الجواب الاجمالي:
عَمد الوهّابیّون وبالتعاون مع بریطانیا إلى محو الآثار الإسلامیة فی مکّة و المدینة، وهدْم قبور أولیاء اللَّه وهتک حرمة آل رسول اللَّه، وغیر ذلک من الجرائم والمنکرات التی یهتزّ لها ضمیر المسلم
الجواب التفصيلي:
الوهّابیّة فرقة منسوبة إلى محمّد بن عبد الوهّاب؛ انه حاملًا أفکار ابن تیمیّة البائدة و اتفق مع آل سعود لیقوم کلّ منهما بتأیید الآخر، هذا فی الحکم و ذاک فی التشریع، و انتشرت الوهّابیّة فی بلاد نجد انتشار السرطان الأثیم فی الجسم، فانخدع جمعٌ من الناس، و تحزَّبوا- و مع کلّ أسف- باسم التوحید للقضاء على أهل التوحید، و أراقوا دماء المسلمین باسم الجهاد مع المشرکین، و راح الأُلوف من الناس- رجالًا و نساءً و صغاراً و کباراً- ضحیَّة لهذه البِدَع و الأباطیل، و توسَّعت شُقّة الخلاف بین المسلمین، و أُضیف على مذاهبهم المتعدّدة، مذهب جدید.
و قد بلغت المصیبةُ ذروتَها عند ما سقط الحَرَمان الشریفان- مکّة و المدینة- فی قبضة هذه الزمرة المنحرفة، و عَمد النجدیّون الوهّابیّون- و بالتعاون مع بریطانیا الحاقدة التی کانت تهدف إلى تقسیم الدولة الإسلامیة إلى دویلات صغیرة تحدُّها الحدود الجغرافیة- عمدوا إلى محو الآثار الإسلامیة فی مکّة و المدینة، و هدْم قبور أولیاء اللَّه و هتک حرمة آل رسول اللَّه، و غیر ذلک من الجرائم و المنکرات التی یهتزّ لها ضمیر المسلم[1]
فی سنة 1216 ه (عشر سنوات بعد وفاة مؤسس الحرکة الوهّابیة) هاجمت جماعة من الوهّابیین مدینة کربلاء قادمة من صحراء الجزیرة العربیة، واستغلوا فرصة سفر أهالی المدینة إلى النجف الأشرف بمناسبة عید الغدیر، فدخلوا المدینة وقاموم بتخریب وهدم مرقد سید الشهداء الحسین بن علی علیه السلام وسائر المراقد الشریفة فی هذه المدینة، ونهبوا ما فیها من أبواب ذهبیة ونفائس، وقتلوا ما یقرب من خمسین شخصاً عند ضریح الحسین علیه السلام، وخمسمائة شخص فی صحن الروضة المشرفة، کما قتلوا أعداداً کبیرة فی سائر أنحاء المدینة، حتى بلغ عدد المقتولین فی ذلک الهجوم الوهابی خمسة آلاف إنسان، ولم یسلم منهم حتى الشیوخ والعجائز والأطفال، کما نهبوا کثیراً من البیوت. و بعد النهب و القتل دمروا کذلک ضریح الإمام و حولوه إلى کومة من الأقذار و الدماء. و حطموا خصوصا المنابر و القباب لأنهم یعتقدون بأن الطابوق الذی بنیت منه مصبوب من ذهب[2]
و فی عام 1344 أفتى فقهاء المدینة الخاضعون لجهاز الحکم الوهابی بهدم قبور أئمّة الإسلام وأولیاء اللَّه الصالحین، ونفذت هذه الفتوى فی الیوم الثامن من شوّال من السنة المذکورة، وهمّ المنفذون أن یهدموا قبر رسول اللَّه صلى الله علیه و آله أیضاً، ولکن لم تکن لدیهم الجرأة الکافیة للاعتداء على القبر الطاهر للنبی الأکرم (صلى الله علیه وآله) تفادیاً من قیام عامّة المسلمین ضدهم، وبحسب الاصطلاح استفاد «مخالفو التقیة» من التقیة فی مقابل المسلمین[3]
یقول بعض المؤرّخین: «بادر الوهّابیّون- لمّا استولوا على مکّة- بالمساحی فهدموا- أوّلًا- ما فی «المعلّى» مقابر قریش- من القباب، و هی کثیرة، منها قُبَّة سیّدنا عبد المطّلب جدّ النّبی صلى الله علیه و آله و سلم و قُبَّة سیّدنا أبی طالب- رضوان اللَّه علیه- و قبَّة السیدة خدیجة- رضوان اللَّه علیها-(کما هدموا قبَّة اهل بیت النبی صلى الله علیه و آله فی البقیع)،و کما هدموا قبَّة مولد النبی صلى الله علیه و آله و سلم و مولد أبی بکر، و مولد الإمام علی علیه السلام (و مولد الحسنین علیهما السلام) و هدموا قبَّة زمزم و القباب التی حول الکعبة، و تتبّعوا جمیع المواضع التی فیها آثار الصالحین فهدموها( مثل مقابر شهداء البدر و بیت الاحزان و...)، و کانوا- عند الهدم- یرتجزون و یضربون بالطبول و یُغنُّون و یُبالغُون فی شتم القبور ... حتى قیل إنّ بعضهم بال على قبر السیّد المحجوب!![4]
و من جرائمهم الکبیرة احراق «المکتبة العربیّة» التی فیها ستین الف من کتب النفیسة و اربعین الف من نسخ الخطّیّة المعتمدة حتی من عصر النبی صلى الله علیه و آله و سلم و نسخ مخطوطة بید علی علیه السلام و ابی بکر و عمر و غیرهم من الصحابة و نسخة خطیة من الکتاب العزیز المخطوط بید عبدالله بن مسعود و غیره من الذخائر العلمیة و الآثار الاسلامیة[5]
و حینما سیطر عبد العزیز آل سعود على الأحساء و القطیف عین عبد الله بن جلوی الإرهابی المعروف، حاکما على الأحساء. و بدأ المذکور بالتنکیل بالشیعة و مارس معهم أبشع الجرائم دون رحمة. و تحدثنا کتب التاریخ السعودی ان کتب الشیعة و مؤلفات علمائهم أحرقت أبان السیطرة السعودیة الثالثة على المنطقة، و أن مساجدهم قد دمرت و اطلقوا علیها لفظ الکنائس و قد أجبر الشیعة على الرضوخ إلى مذهب السلطة فعینت السلطة قضاة یقضون بین الغالبیة الشیعیة على مذهبها، و عینت أئمة للجماعة لیؤموا الشیعة و أجبرتهم على الصلاة خلفهم. و منعت علیهم بکل السبل و الوسائل أحیاء شعائر مذهبهم رغم ان رجالات الشیعة قد اتفقوا مع عبد العزیز بن مسعود عام (1913 م) على احترام حقوقهم المذهبیة و عدم التعرض لهم فی معتقداتهم و دینهم، لکن الملک نقض عهده، و قد أفتى علماؤه فی عام (1345 ه) بأن یجبر الشیعة على تغییر مذهبهم بالقوة أو ینفوا من البلاد، و أن تدمر مساجدهم و حسینیاتهم، و یتم بالقوة تعلیمهم مذهب السلطة و معتقداتها[6]
واستمر الحال بالمسلمین إلى هذا الیوم حیث نرى نماذج من هذه الحوادث المؤسفة فی مناطق متعددة من العالم الإسلامی کما رأینا فی حکومة الطالبان فی أفغانستان وفی تفجیرات جیش الصحابة فی مساجد الشیعة فی باکستان أو حوادث القتل والانفجارات المروعة فی العراق فی صفوف الشیعة وأهل السنّة، فی کل یوم وحتى فی العربیة السعودیة فی مدینة «الریاض» و «الخبر» و غیرهما!
إن ما یقوم به الوهابیة الیوم فی حق مخالفیهم لا یقره لا الإسلام السلفی، و لا الإسلام الخلفی،و لا تقره جمیع المواثیق الدولیة الخاصة بحقوق الإنسان. و بعد هل هذا هو الإسلام السلفی، الذی یطرح نفسه کبدیل و منقذ للبشریة؟! ما ذا سیفعل السلفیون مثلا لو استطاعوا ان یحکموا بلدا کلبنان، فیه أکثر من ثمانی عشر طائفة؟!
اما اکثر خطرا من هذه الجنایات افکارهم المنحرفة و المبتدعة کالتجسم و جواز الرؤیة و انکار شفاعة الأنبیاء و الرسل و المقربین و اسناد الشرک الى اهل القبلة لذلک و تحریم زیارة القبور و التفصیل فی ما لا نص فیه و الاستناد بالاحادیث الضعیفة و التفصیل فی الشبهات التحریمیة من غیر وجه فیهما الى غیر ذلک من المناکیر التی بسببها تصدّى علماء الشیعة- و علماء السنّة أیضاً - لهذا الغزو الوهّابی الحاقد، و کتبوا الکتب و نشروا المنشورات، فی فضحهم - الَّذین جائوا یُحققوا أهداف بریطانیا فی ثوب جدید- و کشف القناع عن حقیقتهم و الردّ على آرائهم الشاذّة(انطلاقاً من قول النّبی- صلّى اللَّه علیه و آله-: «إذا ظهرت البِدَع فعلى العالِم أن یُظهر عِلمه، و إلّا فعلیه لعنة اللَّه»)؛ و سعوا فی إصلاح الصورة الموحشة التی رسمها هؤلاء الارهابیین عن الإسلام أمام العالم أجمع و تبیین أنّ المسلم الواقعی برىء من هذه الأعمال، وإن کانت إزالة جمیع الآثار السلبیة لهذه الأعمال الارهابیة تحتاج لسنوات مدیدة ولیس من الیسیر نسیانها وخاصة أنّها أعطت ذریعة قویة لأرباب الکنیسة والصهانیة لیظهروا الإسلام للعالم بصورة مشوهة ومخیفة، نعوذ باللَّه من جهل الجاهلین ونسأل اللَّه تعالى الهدایة والنجاة للجمیع من مکائد الشیطان.
لا يوجد تعليق