الجواب الاجمالي:
الجواب التفصيلي:
إنّ الرؤیة فی منطق العلم والعقل لا تتحقّق إلّا إذا کان الشیء مقابلًا أو حالّاً فی المقابل من غیر فرق بین تفسیرها حسبَ رأی القدماء أو حسب العلم الحدیث، فإنّ القدماء کانوا یفسّرون الرؤیة على النحو التالی:
خروج الشعاع من العین و سقوطه على الأشیاء ثمّ انعکاسه عن الأشیاء و رجوعه إلى العین لکی تتحقّق الرؤیة.
ولکن العلم الحدیث کشف بطلان هذا التفسیر و قال: إنّها صدور الأشعة من الأشیاء و دخولها إلى العین عن طریق عدستها و سقوطها على شبکیّة العین فتُحقّق الرؤیة.
وعلى کلّ تقدیر فالضرورة قاضیة على أنّ الإبصار بالعین متوقّف على حصول المقابلة بین العین والمرئی أو حکم المقابلة، کما فی رؤیة الصور فی المرآة.
وهذا أمر تحکم به الضرورة و إنکاره مکابرة واضحة، فإذا کانت ماهیّة الرؤیة هی ما ذکرناه فلا یمکن تحقّقها فیما اذا تنزّه الشیء عن المقابلة أو الحلول فی المقابل.
و بعبارة واضحة: أنّ العقل والنقل اتّفقا على کونه سبحانه لیس بجسم و لا جسمانی و لا فی جهة، و الرؤیة فرع کون الشیء فی جهة خاصة، و ما شأنه هذا لا یتعلّق إلّا بالمحسوس لا بالمجرّد.
ثمّ إنّ الرازی أراد الخدش فی هذا الأمر البدیهی ولکنّه رجع خائباً، و اعترض على هذا الاستدلال بوجهین:
الأوّل: أنّ ادّعاء الضرورة و البداهة على امتناع رؤیة الموجود المنزّه عن المکان و الجهة أمر باطل، لأنّه لو کان بدیهیاً لکان متّفقاً علیه بین العقلاء، و هذا غیر متّفق علیه بینهم، فلا یکون بدیهیاً، و لذلک لو عرضنا قضیّة أنّ الواحد نصف الاثنین لا یختلف فیه اثنان، و لیست القضیّة الأُولى فی البداهة فی قوّة القضیّة الثانیة[1]
یلاحظ علیه: بأنّه خفى على الرازی بأنّ للبداهة مراتب مختلفة، فکون نور القمر مستفاداً من الشمس قضیّة بدیهیة، و لکن أینَ هذه البداهة من بداهة قولنا: الواحد نصف الاثنین، أضف إلى ذلک أنّ العقلاء متّفقون على لزوم المقابلة أو حکمها على تحقّق الرؤیة، و إنّما خالف فیه أمثال من خالف القضایا البدیهیة کالسوفسطائیّین، حیث ارتابوا فی وجودهم و علومهم و أفعالهم مع أنّهم کانوا یُعدّون من الطبقات العلیا فی المجتمع الیونانی.
الثانی: أنّ المقابلة شرط فی الرؤیة فی الشاهد، فلمَ قلتم إنّه فی الغائب کذلک.
و تحقیقه هو أنّ ذات اللَّه تعالى مخالفة بالحقیقة و الماهیة لهذه الحوادث، و المختلفات فی الماهیة لا یجب استواؤها فی اللوازم، فلم یلزم من کون الادراک واجباً فی الشاهد عن حضور هذه الشرائط، کونه واجباً فی الغائب عند حضورها[2]
هذا کلامه فی کتاب الأربعین، و یقول فی تفسیره: ألم تعلموا إنّ ذاته تعالى مخالفة لسائر الذوات، و لا یلزم من ثبوت حکم فی شیء ثبوت مثل ذلک الحکم فیما یخالفه، و العجب أنّ القائلین بالامتناع یدعون الفطنة و الکیاسة و لم یتنبه أحد لهذا السؤال، و لم یخطر بباله رکاکة هذا الکلام[3]
یلاحظ علیه: أنّ الرازی غفل عن أنّ الرؤیة من الأُمور الإضافیة القائمة بالرائی و المرئی، فالتقابل من لوازم الرؤیة بما هی هی، فاختلاف المرئی فی الماهیات کاختلاف الرائی فی کونه حیواناً أو انساناً لا مدخلیّة له فی هذا الموضوع، فافتراض نفس الرؤیة و تعلّقها بالشیء و غضّ النظر عن الرائی و خصوصیات المرئی یجرّنا إلى القول: بأنّ الرؤیة رهن التقابل أو حکمه، و ذلک لأنّ الموضوع لحکم العقل من لزوم المقابلة فی الرؤیة هو نفسها بما هی هی، والموضوع متحقّق فی الشاهد و الغائب، و المادی و المجرّد، فاحتمال انتقاض الحکم باختلاف المرئی یناقض ما حکم به بأنّ الرؤیة بما هی هی لا تنفکّ عن التقابل، فإنّه أشبه بقول القائل: إنّ نتیجة 2+ 2 هو الأربعة، لکن إذا کان المعدود مادیاً لا مجرّداً، و یردّ بأنّ الموضوع نفس اجتماع العددین و هو متحقّق فی کلتا الصورتین.
ثمّ ماذا یقصد (الرازی) من الغائب؟ هل یقصد الموجود المجرّد عن المادّة و لوازمها؟ فبداهة العقل تحکم بأنّ المنزّه عن الجسم و الجسمانیة و الجهة و المکان لا یتصوّر أنْ یقع طرفاً للمقابلة، و إنْ أراد منه الغائب عن الأبصار مع احتمال کونه جسماً أو ذا جهة، فذلک ابطال للعقیدة الإسلامیة الغرّاء التی تبنّتها الأشاعرة و کذلک الرازی نفسه فی غیر واحد من کتبه الکلامیة و فی غیر موضع فی تفسیره.
و لقائل أن یسأل الرازی: أنّه لو وقعت الرؤیة على ذاته سبحانه فهل تقع على کلِّه أو بعضه؟ فلو وقعت على الکلّ تکون ذاته محاطة لا محیطة، و هذا باطل بالضرورة، و لو وقعت على الجزء تکون ذاته ذا جزء مرکب.
و ممّا ذکرنا تتبیّن رکاکة ما استدلّ به الرازی على کلامه[4]
لا يوجد تعليق