الجواب الاجمالي:
نّنا بحاجة إلى ذلک، لأنّه یعمق ارتباطنا بفاطمة (س)، ویدخلها إلى قلوبنا، ویمزجها بالروح وبالمشاعر وبالأحاسیس، لیزداد تفاعلنا مع ما تقول وما تفعل، ونحس بما تحس، ونحب من وما تحب، ونبغض من وما تبغض، ویؤلمنا ما یؤلمها ویفرحنا ما یفرحها، فیزیدنا ذلک خلوصا وطهرا، ومن ثم یزید فی معرفتنا بحقیقة ظالمیها والمعتدین علیها،
الجواب التفصيلي:
قد یجب البعض عن سؤال: أیهما أفضل مریم بنت عمران ( ع ) أم فاطمة بنت محمد ( ص ) بقوله: هذا علم لا ینفع من علمه و لا یضر من جهله، و إنما هو مجرد ترف فکری أحیانا، أو سخافة و رجعیة و تخلف أحیانا أخرى.
ثم یقول: و إذا کان لا خلاف بین مریم و فاطمة حول هذا الأمر، فلماذا نختلف نحن فی ذلک؟ فلفاطمة فضلها، و لمریم فضلها، و لا مشکلة فی ذلک.
أما نحن فنقول :
أولا: لا شک فی أنّ الزّهراء علیها السلام هی أفضل نساء العالمین، من الأولین والآخرین، أما مریم فهی سیدة نساء عالمها .
و قد روی ذلک عن رسول الله ( ص ) نفسه، فضلا عما روی عن الأئمة علیهم السلام[1]
و یدلّ على أنّها أفضل من مریم کونها سیدة نساء أهل الجنة ، و مریم من هؤلاء النسوة[2]
و یدلّ على أفضلیّتها أیضا، ما روی عن الصادق ( ع ): لولا أنّ الله تبارک و تعالى خلق أمیر المؤمنین لفاطمة ما کان لها کفؤ على ظهر الأرض من آدم و من دونه[3] وهذا الخبر یدل على أفضلیة أمیر المؤمنین ( علیه السلام ) أیضا .
ثانیا : إنّ سؤالنا عن الأفضلیة لا یعنی أنّنا نختلف فی ذلک، بل هو استفهام لطلب المزید من المعرفة بمقامات أولیاء الله تعالى التی ورد الحث على طلب المزید منها، لأنّه یوجب مزیدا من المعرفة بالله تعالى. و نحن لو اختلفنا فی ذلک فلیس هو خلاف الخصومة و العدوان، و إنّما هو الخلاف فی الرأی، الّذی یأخذ بیدنا إلى تقصی الحقیقة و ازدیاد المعرفة، و تصحیح الخطأ و الاشتباه لدى هذا الفریق أو ذلک .
ثالثا: إنّ علینا أن ندرک - کل بحسب قدرته - إن کل ما جاء فی کتاب الله تعالى، و کل ما قاله رسول الله ( ص ) و أوصیاؤه علیهم السلام، و أبلغونا إیاه، و کل ما ذکر فی کتاب الله العزیز، لا بدّ أن نعرفه بأدق تفاصیله إن استطعنا إلى ذلک سبیلا، و هو علم له أهمیته، و هو یضر من جهله، و ینفع من علمه. و لا ینحصر ما ینفع علمه بما یرتبط بالأمور السیاسیة فقط، أو المالیة، أو الاجتماعیة، أو التنظیمیة، و الممارسة الیومیة للعبادات أو ما إلى ذلک. و ذلک لأن للإنسان حرکة فی صراط التکامل ینجزها باختیاره وجده، و بعمله الدائب، و هو ینطلق فی حرکته هذه من إیمانه ، و یرتکز إلى درجة یقینه، و هذا الإیمان و ذلک الیقین لهما رافد من المعرفة بأسرار الحیاة، و دقائقها، و بملکوت الله سبحانه، و بأسرار الخلیقة، و من المعرفة بالله سبحانه، و بصفاته و أنبیائه و أولیائه الذین اصطفاهم، و ما لهم من مقامات وکرامات، و ما نالوه من درجات القرب و الرضا، و ما أعده الله لهم من منازل الکرامة، کمعرفتنا بأن الله سبحانه هو الذی سمى فاطمة[4] و هو الذی زوجها فی السماء قبل الأرض[5] و بأنّها کانت تحدث أمها و هی فی بطنها[6] و غیر ذلک. وهذه المعرفة تزید فی صفاء الروح ورسوخ الإیمان، و معرفة النفس الموصلة إلى معرفة الرب سبحانه.
و من الواضح: أنّ مقامات الأنبیاء و الأوصیاء و الأولیاء، و درجات فضلهم قد سمت و تفاوتت بدرجات تفاوت معرفتهم بذلک کله.
غیر أنّ بعض المعارف قد تحتاج إلى مقدمات تسهل علینا استیعابها، و تؤهلنا للاستفادة منها بالنحو المناسب، فتمس الحاجة إلى التدرج فی طی مراحل فی هذا السبیل، تماما کطالب الصف الأول، فإنّه لا یستطیع عادة أن یستوعب - بالمستوى المطلوب - المادة التی تلقى على طلاب الصف الذی هو فی مرحلة أعلى کالطالب الجامعی مثلا، بل لا بد له من طی مراحل تعده لفهم واستیعاب ذلک کله تمهیدا للانتفاع به.
و کلما قرب الإنسان من الله، زادت حاجته إلى معارف جدیدة تتناسب مع موقعه القربى الجدید، و احتاج إلى المزید من الصفاء، و الطهر، و إلى صیاغة مشاعره و أحاسیسه و انفعالاته، بل کل واقعه وفقا لهذه المستجدات.
و هذا شأن له أصالته و واقعیته و لا یتناسب مع مقولة: هذا علم لا ینفع من علمه و لا یضر من جهله. و إذا کان الإمام الصادق علیه السلام لم یترفع عن الخوض فی أمر کهذا، حین سئل عن هذا الموضوع فأجاب.
فهل یصح منا نحن أن نترفع عن أمر تصدى للإجابة عنه الإمام ( ع ) دونما اضطرار، و هو الأسوة والقدوة؟ ! . إذن . . نحن بحاجة لمعرفة ما لفاطمة ( ع ) من مقام علی و کرامة عند الله، و معرفة ما لها من فضل على باقی الخلائق، و بحاجة إلى معرفة أنّها سیدة نساء العالمین من الأولین و الآخرین، و أنها أفضل من مریم ( ع )، و من کل من سواها، حتى لو کانت مریم ( ع ) سیدة نساء عالمها.
إنّنا بحاجة إلى ذلک، لأنّه یعمق ارتباطنا بفاطمة علیها السلام، و یدخل فاطمة إلى قلوبنا، و یمزجها بالروح و بالمشاعر و بالأحاسیس، لیزداد تفاعلنا مع ما تقول و ما تفعل، و نحس بما تحس، و نشعر بما تشعر، و نحب من و ما تحب، و نبغض من و ما تبغض، و یؤلمنا ما یؤلمها و یفرحنا ما یفرحها، فیزیدنا ذلک خلوصا و طهرا و صفاء و نقاء، و من ثم هو یزید فی معرفتنا بحقیقة ظالمیها و المعتدین علیها، ویعرفنا حجم ما ارتکب فی حقها، و مدى سوء ذلک و قبحه[7]
لا يوجد تعليق