الجواب الاجمالي:
الجواب التفصيلي:
یدعی ابن تیمیه، انّ « قوله «مَن زار قبری وجبت له شفاعتی» فهذا الحدیث رواه الدارقطنی ـ فیما قیل ـ بإسناد ضعیف، و لهذا ذکره غیر واحد من الموضوعات، و لم یروه أحد من أهل الکتب المعتمد علیها من کتب الصحاح و السنن و المسانید»[1]
نقول: قد اخرج هذا الحدیث عدّة من الحفاظ و أئمة الحدیث یزید عددهم على أربعین محدّثاً و حافظاً، و ها نحن نذکر بعض من رواه من قدماء المحدّثین:
1. ابن أبی الدنیا، أبو بکر عبد الله بن محمد القرشی(المتوفّى 281هـ)[2]
2. الحافظ أبو الحسن علیّ بن عمر الدارقطنی (المتوفّى 385هـ)[3]
3. الحافظ أبو بکر البیهقی(المتوفّى 458هـ)[4]
4. القاضی عیاض المالکی(المتوفّى 544هـ)[5]
5. الحافظ أبو القاسم علیّ بن عساکر(المتوفّى 571هـ)[6]
إلى غیرهم من العلماء و المصنّفین الذین ذکر أسماءهم و أسماء کتبهم العلاّمة المحقق الأمینی[7] حتى أنّ مؤلّفی «الفقه على المذاهب الأربعة» ـ وهم سبعة مؤلّفین ـ رووا هذا الحدیث فی موسوعتهم[8]
فهل یمکن رمی هؤلاء الحفّاظ و فیهم ابن أبی الدنیا و البیهقی و الدارقطنی و ابن خزیمة بأنّهم اعتمدوا على حدیث موضوع مدسوس فی أمر مهم؟
و أمّا سند الحدیث فقد تکلّم فیه تقی الدین علی بن عبد الکافی السبکی الشافعی (المتوفّى 751هـ) فی «شفاء السقام» و نحن نذکر بعض ما قاله:
إنّ الأحادیث التی جمعناها فی الزیارة بضعة عشر حدیثاً ممّا فیه لفظ الزیارة غیر ما یستدلّ به لها من أحادیث أُخر، و تضافر الأحادیث یزیدها قوة، حتى أنّ الحسن قد یرتقی بذلک إلى درجة الصحیح. ثم قال: و بهذا بل بأقلّ منه، یتبیّن افتراء مَن ادّعى أنّ جمیع الأحادیث الواردة فی الزیارة، موضوعة.
فسبحان الله!! أما استحى من الله ومن رسوله فی هذه المقالة التی لم یسبقه إلیها عالم و لا جاهل؟ لا من أهل الحدیث، و لا من غیرهم؟ و لا ذکر أحدٌ موسى بن هلال و لا غیره من رواة حدیثه هذا بالوضع، و لا اتّهمه به فیما علمنا!
فکیف یستجیز مسلم أن یطلق على کلّ الأحادیث التی هو واحد منها: «أنّها موضوعة» و لم یُنقل ذلک عن عالم قبله، و لا ظهر على هذا الحدیث شیء من الأسباب المقتضیة للمحدّثین للحکم بالوضع، و لا حُکم متنه ممّا یخالف الشریعة، فمن أی وجه یحکم بالوضع علیه لو کان ضعیفاً؟ فکیف و هو حسن أو صحیح؟[9]
أقول: رجال السند ـ کما أخرجه الدارقطنی ـ کلّهم ثقات لا کلام فیهم إلاّ فی رجلین. و إلیک البیان:
روى الدارقطنی قال حدثنا القاضی المحاملی، ثنا«عبید» بن محمد الوراق، ثنا موسى بن هلال العبدی، عن عبید الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر ، قال: قال رسول الله: من زار قبری وجبت له شفاعتی. و لا غبار فی السند و لو کان کلام، فإنّما هو فی موردین:
1. عبید الله بن محمد الورّاق. 2. موسى بن هلال العبدی.
أمّا الأوّل: فهو بصورة المصغّر «عبید» ثّقة بلا کلام، وثقّه الخطیب[10] و قد أقام السبکی شواهد کثیرة على أنّ النسخة المصحّحة هو «عبید».
و أمّا لو کان بصورة المکبر فقد ورد فیه التعدیل و الجرح، لا باتهامه بالوضع و الدس و الحیل و نظائره، بل بسوء الضبط و إلیک کلمات القوم:
قال أبو حاتم الرازی: رأیت أحمد بن حنبل یحسن الثناء علیه.
قال یحیى بن معین: لیس به بأس یکتب حدیثه، و قال: إنّه فی نافع: صالح. قال ابن عدیّ: لا بأس به صدوق.
قال ابن حبان: کان ممّن غلب علیه الصلاح حتى غُلب عن ضبط الأخبار، وجودة الحفظ للآثار، تقع المناکیر فی روایته، فلما فحش خطؤه استحق الترک[11]
فلو کان فیه کلام فإنّما هو فی حفظه، وبما أنّ الحدیث فی غایة الاختصار، فاحتمال خطئه فیه بعید.
امّا الثّانی: (موسى بن هلال)، قـال ابـن عـدی: أرجـو أنّه لا بأس به[12]
کیف؟ و هـو من مشایخ أحمد بن حنبل، والمشهور أنّ أحمد، و مالک، و شعبة، و یحیى بن سعید، و عبد الرحمن بن مهدی، و البخاری، و مسلم، لا یروون إلاّ عن ثقة.
و بذلک ظهر أنّ وصف الحدیث بکونه موضوعاً فی غایة الخروج عن قواعد الحدیث، فإن الضعیف على قسمین:
قسم یکون ضعفُ راویه ناشئاً من کونه متهماً بالکذب و نحوه، فاجتماع الأحادیث الضعیفة من هذا الجنس لا یزیدها قوة.
و قسم یکون ضعف راویه ناشئاً من ضعف الحفظ مع کونه من أهل الصدق و الدیانة، فإذا رأینا ما رواه قد جاء من وجه آخر، عرفنا أنّه ممّا قد حفظه و لم یختل فیه ضبطه، هکذا قاله ابن الصلاح وغیره.
فاجتماع الأحادیث الضعیفة من هذا النوع یزیدها قوة و قد یرقى ذلک إلى درجة الحسن أو الصحیح[13]
ثمّ إنّ لهذا الحدیث صوراً أُخرى جمعها العلاّمة السبکی فی «شفاء السقام» فبلغت إلى خمسة عشر حدیثاً و یحتمل أن یکون الجمیع صوراً مختلفة لحدیث واحد کما یحتمل أن تکون أحادیث متعدّدة.
ثمّ تابعه العلاّمة المحقّق الأمینی فى کتاب «الغدیر» فبلغ عدد الأحادیث إلى اثنین وعشرین حدیثاً.
و قد درس هذان العلَمان الأحادیث المذکورة سنداً و دلالة، و ردّا الإشکالات المتوجّهة إلیها[14]
لا يوجد تعليق