الجواب الاجمالي:
الجواب التفصيلي:
هذا اللفظ مرکب من کلمتین و لکل مفهوم، ویمکن تحدید مفهوم «الأهل» من موارد استعماله فیقال:
1. أهل الأمر والنهی. 2. أهل الإنجیل. 3. أهل الکتاب. 4. أهل الإسلام. 5. أهل الرجل. 6. أهل الماء.
وهذه الموارد توقفنا على أنّ کلمة «أهل» تستعمل مضافاً فیمن کان له علاقة قویة بمن أُضیف إلیه، فأهل الأمر و النهی هم الذین یمارسون الحکم و البعث و الزجر، و أهل الإنجیل هم الذین لهم اعتقاد به کأهل الکتاب و أهل الإسلام.
وقد اتفقت کلمة أهل اللغة على أنّ الأهل و الآل کلمتان بمعنى واحد، قال ابن منظور: آل الرجل: أهله، وآل اللَّه وآل رسوله:
أولیاؤه، أصلها أهل ثم أُبدلت الهاء همزة فصارت فی التقدیر أأل، فلمّا توالت الهمزتان أبدلوا الثانیة ألفاً، کما قالوا: آدم وآخر، و فی الفعل آمن و آزر.
و قد أنشأ عبد المطلب عند هجوم ابرهة على مکة المکرمة، و قد أخذ حلقة باب الکعبة وقال:
و انصر على آل الصلیب و عابدیه الیوم آلک
و على ما ذکرنا، فهذا اللفظ إذا أُضیف إلى شیء یقصد منه المضاف الذی له علاقة خاصة بالمضاف إلیه، فأهل الرجل مثلًا هم أخص الناس به، وأهل المسجد، المتردّدون کثیراً إلیه، وأهل الغابة القاطنون فیها ... فإذا لاحظنا موارد استعمال هذه الکلمة لا نتردّد فی شمولها للزوجة والأولاد، بل و غیرهم ممّن تربطهم رابطة خاصة بالبیت من غیر فرق بین الأولاد والأزواج، ولأجل ذلک ترى أنّه سبحانه یطلقه على زوجة إبراهیم کما عرفت فی الآیة.
هذا هو حق الکلام فی تحدید مفهوم هذه الکلمة، ولنأت ببعض نصوص أئمّة اللغة.
قال ابن منظور: أهل البیت سکانه، وأهل الرجل أخص الناس به، وأهل بیت النبی: أزواجه وبناته وصهره، أعنی: علیاً علیه السلام، وقیل:نساء النبی والرجال الذین هم آله[1]
فلقد أحسن الرجل فی تحدید المفهوم أوّلًا، و توضیح معناه فی القرآن الکریم ثانیاً، کما أشار بقوله: «قیل» إلى ضعف القول الآخر، لأنّه نسبه إلى القیل.
وقال ابن فارس: ناقلًا عن الخلیل بن أحمد: أهل الرجل: زوجه، والتأهّل، التزوّج، وأهل الرجل: أخص الناس به، و أهل البیت:
سکّانه، وأهل الإسلام: من یدین به[2]
وقال الراغب فی «مفرداته»: أهل الرجل من یجمعه وإیّاهم نسب أو دین أو ما یجری مجراهما من صناعة وبیت وبلد، فأهل الرجل فی الأصل من یجمعه و إیّاهم مسکن واحد، ثم تجوز به فقیل: أهل بیت الرجل لمن یجمعه و إیّاهم النسب و تعورف فی أُسرة النبی علیه الصلاة والسلام مطلقاً إذا قیل أهل البیت[3]
وقال الفیروز آبادی: أهل الأمر: ولاته، و لبیت سکّانه، وللمذهب من یدین به، و للرجل زوجته کأهله، وللنبی أزواجه وبناته و صهره علی- رضی اللَّه تعالى عنه- أو نساؤه والرجال الذین هم آله[4]
هذه الکلمات و نظائرها بین أعلام أهل اللغة کلّها تعرب عن أنّ مفهوم أهل البیت فی اللغة هم الذین لهم صلة وطیدة بالبیت، و أهل الرجل من له صلة به بنسب أو سبب أو غیرهما.
هذا هو الحق الذی لامریة فیه و العجب من إحسان إلهی ظهیر[5] الذی ینقل هذه النصوص من أئمّة اللغة وغیرهما ثم یستظهر انّ أهل البیت یطلق أصلًا على الأزواج خاصة، ثم یستعمل فی الأولاد والأقارب تجوّزاً، ثم یقول: هذا ما یثبت من القرآن الکریم کما وردت هذه اللفظة فی قصة إبراهیم بالبشرى، فقال اللَّه عزّ وجلّ فی سیاق الکلام: «وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِکَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ یَعْقُوبَ* قَالَتْ یَا وَیْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِی شَیْخاً إِنَّ هَذَا لَشَیْءٌ عَجِیبٌ* قَالُوا أَتَعْجَبِینَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَکَاتُهُ عَلَیْکُمْ أَهْلَ الْبَیْتِ» [6] و قال: فاستعمل اللَّه عزّ وجلّ هذه اللفظة على لسان ملائکته فی زوجة إبراهیم علیه السلام لا غیر، وهکذا قال اللَّه عزّ وجلّ فی کلامه المحکم فی قصة موسى علیه الصلاة والسلام: «فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَاراً قَالَ لأهْلِهِ امْکُثُوا إِنِّی آنَسْتُ نَاراً»[7] ، فالمراد من الأهل زوجة موسى علیه السلام، وهی بنت شعیب[8]
نحن نسأل الکاتب من أین استظهر من کلمات أهل اللغة انّ «الأهل» تطلق أصلًا على الأزواج خاصة، ثم تستعمل فی الأولاد تجوّزاً؟!
ألیس قد تقدّم لنا کلام ابن منظور: أهل الرجل: أخص الناس به؟! ألیس الأولاد أخص الناس بالرجل؟ ومن فسره بقوله: أهل الرجل زوجه لا یرید اختصاصه بالزوج، بل یشیر إلى أحد موارد استعماله، ولأجل ذلک یستدرکه ویصرح بقوله: أهل الرجل: أخص الناس به.
ثم نسأله عن دلالة الآیتین على اختصاص الأهل بالأزواج و هل فی منطق اللغة و الأدب جعل الاستعمال دلیلًا على الانحصار؟ فلا شک انّ الأهل فی الآیتین أُطلق على الزوجة، ولیس الإطلاق دلیلًا على الانحصار، على أنه أُطلق فی قصة الخلیل وأُرید الزوجة والزوج معاً، أی نفس الخلیل بشهادة قوله تعالى: «علیکم أهل البیت» و الإتیان بضمیر الجمع المذکر، و إرادة واحد منهما و حمل الخطاب العام على التعظیم، لا وجه له فی المقام.
و حصیلة الکلام: انّ مراجعة کتب اللغة، وموارد استعمال الکلمة فی الکتاب و السنّة تعرب عن أنّ مفهوم «الأهل» هو المعنى العام و هو یشمل کل من له صلة بالرجل و البیت صلة وطیدة مؤکدة من نسب أو سبب أو غیر ذلک، من غیر فرق بین الزوجة والأولاد و غیرهم، و انّ تخصیصها بالزوجة قسوة على الحق، کما أنّ تخصیصها لغة بالأولاد و إخراج الأزواج یخالف نصوص القرآن و استعمالها کما عرفت فی الآیات الماضیة.[9]
لا يوجد تعليق