الجواب الاجمالي:
روى أبو عبیدة عن أبی عبد اللَّه علیه السلام قال: «... إنّ فاطمة مکثت بعد رسول اللَّه صلى الله علیه وآله خمسة وسبعین یوماً، وکان دخلها حزن شدید على أبیها، وکان جبرئیل علیه السلام یأتیها فیحسن عزاءها على أبیها، ویطیب نفسها، ویخبرها عن أبیها ومکانه، ویخبرها بما یکون بعدها فی ذریّتها، وکان علیّ علیه السلام یکتب ذلک، فهذا مصحف فاطمة»
الجواب التفصيلي:
لا شکّ أنّه کان عند فاطمة مصحف، حسبما تضافرت علیه الروایات، ولکن المصحف لیس اسماً مختصّاً بالقرآن، حتى تختص بنت المصطفى بقرآن خاصّ، وإنّما کان کتاباً فیه الملاحم والأخبار.
المصحف: من أصحف، بمعنى ما جعل فیه الصحف، وإنّما سمی المصحف مصحفاً؛ لأنّه جعل جامعاً للصحف المکتوبة بین الدفتین.
و لم یکن ذلک اللفظ علماً للقرآن فی عصر نزوله، وإنّما صار علماً له بعد رحیل رسول اللَّه صلى الله علیه وآله قال السیوطی: روى ابن أشتة فی کتاب المصاحف أنّه لمّا جمعوا القرآن فکتبوه فی الورق قال أبو بکر: التمسوا له اسماً، فقال بعضهم: السِّفْر، وقال بعضهم: المصحف؛ فانّ الحبشة یسمّونه المصحف قال: وکان أبو بکر أوّل من جمع کتاب اللَّه وسمّاه المصحف[1]
وأمّا ما هو واقع هذا الکتاب؟
فقد کشفت عنه الروایات المتضافرة عن أئمة أهل البیت، وقد جمع قسماً کبیراً منها العلّامة الشیخ مصطفى قصیر العاملی فی دراسته کتاب علیّ ومصحف فاطمة.
وإلیک بعضها:
1- روى أبو عبیدة عن أبی عبد اللَّه علیه السلام قال: «... إنّ فاطمة مکثت بعد رسول اللَّه صلى الله علیه وآله خمسة وسبعین یوماً، وکان دخلها حزن شدید على أبیها، وکان جبرئیل علیه السلام یأتیها فیحسن عزاءها على أبیها، ویطیب نفسها، ویخبرها عن أبیها ومکانه، ویخبرها بما یکون بعدها فی ذریّتها، وکان علیّ علیه السلام یکتب ذلک، فهذا مصحف فاطمة»[2]
2- روى أبو حمزة عن أبی عبد اللَّه علیه السلام قال: «مصحف فاطمة ما فیه شیء من کتاب اللَّه، وإنّما هو شیء أُلقی إلیها بعد موت أبیها صلوات اللَّه علیهما»[3]
و العجب أنّ الدسّ الإعلامی قد اتّخذ لفظ «مصحف فاطمة» ذریعة لاتّهام الشیعة بأنّ عندهم قرآناً یسمى «مصحف فاطمة»، وقد سعى غیر واحد من دعاة التفرقة إلى نشر تلک الفکرة الخاطئة بین المسلمین، ولکن خاب سعیهم؛ فإنّ للحقّ دولة، وللباطل جولة.
و لعلّ القارئ یسأل نفسه عن کون فاطمة محدَّثة تحدّثها الملائکة، کما ورد فی الروایة السابقة، غیر أنّ فاطمة علیها السلام لا تقلّ شأناً عن مریم البتول، ولا عن امرأة الخلیل، قال سبحانه:
و إذْ قالَتِ الملائکةُ یا مریمُ إنَّ اللَّهَ اصطَفاکِ وطَهَّرکِ واصطَفاکِ على نساءِ العالَمین[4]
إلى غیر ذلک من الآیات الواردة فی سورتی آل عمران، ومریم.
و هذه امرأة إبراهیم تسمع کلام الملک، یقول سبحانه:
و لَقدْ جاءتْ رُسلُنا إبراهیمَ بالبُشرى.. وامرأتُهُ قائمةٌ فضَحِکَتْ فَبشَّرناها بإسحقَ ومن وراءِ إسحقَ یَعقوب*قالَتْ یا ویلتَى أألِدُ وأنا عَجوزٌ وهذا بَعْلی شَیخاً إنّ هذا لَشیءٌ عَجیب* قالُوا أتَعجَبینَ مِنْ أمرِ اللَّهِ رحمتُ اللَّهِ وبرکاتُهُ عَلیکُمْ أهلَ البَیتِ إنَّهُ حَمیدٌ مَجیدٌ[5]
فإذا کانت مریم وامرأة الخلیل محدّثتین، ففاطمة سیدة نساء العالمین أولى بأن تکون محدّثة.
و لأجل إیقاف القارئ على أنّ (المحدَّث) أمر ممّا اتّفق علیه الأعلام نبحث عنه على وجه الإیجاز:
المُحَدّث فی الإسلام:
المحدَّث- بصیغة المفعول-: مَن تکلّمه الملائکة بلا نبوّة ولا رؤیة صورة، أو یلهم له ویلقى فی روعه شیء من العلم على وجه الإلهام والمکاشفة من المبدأ الأعلى، أو ینکت له فی قلبه من حقائق تخفى على غیره.
المحدّث بهذا المعنى ممن اتفق علیه الفریقان: الشیعة والسنّة، ولو کان هناک خلاف فإنّما هو فی مصداقه.
وقبل ذلک نجد المحدّث فی الأُمم السالفة؛ فهذا صاحب موسى کان محدّثاً، فقد أخبره عن مصیر السفینة والغلام والجدار على وجه جاء فی سورة الکهف[6] فهو لم یکن نبیّاً، ولکنّه کان عارفاً بما سیحدث، وقد عرفه بإحدى الطرق المذکورة.
وهذه مریم البتول، کانت الملائکة تکلّمها وتحدّثها ولم تکن نبیّة، قال سبحانه:
و إذْ قالَتِ الملائکةُ یا مریمُ إنَّ اللَّهَ اصطَفاکِ وطَهَّرکِ واصطَفاکِ على نساءِ العالَمین»[7]
وقال سبحانه: إذ قالَتِ الملائکةُ یا مریمُ إنّ اللَّهَ یبشِّرُکِ بِکَلِمةٍ منهُ اسمُهُ المسیحُ عِیسى ابنُ مریمَ وَجیهاً فی الدُّنیا والآخرةِ ومِنَ المُقرَّبِینَ[8]
وهذه أُمّ موسى یلقى فی روعها ویوحى إلیها ولم تکن نبیّة، قال سبحانه:
و أوحینا إلى أُمّ موسى أنْ أرضِعیهِ فإذا خِفتِ عَلیهِ فَألقیهِ فی الیَمِّ ولا تخافی ولا تَحزنی إنّا رادُّوهُ إلَیکِ وجاعِلوهُ مِنَ المُرسَلین[9]
وأمّا السنّة النبویة ففیها تصریح بأنّ فی الأُمّة الإسلامیة- نظیر الأُمم السالفة- رجالًا یکلّمون من دون أن یکونوا أنبیاء؛ وإلیک بعض هذه النصوص:
1- أخرج البخاری فی صحیحه عن أبی هریرة قال: قال النبیّ: «لقد کان فیمن کان قبلکم من بنی إسرائیل رجال یکلّمون من غیر أن یکونوا أنبیاء فإن یکن من أُمّتی منهم أحد فعمر بن الخطاب»[10]
2- أخرج البخاری عن أبی هریرة مرفوعاً «أنّه قد کان فیما مضى قبلکم من الأُمم محدّثون، إن کان فی أُمّتی هذه منهم فإنّه عمر بن الخطاب»[11]
قال القسطلانی فی شرح الحدیث: یجری علىألسنتهم الصواب من غیر نبوّة.
و قال الخطّابی: یلقى الشیء فی روعه فکأنّه قد حُدّث به، یظنّ فیصیب، ویخطر الشیء بباله فیکون. وهی منزلة رفیعة من منازل الأولیاء[12]
3- أخرج مسلم فی صحیحه عن عائشة عن النبیّ صلى الله علیه وآله: «قد کان فی الأُمم قبلکم مُحدّثون فإن یکن فی أُمّتی منهم أحد فإنّ عمر بن الخطّاب منهم»، قال ابن وهب: تفسیر «محدّثون» ملهَمون.
قال النووی فی شرح صحیح مسلم: اختلف العلماء فی تفسیر المراد ب «محدَّثون» فقال ابن وهب: ملهَمون، وقیل: مصیبون إذا ظنّوا، فکأنّهم حدّثوا بشیء فظنّوه، وقیل تکلّمهم الملائکة، وجاء فی روایة «مکلَّمون» وقال البخاری: یجری الصواب على ألسنتهم، وفیه کرامات الأولیاء[13]
و من راجع شروح الصحیحین یجد نظیر هذه الکلمات بوفرة؛ والرأی السائد فی تفسیر المحدّث هو تکلیم الملائکة أو الإلقاء فی الروع. هذا ما لدى السنّة.
روایات الشیعة حول المحدَّث:
و أمّا الشیعة، فعندهم أخبار عن أئمتهم تصرّح بأنّهم محدّثون وفی الوقت نفسه لیسوا بأنبیاء، فقد روى الکلینی فی باب الفرق بین الرسول والنبیّ والمحدّث أحادیث أربعة:
قال: «المحدّث الذی یسمع الصوت ولا یرى الصورة».
و فی روایة أُخرى: سألته عن الإمام ما منزلته؟ قال: «یسمع الصوت ولا یرى ولا یعاین الملک».
إلى غیر ذلک من الروایات المصرّحة بأنّ الأئمة الاثنی عشر محدَّثون[14]
روى الصفّار فی بصائر الدرجات عن برید: قلت لأبی جعفر وأبی عبد اللَّه علیهما السلام: ما منزلتکم بمن تُشَبَّهون ممّن مضى؟ فقال: «کصاحب موسى وذی القرنین کانا عالمین ولم یکونا نبیّین»[15]
هذا ما لدى الفریقین. وبذلک یُعْلَم أنّ الإخبار عن الغیب بإذن من اللَّه سبحانه لایلازم کون المخبر نبیاً، وأنّ تَکَلُّم الملائکة مع إنسان لا یصلح دلیلًا على کونه مبعوثاً من اللَّه سبحانه للنبوّة.
و لو اعتمدت الشیعة على علم الأئمة فلکونهم وارثین لعلم النبیّ، ووارثین لما عند علیّ من الکتب التی کتبها بإملاء من رسول اللَّه، أو محدَّثین تلقى فی روعهم الإجابات على الأسئلة، فلا یدلّ على أنّهم أنبیاء، ومن نسبهم إلى تلک الفریة الشائنة بحجة إخبارهم عن الملاحم، فقد ضلّ عن سواء السبیل، ولم یفرّق بین النبوّة والرسالة والتحدّث[16]
المصحف: من أصحف، بمعنى ما جعل فیه الصحف، وإنّما سمی المصحف مصحفاً؛ لأنّه جعل جامعاً للصحف المکتوبة بین الدفتین.
و لم یکن ذلک اللفظ علماً للقرآن فی عصر نزوله، وإنّما صار علماً له بعد رحیل رسول اللَّه صلى الله علیه وآله قال السیوطی: روى ابن أشتة فی کتاب المصاحف أنّه لمّا جمعوا القرآن فکتبوه فی الورق قال أبو بکر: التمسوا له اسماً، فقال بعضهم: السِّفْر، وقال بعضهم: المصحف؛ فانّ الحبشة یسمّونه المصحف قال: وکان أبو بکر أوّل من جمع کتاب اللَّه وسمّاه المصحف[1]
وأمّا ما هو واقع هذا الکتاب؟
فقد کشفت عنه الروایات المتضافرة عن أئمة أهل البیت، وقد جمع قسماً کبیراً منها العلّامة الشیخ مصطفى قصیر العاملی فی دراسته کتاب علیّ ومصحف فاطمة.
وإلیک بعضها:
1- روى أبو عبیدة عن أبی عبد اللَّه علیه السلام قال: «... إنّ فاطمة مکثت بعد رسول اللَّه صلى الله علیه وآله خمسة وسبعین یوماً، وکان دخلها حزن شدید على أبیها، وکان جبرئیل علیه السلام یأتیها فیحسن عزاءها على أبیها، ویطیب نفسها، ویخبرها عن أبیها ومکانه، ویخبرها بما یکون بعدها فی ذریّتها، وکان علیّ علیه السلام یکتب ذلک، فهذا مصحف فاطمة»[2]
2- روى أبو حمزة عن أبی عبد اللَّه علیه السلام قال: «مصحف فاطمة ما فیه شیء من کتاب اللَّه، وإنّما هو شیء أُلقی إلیها بعد موت أبیها صلوات اللَّه علیهما»[3]
و العجب أنّ الدسّ الإعلامی قد اتّخذ لفظ «مصحف فاطمة» ذریعة لاتّهام الشیعة بأنّ عندهم قرآناً یسمى «مصحف فاطمة»، وقد سعى غیر واحد من دعاة التفرقة إلى نشر تلک الفکرة الخاطئة بین المسلمین، ولکن خاب سعیهم؛ فإنّ للحقّ دولة، وللباطل جولة.
و لعلّ القارئ یسأل نفسه عن کون فاطمة محدَّثة تحدّثها الملائکة، کما ورد فی الروایة السابقة، غیر أنّ فاطمة علیها السلام لا تقلّ شأناً عن مریم البتول، ولا عن امرأة الخلیل، قال سبحانه:
و إذْ قالَتِ الملائکةُ یا مریمُ إنَّ اللَّهَ اصطَفاکِ وطَهَّرکِ واصطَفاکِ على نساءِ العالَمین[4]
إلى غیر ذلک من الآیات الواردة فی سورتی آل عمران، ومریم.
و هذه امرأة إبراهیم تسمع کلام الملک، یقول سبحانه:
و لَقدْ جاءتْ رُسلُنا إبراهیمَ بالبُشرى.. وامرأتُهُ قائمةٌ فضَحِکَتْ فَبشَّرناها بإسحقَ ومن وراءِ إسحقَ یَعقوب*قالَتْ یا ویلتَى أألِدُ وأنا عَجوزٌ وهذا بَعْلی شَیخاً إنّ هذا لَشیءٌ عَجیب* قالُوا أتَعجَبینَ مِنْ أمرِ اللَّهِ رحمتُ اللَّهِ وبرکاتُهُ عَلیکُمْ أهلَ البَیتِ إنَّهُ حَمیدٌ مَجیدٌ[5]
فإذا کانت مریم وامرأة الخلیل محدّثتین، ففاطمة سیدة نساء العالمین أولى بأن تکون محدّثة.
و لأجل إیقاف القارئ على أنّ (المحدَّث) أمر ممّا اتّفق علیه الأعلام نبحث عنه على وجه الإیجاز:
المُحَدّث فی الإسلام:
المحدَّث- بصیغة المفعول-: مَن تکلّمه الملائکة بلا نبوّة ولا رؤیة صورة، أو یلهم له ویلقى فی روعه شیء من العلم على وجه الإلهام والمکاشفة من المبدأ الأعلى، أو ینکت له فی قلبه من حقائق تخفى على غیره.
المحدّث بهذا المعنى ممن اتفق علیه الفریقان: الشیعة والسنّة، ولو کان هناک خلاف فإنّما هو فی مصداقه.
وقبل ذلک نجد المحدّث فی الأُمم السالفة؛ فهذا صاحب موسى کان محدّثاً، فقد أخبره عن مصیر السفینة والغلام والجدار على وجه جاء فی سورة الکهف[6] فهو لم یکن نبیّاً، ولکنّه کان عارفاً بما سیحدث، وقد عرفه بإحدى الطرق المذکورة.
وهذه مریم البتول، کانت الملائکة تکلّمها وتحدّثها ولم تکن نبیّة، قال سبحانه:
و إذْ قالَتِ الملائکةُ یا مریمُ إنَّ اللَّهَ اصطَفاکِ وطَهَّرکِ واصطَفاکِ على نساءِ العالَمین»[7]
وقال سبحانه: إذ قالَتِ الملائکةُ یا مریمُ إنّ اللَّهَ یبشِّرُکِ بِکَلِمةٍ منهُ اسمُهُ المسیحُ عِیسى ابنُ مریمَ وَجیهاً فی الدُّنیا والآخرةِ ومِنَ المُقرَّبِینَ[8]
وهذه أُمّ موسى یلقى فی روعها ویوحى إلیها ولم تکن نبیّة، قال سبحانه:
و أوحینا إلى أُمّ موسى أنْ أرضِعیهِ فإذا خِفتِ عَلیهِ فَألقیهِ فی الیَمِّ ولا تخافی ولا تَحزنی إنّا رادُّوهُ إلَیکِ وجاعِلوهُ مِنَ المُرسَلین[9]
وأمّا السنّة النبویة ففیها تصریح بأنّ فی الأُمّة الإسلامیة- نظیر الأُمم السالفة- رجالًا یکلّمون من دون أن یکونوا أنبیاء؛ وإلیک بعض هذه النصوص:
1- أخرج البخاری فی صحیحه عن أبی هریرة قال: قال النبیّ: «لقد کان فیمن کان قبلکم من بنی إسرائیل رجال یکلّمون من غیر أن یکونوا أنبیاء فإن یکن من أُمّتی منهم أحد فعمر بن الخطاب»[10]
2- أخرج البخاری عن أبی هریرة مرفوعاً «أنّه قد کان فیما مضى قبلکم من الأُمم محدّثون، إن کان فی أُمّتی هذه منهم فإنّه عمر بن الخطاب»[11]
قال القسطلانی فی شرح الحدیث: یجری علىألسنتهم الصواب من غیر نبوّة.
و قال الخطّابی: یلقى الشیء فی روعه فکأنّه قد حُدّث به، یظنّ فیصیب، ویخطر الشیء بباله فیکون. وهی منزلة رفیعة من منازل الأولیاء[12]
3- أخرج مسلم فی صحیحه عن عائشة عن النبیّ صلى الله علیه وآله: «قد کان فی الأُمم قبلکم مُحدّثون فإن یکن فی أُمّتی منهم أحد فإنّ عمر بن الخطّاب منهم»، قال ابن وهب: تفسیر «محدّثون» ملهَمون.
قال النووی فی شرح صحیح مسلم: اختلف العلماء فی تفسیر المراد ب «محدَّثون» فقال ابن وهب: ملهَمون، وقیل: مصیبون إذا ظنّوا، فکأنّهم حدّثوا بشیء فظنّوه، وقیل تکلّمهم الملائکة، وجاء فی روایة «مکلَّمون» وقال البخاری: یجری الصواب على ألسنتهم، وفیه کرامات الأولیاء[13]
و من راجع شروح الصحیحین یجد نظیر هذه الکلمات بوفرة؛ والرأی السائد فی تفسیر المحدّث هو تکلیم الملائکة أو الإلقاء فی الروع. هذا ما لدى السنّة.
روایات الشیعة حول المحدَّث:
و أمّا الشیعة، فعندهم أخبار عن أئمتهم تصرّح بأنّهم محدّثون وفی الوقت نفسه لیسوا بأنبیاء، فقد روى الکلینی فی باب الفرق بین الرسول والنبیّ والمحدّث أحادیث أربعة:
قال: «المحدّث الذی یسمع الصوت ولا یرى الصورة».
و فی روایة أُخرى: سألته عن الإمام ما منزلته؟ قال: «یسمع الصوت ولا یرى ولا یعاین الملک».
إلى غیر ذلک من الروایات المصرّحة بأنّ الأئمة الاثنی عشر محدَّثون[14]
روى الصفّار فی بصائر الدرجات عن برید: قلت لأبی جعفر وأبی عبد اللَّه علیهما السلام: ما منزلتکم بمن تُشَبَّهون ممّن مضى؟ فقال: «کصاحب موسى وذی القرنین کانا عالمین ولم یکونا نبیّین»[15]
هذا ما لدى الفریقین. وبذلک یُعْلَم أنّ الإخبار عن الغیب بإذن من اللَّه سبحانه لایلازم کون المخبر نبیاً، وأنّ تَکَلُّم الملائکة مع إنسان لا یصلح دلیلًا على کونه مبعوثاً من اللَّه سبحانه للنبوّة.
و لو اعتمدت الشیعة على علم الأئمة فلکونهم وارثین لعلم النبیّ، ووارثین لما عند علیّ من الکتب التی کتبها بإملاء من رسول اللَّه، أو محدَّثین تلقى فی روعهم الإجابات على الأسئلة، فلا یدلّ على أنّهم أنبیاء، ومن نسبهم إلى تلک الفریة الشائنة بحجة إخبارهم عن الملاحم، فقد ضلّ عن سواء السبیل، ولم یفرّق بین النبوّة والرسالة والتحدّث[16]
لا يوجد تعليق