الجواب الاجمالي:
إنّ هذه الفکرة تسرّبت إلى المسلمین من المتظاهرین بالإسلام، کالأحبار والرهبان، وصار ذلک سبباً لجرأة طوائف من المسلمین على جعلها فی ضمن العقیدة الإسلامیة، بحیث یُکفّر منکرها أحیاناً أو یفسق، وصارت تلک العقیدة
راسخة فی القرنین الثانی والثالث بین المسلمین
الجواب التفصيلي:
کانت فکرة الرّؤیة من تعالیم العهد القدیم (تورات) بحیث فیه التّصریح برؤیة الرّب والیک بعض ما ورد فیه من التصریح برؤیة الرب:
1- وقال (الرب): لا تقدر أن ترى وجهی؛ لأنّ الإنسان لا یرانی ویعیش.
و قال الرب: هو ذا عندی مکان فتقفُ على الصخرة، ویکون من اجتاز مجدی انی أضعک فی نقرة من الصخرة وأسترک بیدی حتى اجتاز ثمّ أرفعُ یدی فتنظر ورائی، وأما وجهی فلا یرى[1]
وعلى هذا فالربّ یُرى قفاه ولا یُرى وجهه!
2- رأیت السید جالساً على کرسی عال ... فقلت: ویل لی لأن عینیّ قد رأتا الملک ربّ الجنود[2]
والمقصود من السید هو اللَّه جلّ ذکره.
3- کنت أرى أنه وضعتْ عروش، وجلس القدیم الأیام، لباسه أبیض کالثلج، وشعر رأسه کالصوف النقی، وعرشه لهیب نار[3]
4- أما أنا فبالبرّ أنظر وجهک[4]
5- فقال منوح لامرأته: نموت موتاً لأننا قد رأینا اللَّه[5]
6- فغضب الربّ على سلیمان، لأنّ قلبه مال عن الرب، إله إسرائیل الذی تراءى له مرّتین[6]
7- وقد رأیت الرب جالساً على کرسیّه، وکل جند البحار وقوف لدیه[7]
8- کان فی سنة الثلاثین فی الشهر الرابع فی الخامس من الشهر، وأنا بین المسبیّین عند نهر خابور، أن السماوات انفتحت فرأیت رؤى اللَّه - إلى أن قال:- هذا منظر شبه مجد الرب، ولما رأیته خررت على وجهی وسمعت صوت متکلم[8]
إنّ هذه الفکرة تسرّبت إلى المسلمین من المتظاهرین بالإسلام، کالأحبار والرهبان، وصار ذلک سبباً لجرأة طوائف من المسلمین على جعلها فی ضمن العقیدة الإسلامیة، بحیث یُکفّر منکرها أحیاناً أو یفسق، وصارت تلک العقیدة راسخة فی القرنین الثانی والثالث بین المسلمین.
لمّا انتشر الإسلام فی الجزیرة العربیة، ودخل الناس فی الإسلام زرافاتٍ ووحدانا، لم یجد الیهود والنصارى المتواجدون فیها محیصاً إلّا الإستسلام، فدخلوا فیه متظاهرین به، غیر معتقدین غالباً إلّا من شملتهم العنایة الإلهیة منهم وکانوا قلیلین، ولکن الأغلبیة الساحقة منهم خصوصاً الأحبار والرهبان بقوا على ما کانوا علیه من العقائد السابقة.
و بما أنّهم کانوا من أهل الکتاب عارفین بما فی العهدین من القصص والحکایات والأُصول والعقائد، عمِدوا إلى نشرها بین المسلمین بخداع خاصّ، وبطریقة تعلیمیّة، ولما کانت السذاجة تغلب على عامة المسلمین لذا تلقوهم کعلماء ربانیین، یحملون العلم، فأخذوا ما یلقونه إلیهم بقلبٍ واعٍ ونیّة صادقة، وبالتالی نشر هؤلاء فی هذا الجوّ المساعد کلّ ما عندهم من القصص الإنحرافیة والعقائد الباطلة، خصوصاً فیما یرجع إلى التّجسیم والتّشبیه وتصغیر شأن الأنبیاء فی أنظار المسلمین، بإسناد المعاصی الموبقة إلیهم، والتّرکیز على القدر وسیادته فی الکون على کلّ شیء، حتى على إرادة اللَّه سبحانه ومشیئته. ولم تکن رؤیة اللَّه بأقلّ مما سبق فی ترکیزهم علیها.
فما ترى فی کتب الحدیث قدیماً وحدیثاً من الأخبار الکثیرة حول التجسیم، والتشبیه، والقدر السالب للاختیار والرؤیة ونسبة المعاصی إلى الأنبیاء، فکلّ ذلک من آفات المستسلمة من الیهود والنصارى. فقد حسبها المسلمون حقائق راهنة وقصِصاً صادقة فتلقّوها بقبول حسن نشرها السلف بین الخلف، ودام الأمر على ذلک.
و من العوامل التی فسحت المجال للأحبار والرهبان لنشر ما فی العهدین بین المسلمین، النهی عن تدوین حدیث الرسول صلى الله علیه وآله ونشره ونقله والتحدّث به أکثر من مائة سنة، فأوجد الفراغ الذی خلفه هذا العمل أرضیة مناسبة لظهور بدع یهودیة ونصرانیة وسخافات مسیحیة وأساطیر یهودیة، خصوصاً من قبل الکهنة والرهبان.
فقد کان التحدّث بحدیث الرسول صلى الله علیه وآله أمراً مکروهاً، بل محظوراً من قبل الخلفاء إلى عصر عمر بن عبد العزیز (19- 101 ه)، بل إلى عصر المنصور العباسی (143 ه)، ولکن کان المجال للتحدّث بالأساطیر من قبل هؤلاء أمراً مسموحاً به، فهذا هو تمیم بن أوس الداری من رواة الأساطیر، وقد أسلم سنة تسع للهجرة، وهو أول من قصّ بین المسلمین واستأذن عمر أن یقصّ على الناس قائماً، فأذن له، وکان یسکن المدینة ثمّ انتقل إلى الشام بعد قتل عثمان[9]
و لمّا سَمِحت الظروف لمثل هذا الکتابی أن یتحدّث بما تعلّم فی حیاته السابقة ومنع من أراد التحدّث بحدیث الرسول، لذا کان المجال خصباً لنشر الأساطیر والعقائد الخرافیة.
یقول الشهرستانی: وضع کثیر من الیهود الذین اعتنقوا الإسلام أحادیثَ متعددة فی مسائل التجسیم والتشبیه وکلها مستمدّة من التوراة[10]
و هذا هو المقدسی یتکلم عن وجود هذه العقائد بین عرب الجاهلیة، یقول: وکان فیهم من کلّ ملة ودین، وکانت الزندقة والتعطیل فی قریش، والمزدکیة والمجوسیة فی تمیم، والیهودیة والنصرانیة فی غسان، وعبادة الأوثان فی سائرهم[11]
قال ابن خلدون: انّ العرب لم یکونوا أهلَ کتاب ولا علم وإنّما غلبت علیهم البداوة والأُمیّة، وإذا تشوّقوا إلى معرفة شیء ممّا تتوقّ إلیه النفوس البشریة فی أسباب المکوَّنات وبدء الخلیقة وأسرار الوجود فإنّما یسألون عنه أهلَ الکتاب قبلهم، ویستفیدونه منهم، وهم أهل التوراة من الیهود ومن تبع دینهم من النصارى، مثل کعب الأحبار ووهب بن منبه وعبد اللَّه بن سلام وأمثالهم، فامتلأت التفاسیر من المنقولات عندهم وتساهلَ المفسّرون فی مثل ذلک وملأوا کتب التفسیر بهذه المنقولات، وأصلها کلّها کما قلنا من التوراة أو ممّا کانوا یفترون.[12]
کعب الأحبار هو من اکابر الأحبار الیهود الذین تظاهرو بالاسلام ، کان یرکّز على فکرتین یهودیّتین:
الأُولى فکرة التجسیم، والثانیة رؤیة اللَّه تعالى.
یقول عن الفکرة الأُولى: انّ اللَّه تعالى نظر إلى الأرض فقال: إنّی واطئ على بعضک، فاستعلت إلیه الجبال، وتضعضعت له الصخرة، فشکر لها ذلک، فوضع علیها قدمه فقال: هذا مقامی ومحشر خلقی، وهذه جنّتی وهذه ناری، وهذا موضع میزانی، وأنا دیّان الدین.[13]
ففی هذه الکلمة الصادرة عن هذا الحبر تصریح على تجسیمه تعالى أولًا، وترکیز على انّ الجنة والنار والمیزان ستکون على هذه الأرض، ومرکز سلطانها سیکون على الصخرة، وهذا من صمیم الدین الیهودی المحرّف.
کما أنه رکّز على الرؤیة، حیث أشاع فکرة التقسیم، فقال: إنّ اللَّه تعالى قسّم کلامه ورؤیته بین موسى ومحمّد (ص)،[14] وعنه انتشرت هذه الفکرة، أی فکرة التقسیم بین المسلمین.
و لو أردنا أن ننقل کلمات المحققین حول الخسارة التی أحدثها الیهود والنصارى لطال بنا الکلام وطال مقالنا مع القرّاء. [15]
1- وقال (الرب): لا تقدر أن ترى وجهی؛ لأنّ الإنسان لا یرانی ویعیش.
و قال الرب: هو ذا عندی مکان فتقفُ على الصخرة، ویکون من اجتاز مجدی انی أضعک فی نقرة من الصخرة وأسترک بیدی حتى اجتاز ثمّ أرفعُ یدی فتنظر ورائی، وأما وجهی فلا یرى[1]
وعلى هذا فالربّ یُرى قفاه ولا یُرى وجهه!
2- رأیت السید جالساً على کرسی عال ... فقلت: ویل لی لأن عینیّ قد رأتا الملک ربّ الجنود[2]
والمقصود من السید هو اللَّه جلّ ذکره.
3- کنت أرى أنه وضعتْ عروش، وجلس القدیم الأیام، لباسه أبیض کالثلج، وشعر رأسه کالصوف النقی، وعرشه لهیب نار[3]
4- أما أنا فبالبرّ أنظر وجهک[4]
5- فقال منوح لامرأته: نموت موتاً لأننا قد رأینا اللَّه[5]
6- فغضب الربّ على سلیمان، لأنّ قلبه مال عن الرب، إله إسرائیل الذی تراءى له مرّتین[6]
7- وقد رأیت الرب جالساً على کرسیّه، وکل جند البحار وقوف لدیه[7]
8- کان فی سنة الثلاثین فی الشهر الرابع فی الخامس من الشهر، وأنا بین المسبیّین عند نهر خابور، أن السماوات انفتحت فرأیت رؤى اللَّه - إلى أن قال:- هذا منظر شبه مجد الرب، ولما رأیته خررت على وجهی وسمعت صوت متکلم[8]
إنّ هذه الفکرة تسرّبت إلى المسلمین من المتظاهرین بالإسلام، کالأحبار والرهبان، وصار ذلک سبباً لجرأة طوائف من المسلمین على جعلها فی ضمن العقیدة الإسلامیة، بحیث یُکفّر منکرها أحیاناً أو یفسق، وصارت تلک العقیدة راسخة فی القرنین الثانی والثالث بین المسلمین.
لمّا انتشر الإسلام فی الجزیرة العربیة، ودخل الناس فی الإسلام زرافاتٍ ووحدانا، لم یجد الیهود والنصارى المتواجدون فیها محیصاً إلّا الإستسلام، فدخلوا فیه متظاهرین به، غیر معتقدین غالباً إلّا من شملتهم العنایة الإلهیة منهم وکانوا قلیلین، ولکن الأغلبیة الساحقة منهم خصوصاً الأحبار والرهبان بقوا على ما کانوا علیه من العقائد السابقة.
و بما أنّهم کانوا من أهل الکتاب عارفین بما فی العهدین من القصص والحکایات والأُصول والعقائد، عمِدوا إلى نشرها بین المسلمین بخداع خاصّ، وبطریقة تعلیمیّة، ولما کانت السذاجة تغلب على عامة المسلمین لذا تلقوهم کعلماء ربانیین، یحملون العلم، فأخذوا ما یلقونه إلیهم بقلبٍ واعٍ ونیّة صادقة، وبالتالی نشر هؤلاء فی هذا الجوّ المساعد کلّ ما عندهم من القصص الإنحرافیة والعقائد الباطلة، خصوصاً فیما یرجع إلى التّجسیم والتّشبیه وتصغیر شأن الأنبیاء فی أنظار المسلمین، بإسناد المعاصی الموبقة إلیهم، والتّرکیز على القدر وسیادته فی الکون على کلّ شیء، حتى على إرادة اللَّه سبحانه ومشیئته. ولم تکن رؤیة اللَّه بأقلّ مما سبق فی ترکیزهم علیها.
فما ترى فی کتب الحدیث قدیماً وحدیثاً من الأخبار الکثیرة حول التجسیم، والتشبیه، والقدر السالب للاختیار والرؤیة ونسبة المعاصی إلى الأنبیاء، فکلّ ذلک من آفات المستسلمة من الیهود والنصارى. فقد حسبها المسلمون حقائق راهنة وقصِصاً صادقة فتلقّوها بقبول حسن نشرها السلف بین الخلف، ودام الأمر على ذلک.
و من العوامل التی فسحت المجال للأحبار والرهبان لنشر ما فی العهدین بین المسلمین، النهی عن تدوین حدیث الرسول صلى الله علیه وآله ونشره ونقله والتحدّث به أکثر من مائة سنة، فأوجد الفراغ الذی خلفه هذا العمل أرضیة مناسبة لظهور بدع یهودیة ونصرانیة وسخافات مسیحیة وأساطیر یهودیة، خصوصاً من قبل الکهنة والرهبان.
فقد کان التحدّث بحدیث الرسول صلى الله علیه وآله أمراً مکروهاً، بل محظوراً من قبل الخلفاء إلى عصر عمر بن عبد العزیز (19- 101 ه)، بل إلى عصر المنصور العباسی (143 ه)، ولکن کان المجال للتحدّث بالأساطیر من قبل هؤلاء أمراً مسموحاً به، فهذا هو تمیم بن أوس الداری من رواة الأساطیر، وقد أسلم سنة تسع للهجرة، وهو أول من قصّ بین المسلمین واستأذن عمر أن یقصّ على الناس قائماً، فأذن له، وکان یسکن المدینة ثمّ انتقل إلى الشام بعد قتل عثمان[9]
و لمّا سَمِحت الظروف لمثل هذا الکتابی أن یتحدّث بما تعلّم فی حیاته السابقة ومنع من أراد التحدّث بحدیث الرسول، لذا کان المجال خصباً لنشر الأساطیر والعقائد الخرافیة.
یقول الشهرستانی: وضع کثیر من الیهود الذین اعتنقوا الإسلام أحادیثَ متعددة فی مسائل التجسیم والتشبیه وکلها مستمدّة من التوراة[10]
و هذا هو المقدسی یتکلم عن وجود هذه العقائد بین عرب الجاهلیة، یقول: وکان فیهم من کلّ ملة ودین، وکانت الزندقة والتعطیل فی قریش، والمزدکیة والمجوسیة فی تمیم، والیهودیة والنصرانیة فی غسان، وعبادة الأوثان فی سائرهم[11]
قال ابن خلدون: انّ العرب لم یکونوا أهلَ کتاب ولا علم وإنّما غلبت علیهم البداوة والأُمیّة، وإذا تشوّقوا إلى معرفة شیء ممّا تتوقّ إلیه النفوس البشریة فی أسباب المکوَّنات وبدء الخلیقة وأسرار الوجود فإنّما یسألون عنه أهلَ الکتاب قبلهم، ویستفیدونه منهم، وهم أهل التوراة من الیهود ومن تبع دینهم من النصارى، مثل کعب الأحبار ووهب بن منبه وعبد اللَّه بن سلام وأمثالهم، فامتلأت التفاسیر من المنقولات عندهم وتساهلَ المفسّرون فی مثل ذلک وملأوا کتب التفسیر بهذه المنقولات، وأصلها کلّها کما قلنا من التوراة أو ممّا کانوا یفترون.[12]
کعب الأحبار هو من اکابر الأحبار الیهود الذین تظاهرو بالاسلام ، کان یرکّز على فکرتین یهودیّتین:
الأُولى فکرة التجسیم، والثانیة رؤیة اللَّه تعالى.
یقول عن الفکرة الأُولى: انّ اللَّه تعالى نظر إلى الأرض فقال: إنّی واطئ على بعضک، فاستعلت إلیه الجبال، وتضعضعت له الصخرة، فشکر لها ذلک، فوضع علیها قدمه فقال: هذا مقامی ومحشر خلقی، وهذه جنّتی وهذه ناری، وهذا موضع میزانی، وأنا دیّان الدین.[13]
ففی هذه الکلمة الصادرة عن هذا الحبر تصریح على تجسیمه تعالى أولًا، وترکیز على انّ الجنة والنار والمیزان ستکون على هذه الأرض، ومرکز سلطانها سیکون على الصخرة، وهذا من صمیم الدین الیهودی المحرّف.
کما أنه رکّز على الرؤیة، حیث أشاع فکرة التقسیم، فقال: إنّ اللَّه تعالى قسّم کلامه ورؤیته بین موسى ومحمّد (ص)،[14] وعنه انتشرت هذه الفکرة، أی فکرة التقسیم بین المسلمین.
و لو أردنا أن ننقل کلمات المحققین حول الخسارة التی أحدثها الیهود والنصارى لطال بنا الکلام وطال مقالنا مع القرّاء. [15]
لا يوجد تعليق