الجواب الاجمالي:
أخذت الدعوة الوهابیة تنتشر فی الأراضی المقدسة بالطابع السلفی، فصارت السلفیة والوهابیة وجهین لعملة واحدة، واستعانت السلطة السعودیة بکلّ ما تملک من قوّة وقدرة إرهابیة، ودراهم ودنانیر ترغیبیة، لنشر المنهج الوهابی، فاستعملت الأوّل فی الأُمیّین، واشترت بالثانی أصحاب القلم وأرباب الجرائد والمجلات و سائر وسائل الإعلام. فصارت السلفیة فی هذه الأماکن رمز الإسلام الأصیل
الجواب التفصيلي:
لمّا استفحلت دعوة الشیخ محمد بن عبد الوهاب فی نجد و قام أُمراء المنطقة (آل سعود) بترویج منهجه و استغلوه للسیطرة على الجزیرة العربیة، اهتمت الوهابیة بنشر ما ألّفه السلف حول البدع السابقة الموروثة من الیهود و النصارى، فصار إثبات الصفات الخبریة کالید و الوجه و الاستواء بمفهومها اللغوی مذهباً رسمیاً لدعاة الوهابیة، لا یجترئ عالم على مخالفته فی أوساطهم.
و لمّا تمّت معاملة الدول الکبرى على الخلافة العثمانیة المسیطرة على أکثر ربوع الإسلام یوم ذاک و أُقصیت من ساحة البلاد العربیة، حلّت سیطرة آل سعود المتبنین للعقیدة الوهابیة من لدن میلادها، محلها فی أرض الحجاز عموماً، و الحرمین الشریفین خصوصاً. ومن جراء ذلک أخذت الدعوة الوهابیة تنتشر فی الأراضی المقدسة بالطابع السلفی، فصارت السلفیة والوهابیة وجهین لعملة واحدة، و قد استعانت السلطة السعودیة بکلّ ما تملک من قوّة و قدرة إرهابیة، و دراهم و دنانیر ترغیبیة، لنشر المنهج الوهابی، و لکلّ من ذینک الأمرین أهله و محله. فاستعملت الأوّل فی الأُمیّین و الرعاع من الناس، و اشترت بالثانی أصحاب القلم و أرباب الجرائد و المجلات و سائر وسائل الإعلام. فصارت السلفیة فی هذه الأماکن رمز الإسلام الأصیل!!!
و قد استعانت هذه السلطة فی تسریع الحرکة الوهابیة فی هذا الزمان بما ظهر فی المناطق الشرقیة من الجزیرة من الذهب الأسود، فاستولت على زبرج الدنیا و زینتها و تمادت فی غیّها و ساقت کثیراً من الناس إلى معاسیف السبل و معامیها، حتّى تأثر بتلک الحرکة بعض الشبان و غیرهم خارج الجزیرة العربیة.
لکن الدعایات الخاطئة عاقتهم عن التعرف على ما فی تلک العصور من النقاش و الخلاف بین المسلمین و سفک الدماء و قتل الأولیاء و حکومة الإرهاب و الإرعاب، إلى غیر ذلک من المصائب و الطامات الکبرى[1]
اما منطقهم فی رد مخالفیهم لیس منطق العدل و الانصاف؛ انهم تمسّکوا بإحراق کتب و مکتبات مخالفیهم ک«المکتبة العربیة»و...، و تهدید من عنده کتب فی نقد افکارهم!؛ والملاحظة الملفتة للنظر هنا أنّ مکتبات مخالفیهم مثل الشیعة ملیئة من کتب هولاء و لا یخافون من مثل هذه الکتب على مذهبهم فی حین أنّه قلّما توجد کتب الشیعة فی مکتبات العربیة السعودیة «وأحیاناً لا یوجد ولا کتاب واحد» کیف الحال بالکتب التی تتعرض بالوهابیة، فلماذا یخاف هؤلاء إلى هذه الدرجة من النقد؟! إنّ وجدان القارىء المحترم سیجیب عن هذا السؤال، إنّ مثل هذه الظاهره تنشأ من التعصبات غیر المقبولة فی أی زمان فکیف بعصرنا الحاضر، ولهذا ینبغی على حماة هذه التعصبات أن یجمعوا متاعهم ویلتحقوا بمتحف التاریخ.
إنّ الشبّان من الوهابیین لهم الحق فی أن یسألوا من أکابرهم هذا السؤال وهو: لماذا لا یوجد لدیهم کتب سائر المذاهب الإسلامیة وخاصة الکتب التی تنتقد الوهابیة نقداً علمیاً ومنطقیاً؟[2]
إنهم للأسف أصبحوا باب التهمة و الکذب والافتراء مفتوحاً، حیث قامت الأقلیة الوهابیة باتهام جمیع مخالفیها بأنواع التهم المختلفة؛ کما قال عبدالله محمّد الغریب :«إنّ الثورة الخمینیّة مجوسیّة ولیست إسلامیّة، أعجمیّة و لیست عربیّة، کسرویّة و لیست محمّدیّة» وقال ایضا:«نعلم أنّ حکّام طهران أشدّ خطراً على الإسلام من الیهود، ولا ننتظر خیراً منهم، وندرک جیّداً أنّهم سیتعاونون مع الیهود فی حرب المسلمین»[3]
اقول کیف انتم یعتقدون بخطر الیهود والنصاری علی الاسلام مع أنکم تحامون عنهم وتروّجون افکارهم من التجسیم و تکفیر المسلمین و... !
وقال ناصرالدین القفارى استاذ جامعة المدینة مطلبا مضحکا بدون تحقیق: «أدخل الخمینی إسمه فی أذان الصلوات، و قدّم إسمه حتّى على إسم النبیّ الکریم، فأذان الصلوات فی ایران بعد استلام الخمینی للحکم وفی کلّ جوامعها کما یلی: الله اکبر، الله اکبر، خمینی رهبر، أى الخمینى هو القائد، ثمّ أشهد أنّ محمّداً رسول الله[4]
وغیره من التهم الباطلة مثل الشرک وعبادة غیر الله تعالی واستعانة بغیر الله تعالی بدون اذنه و...
مع انهم لم یروا ولم یقرءوا حتى سطراً واحداً من کتب مخالفیهم، وهذا ممّا یؤسف له کثیراً.
وإنى لَاعجب من علمائهم، الذین بحثوا فی توحید الله تعالى وصفاته، ورووا حتى عن أقل الصحابة والتابعین، برهم و فاجرهم، وعن الیهود والنصارى،...کیف لم یطلعوا على الخطب الغنیة لعلی أمیر المؤمنین علیه السلام وکلمات أهل البیت البلیغة فی حقائق التوحید، التی تشهد بأنهم باب مدینة علم النبی صلى الله علیه وآله و قد کانت هذه الخطب والاحادیث وما تزال فی متناولهم، مودعة فی المصادر المختلفة، ومجموعة فی نهج البلاغة وأمثاله ..! فلو أنهم اطلعوا علیها لفتحت لهم أبواباً جدیدة، و حلت لهم مشکلات مستعصیة و لظهر شیء من آثارها و أنوارها فی مؤلفاتهم! إن مقتضى قاعدة (احمل أخاک المسلم على الاحسن) أن نقول إنهم لم یقرءوا شیئاً من أحادیث الشیعة و مؤلفاتهم و بحوثهم فی التوحید و الصفات، لَانا إذا اتهمناهم بأنهم قرءوها و تجاهلوها، فذلک یعنی وجود کارثة فی بحوث العقائد عندهم.
وتعجبی الاکبر من جرأة بعضهم على تبرئة مصادرهم من التشبیه والتجسیم، واتهام الشیعة ومذهبهم بذلک![5]
إنّ الوهابیین المتعصبین «السلفیین» یقفون فی الجهة المتقابلة تماماً لمنطق العقل والعدل الإسلامی، حیث یعتقدون بلزوم فرض عقیدتهم فی مسألة «الشرک والتوحید» على الآخرین حتى لو کان بأدوات التهدید بالقتل وسفک الدماء ونهب الأموال کما یلاحظ هذا المعنى بوضوح فی کتابات مؤسس هذا المذهب.
عندما نقول لعلمائهم: إذا کنتم من العلماء فنحن أیضاً من العلماء وقد درسنا وکتبنا من الکتب أکثر منکم. وإذا کنتم مجتهدین فنحن بدورنا مجتهدون أیضاً، إنّ الأزهر الشریف والحوزات الدینیة فی دمشق والاردن والعراق و ایران و سائر البلاد الإسلامیة تحوی الکثیر من المجتهدین، فما المسوغ لإجبار الآخرین على اعتناق عقیدتکم وقبول أفکارکم «فی باب الشرک والتوحید» بغض النظر عن کوننا نقطع ببطلانها؟ یقولون: الحق هو ما رأیناه ونعتقد به والإسلام لا یقول غیر ذلک!!
عندما نقول لهم: ما هو امتیازکم على سائر علماء الإسلام بحیث تریدون فرض عقیدتکم علیهم وسوق الآخرین بسیاطکم؟ فلا نسمع جواباً منطقیاً منهم[6]
فاعلم ایها القاری أنّهم ان کانوا بالحق فلماذا لا یقبل هؤلاء بالجلوس على مائدة الحوار المشترک مع علماء الإسلام من الأزهر، والشام، وقم، والنجف، ویبحثون معهم هذه المسائل بحثاً منطقیاً، لتتضح الحقیقة للناس.
لا يوجد تعليق