء الثلاثة المغسولة تغسل بصبّ الماء علیها، فکانت مظنّة للِاسراف المذموم المنهیة عنه، فعطفت على الثالث «الروَوس» الممسوح لا لتمسح ولکن لینبّه على وجوب الاقتصاد فی صبّ الماء علیها[5]
یلاحظ علیه: أنّ الوجوه والایدی مظنّة للِاسراف المذموم مثل الارجل، فلماذا نبّه على وجوب الاقتصاد فی صبّ الماء فی خصوص الارجل دون غیرهما مع کون الجمیع مظنّة للِاسراف فی صبّ الماء.
ولا یخفى أنّه تفلسف فی تفسیر الآیة بشیء تافه لا یرضى به الذوق العربی. فإنّه لو صحّ ما ذکره من الفلسفة فإنّما یصحّ فیما إذا أُمن من الالتباس لا فی مثل المقام الذی لا یوَمن منه، ویحمل ظاهر اللفظ على وجوب المسح من دون التفات لما ذکره من النکتة البدیعة![6]
لا يوجد تعليق